نتعاون حيناً ونتنافس أحياناً

  • 10/1/2014
  • 00:00
  • 11
  • 0
  • 0
news-picture

كيف يمكن لأي مواطن تقييم مسيرة مجلس التعاون منذ إنشائه؟ وفي محاولة فقد يستدعي البعض انطباعات أو تجارب، والبعض الآخر قد يشترط دراسة منهجية. ولن أقول إن الانطباعات غير مهمة، وخصوصاً عندما نطلب من مواطن - أي مواطن - أن يُعَبرّ عن رأيه - لاحظوا رأيه - في أداء هذه المنظمة، وعما إذا كانت – وفقاً لانطباعاته - قد حققت الآمال المعقودة عليها. لعلنا نتفق أن الآمال التي كانت معقودة أكبر مما تحقق بالفعل، إذ إن النظام الأساسي كُتب بحبرِ التدرج والتطور، وهذا بديهي، انطلاقاً من أن المؤمل كان منظمة إقليمية حيوية تتقدم كل يوم، وتتقارب دولها على الدوام، ويتواصل انصهار اقتصاداتها لتصبح كماً واحداً. أي نعم بتدرج وتؤدة، لكنها تتحرك دائماً للأمام دونما توقف ولا تقهقر. وفي ظني أن الأمر في منظمتنا العتيدة ليس كذلك. وليس هذا مقام نَدب، بل مقام يكفي للبوح بأن النظام الأساسي للمجلس لم يكتب لكي ينفذ بعد عقود طويلة في المستقبل غير المنظور، والدليل أن الحماس والدافعية القوية جعلت الدول الست توقع الاتفاقية الاقتصادية الموحدة عملياً بعد أسابيع من الإعلان عن قيام المجلس! أين هذه الدافعية الآن؟ سؤالي ليس استنكارياً بل استفسارياً، وقد حدثتكم في هذا الشأن مطولاً ولن أزيد، بل أنتقل لسؤالٍ آخر: كيف نقيم مسيرة مجلس التعاون لدول الخليج العربية؟ لعل المسلك المنهجي يستوجب أن نقارن بين المستهدف وما تحقق فعلاً على الأرض، وتحديداً بالنظر لمواد وفقرات النظام الأساسي للمجلس في مسعى للإجابة عن السؤال: هل تحقق ما يدعو له النظام الأساسي؛ جزئياً أم كلياً أم لم تتحقق ألبتة؟ ونأخذ كل اتفاقية عُقدت في إطار المجلس لنحلل محتواها بذات الطريقة السابقة، ونتناول كل إعلان صدر عقب كل قمة للمجلس الأعلى الموقر ونتفطن في ديباجته وقراراته ونحللها كذلك، وننتقل للجان الفنية والوزارية وننظر في قراراتها وما توصلت إليه اجتماعاتها وما انتهت إليه من قرارات، للإجابة عن سؤال: هل نُفذت؟. إن تقييم مسيرة المجلس أمر مهم لاستخلاص العِبر من تجربة عمرها زاد عن ثلاثين عاماً لكنها لم تكتمل، وليس واضحاً إن كانت ستكتمل وكيف سيكون ذلك وما أفقه الزمني؟. أقول هذا ومنا من سيقول إنه ليس بالإمكان أحسن مما كان، لكن النقطة ليست هذه بل: أين اتجاه البوصلة مستقبلاً؟ فإلى أين سيتجه مجلسنا غداً؟ قد يقول قائل: إن ما يحدث في منطقتنا العربية أمر مُربك وقد أدى لتعطيل بعض المشاريع والمبادرات أو إبطائها، وقد يردف بأن الأزمة المالية التي عصفت بالاقتصاد العالمي ولم ينجو منها أحدٌ قد أثرت على العديد من مشاريع التقارب الخليجي ولا سيما العملة الخليجية الموحدة. وسيكون الرد: أن منطقتنا لم تخل قط من التجاذبات، بل إن تلك التجاذبات هي التي جعلت دول المجلس تسعى حثيثاً للتقارب، فالتكتل ملاذٌ لدولهِ في حالات اضطراب البيئة المحيطة، باعتبار أن التعاون والتقارب والتكامل بين دوله يصبح أكثر جدوى كلما زادت حدة الاضطرابات والعكس بالعكس، بما يبرر القول أن أهمية التقارب والتكامل في وقتنا الراهن هي أعلى من أي وقت مضى. لكن أعود لأقول إنه لا بد من تقييم المسيرة رغبة في الوصول للأسباب الجذرية لعدم ارتقاء المجلس للتطلعات التي وضعت عند تأسيسه، فهو وحدة لم تتحقق، وتكامل لم يكتمل، وقد استهلكنا وقتاً ذهب جلّه في الانتظار. وإن صدق الانطباع العام أن العديد من المبادرات الرئيسية للمجلس ما برحت تنتظر، فيصبح لزاماً بذل الجهد للتيقن من ذلك، والأهم السعي لإنهاء حالة الانتظار واستهلاك الوقت في تدوير الزوايا التي يأبى بعضها التدوير. وأخذاً في الاعتبار ما يقال من أن الانطباعات هي الحقيقة، يصبح لزاماً العمل لتقييم المسيرة ليس من أجل التقييم كنهاية ومطلب بل للوصول لرؤية مشتركة لحلحلة الانسدادات، ولعل أحد الخيارات هو حسم الجدل حول التطلعات غير القابلة للتطبيق، عوضاً عن مقابلتها طويلاً والاستمرار في الحديث عنها لسنوات رغم أنها لا تتحرك نحو التنفيذ تحركاً ملموساً، والأمثلة عديدة ولن أكررها هنا، لكني أنهي بالقول إن الفرصة أمام دول المجلس لتعمل جميعاً كانت وما زالت هائلة، وأن دول المجلس فطنت لذلك بالفعل وأسست من أجله مجلساً، لكن المستهدف لم ينجز حتى الآن، علماً بأن تحقيقه سيجلب انتعاشاً وتنوعاً اقتصادياً وتوازناً اجتماعياً إضافياً قد ينافس ما يحققه الانفاق الحكومي، باعتبار أن المحصلة تتجاوز المجموع الحسابي كماً ونوعاً. والحرص على النجاح أمر مسلم به، أما عملياً فأمام الدول الست حالة من اثنتين: إما أن تتنافس أو أن تتكامل، ولها أن تختار. سيقول أحدٌ إنها اختارت عندما وقعت وثيقة النظام الأساسي للمجلس، أقول: يبدو أن عليها أن تجدد اختيارها أو أن تؤكده من جديد، فهي حالياً تخلط بين التكامل حيناً والتنافس أحياناً.

مشاركة :