يطوي عام 2017 صفحته، مؤكدا أن وسائل التواصل الاجتماعي باتت جزءا لا يتجزأ من الحياة اليومية. «فيسبوك» اليوم أكثر من ملياري مستخدم نشط، 83.6 في المائة منهم من خارج الولايات المتحدة وكندا. ويليه «يوتيوب» بمليار ونصف مستخدم، وتتم مشاهدة 3.25 مليار ساعة من تسجيلات الفيديو على المنبر شهريا. كما يحظى «إنستغرام» بنحو 800 مليون مستخدم، يحملون نحو 80 مليون صورة يوميا. وعلى منصة «تويتر» 330 مليون مستخدم، وبحسب أحد مسؤولي الشركة، لدى أكثر من 82 في المائة من قادة العالم حسابات يغردون عبرها للتواصل مع شعوبهم، وبقية العالم.الاعتماد المتزايد على وسائل التواصل الاجتماعي وانخراط المنابر بالعمل السياسي، وحتى تطويعها كسلاح من قبل المتطرفين لنشر آيديولوجيتهم الإرهابية، دعا صناع القرار إلى مراجعة هذه التطبيقات؛ بل ومحاولة فرض قوانين جديدة لتنظيمها.في ذلك السياق، تساءل مقال لـ«الإيكونوميست» مطلع شهر نوفمبر (تشرين الثاني) المنصرم، عما إن كانت وسائل التواصل تهدد الديمقراطية أم تدعمها. وقال المقال: «عوض كونها وسيلة للتنوير، تحولت وسائل التواصل إلى حاضنة للسموم».هذا المقال يأتي على خلفية اتهامات تلقتها «فيسبوك» و«تويتر» وغيرها من جهات متعددة، بالتحول إلى منصة للتضليل الإعلامي والإساءة للديمقراطية حول العالم، وجرى استخدامها كأداة للتلاعب بالرأي العام، والمثال الأهم، الانتخابات الرئاسية الأميركية. فمنذ إعلان «فيسبوك» أن جهات روسية مولت رسائل ترويجية عبر شبكتها خلال الحملة التي سبقت الانتخابات الرئاسية الأميركية العام الماضي، تتوالى الضربات المسددة للمجموعة العملاقة، وأيضا لمنافستها «تويتر» التي كشفت في مطلع أكتوبر (تشرين الأول) الماضي عن معلومات مماثلة، رغم تأكيد المجموعتين المستمر حرصهما على حماية الديمقراطية.وقد رضخت المجموعتان للضغوط الممارسة عليهما، ووافقتا على التعاون مع الكونغرس والقضاء في التحقيق بشأن التدخل الروسي المحتمل في الانتخابات التي فاز بها دونالد ترمب. وقد نفى الكرملين مرارا هذه الاتهامات.واعترفت «فيسبوك» في الشهر ذاته بأن شركات ومؤسسات روسية غامضة خدعتها، ونشرت آلاف الإعلانات في صفحاتها، كانت محتوياتها تدخلا في الحملة الانتخابية الأميركية التي فاز فيها مرشح الحزب الجمهوري دونالد ترمب. وفي نهاية الشهر تبعتها «تويتر».وبعد التحقيقات التي أجرتها شركة «فيسبوك» للرد على الاتهامات، أعلنت الشهر الجاري أن التأثير الروسي على المجريات السياسية لم يكن بالحجم المتوقع، وكشفت أن الجهات الروسية أنفقت أقل من دولار أميركي واحد على إعلانات أثرت على الناخبين، في استفتاء بريطانيا للخروج من الاتحاد الأوروبي. أما فيما يخص الانتخابات الأميركية، تم الكشف عن نحو ثلاثة آلاف حساب حاول التأثير على الناخبين الأميركيين لاختيار ترمب. لكن التحقيق في الموضوع على سائر المنابر لا يزال جاريا، والإجابات التي وفرتها الشركات لم يراها المسؤولون كافية لإقناعهم.الانتخابات شكلت صداما بين الحكومات والمنابر الاجتماعية لم يكن الوحيد، إذ توترت علاقة الطرفين مجددا في قضية الإرهاب الإلكتروني. فبعدما طوعت الجماعات المتطرفة وعلى رأسها تنظيم داعش وسائل التواصل الاجتماعي لنشر آيديولوجيتها الإرهابية، وتجنيد جيوش عابرة للحدود، والتحريض على هجمات لذئاب منفردة، تنبهت الحكومات إلى مدى خطورة التطبيقات المشفرة الناشرة للتطرف، التي تسهل حتى في التحضير للهجمات.حثت رئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي تلك الوسائط على التعاون مع الحكومات لضمان الأمن القومي، ولإحباط أي عمليات محتملة، وأي محاولات للتجنيد. ومع أن الشركات المالكة للتطبيقات باشرت بحذف المواد المتطرفة وحظر المستخدمين المشبوهين، فإنها رفضت مشاركة الحكومات ببيانات المستخدمين، خوفا أن تخسر قاعدتها الجماهيرية بداعي التعدي على الخصوصية، الأمر الذي زاد حدة التوتر بين وسائل التواصل والحكومات.«السوشيال ميديا» انخرطت بجوانب الحياة، ومن المستحيل تحييدها أو حظرها. فحتى لو حاولت الحكومات ذلك، سيبزغ البديل. لذا، على من يستخدمها التحلي بوعي مجتمعي. هكذا يستخلص مقال «الإيكونوميست» الجدل الذي طرحه. ويقول: «بعدما استنزفنا وسائل التواصل الاجتماعي، تترتب علينا مسؤولية إعادة إحياء أهدافها الأولية، التنوير والتغيير الإيجابي، أي دعامات الديمقراطية».
مشاركة :