محنة الروهينجا المستمرة ترثي الضمير العالمي الميت

  • 12/26/2017
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

إعداد:عمار عوض ما زالت محنة مسلمي ميانمار من أقلية الروهينجا، جرحاً إسلامياً خالصاً بعدما هزت الجرائم البشعة وحروب الإبادة ضمائر المسلمين وشرفاء العالم في كل مكان. ومازال النظام العدواني الحاكم في نايبيداو مستمراً في غيّه برفضه التعاون مع المنظمات الدولية لإعادة مئات آلاف اللاجئين من بنجلاديش، كما لا يريد أن يعترف بحرب التطهير الظالمة التي يشنها على جزء أصيل من أبناء ميانمار.مع مرور الأيام تتوالى الأخبار السيئة لتضع مأساة الروهينجا الضمير الدولي أمام اختبار قاسٍ، فإما القبول بما يجري وخذلان الضحايا، أو التحرك لإعلاء قيم الحق والعدل وحفظ حقوق الشعوب والأقليات، التي يفترض أنها مكفولة بمبادئ القانون الدولي وثوابت الأخلاق الإنسانية.وأكثر ما يؤلم في القصة المأساوية للروهينجا، العجز الدولي المحفوف بالصمت، على الرغم من الدعوات الكثيرة المطالبة بإنهاء هذه المحنة. فقد بقي العالم كله يتفرج على أكبر حملة تطهير عرقي تشهدها ميانمار وتستهدف مسلمي الروهينجا في إقليم أراكان (راخين)، وقد سقط الآلاف من الضحايا على يد الجيش، الذي يتفنّن منذ سنوات في قتل المسلمين العزل. وفي الحملة الأخيرة قتل أكثر من 6700 من المسلمين الروهينجا خلال شهر من اندلاع حرب التطهير في أغسطس/ آب الماضي.وتشير منظمة «أطباء بلا حدود» إلى أن أكثر من 647 ألف من الروهينجا هربوا إلى بنجلاديش منذ أغسطس/ آب الماضي، وقالت المنظمة في استطلاع إن أكثر من 9 آلاف من الروهينجا لقوا حتفهم في ميانمار من 25 أغسطس/ آب إلى 24 سبتمبر/ أيلول، فيما تشير «أقل التقديرات» إلى مقتل 6700 في أعمال العنف، بينهم 730 طفلاً سنهم أقل من 5 أعوام. ويدلي يقول مدير «أطباء بلا حدود» سيدني وونج، في شهادته : «ما كشفناه مروع، من حيث عدد الذين أبلغوا عن مقتل أحد أفراد العائلة بسبب العنف، وبشاعة الطرق التي قالوا إنهم قتلوا أو جرحوا بها». وتقول الإحصائيات إن 69% من الوفيات في أعمال التطهير كانت بإطلاق نار و9% قتلوا حرقاً في منازلهم و5% تعرضوا للضرب حتى الموت. وتقول «أطباء بلا حدود» إن من بين القتلى أطفالاً دون الخامسة من العمر، 59% منهم تعرضوا لإطلاق نار، و15% قتلوا حرقاً، و7% تعرضوا للضرب حتى الموت، و2% قتلوا بألغام. وتفيد تقارير عدة بأن الكثير من لاجئي القوارب المنتمين للروهينجا تحولوا إلى عبيد وعاملين بالسخرة في بلدان مجاورة، وباتوا أقرب إلى سلعة يتاجر بها سماسرة حسب مستويات العرض والطلب في أسواق عالم يتشدق من حين إلى آخر بحقوق الإنسان.وتزعم سلطات ميانمار أن شرارة الأحداث بدأت الصيف الماضي إثر «تعرض مواقع للشرطة وقاعدة للجيش» لهجمات من قبل «مسلحين»، ولكن هذا الادعاء مردود على مطلقه لأن سلطات ميانمار تسعى منذ زمن طويل للتخلص من المسلمين الروهينجا والسيطرة على مزارعهم وقراهم التي تعرضت إلى الحرق والنهب. ومن ضمن مزاعمها أيضاً أن هناك «إرهابيين» اندسوا بين الروهينجا، وهو اتهام بائس حاولت من ورائه سلطات ميانمار استغلال الهجمة الدولية على الإرهاب لتبرير جرائمها الشنعاء.وفيما تتفق العديد من المراجع والطروحات على أن معاناة الروهينجا بدأت منذ نحو سبعة عقود، هناك اتفاق أيضا على أن هذه المعاناة بلغت ذروتها في الأعوام الخمسة الأخيرة حتى باتوا من أكبر المجموعات «عديمة الجنسية» على مستوى العالم، فيما تتواتر تقارير مؤكدة على أن الممارسات القمعية وعمليات التهجير القسري لهذه الطائفة مازالت مستمرة.والروهينجا جماعة إثنية تستوطن ولاية آراكان في ميانمار بشكل رئيسي، تصنفهم الأمم المتحدة «الأقلية الدينية الأكثر تعرضًا للاضطهاد في العالم»، ويتميزون باستخدامهم للغة الروهينجية واعتناقهم الإسلام، كما تمثّل هذه الجماعة أقلية مسلمة في بلد يدين أغلب سكانه بالبوذية. وولاية راخين ممزقة منذ فترة طويلة بين البوذيين والمسلمين، ويعيش نحو 1.3 مليون من الروهينجا في الولاية ولكنهم محرومون من الجنسية ويواجهون قيودًا في ما يتعلق بالسفر، لأن بوذيين كثيرين في شتى أنحاء ميانمار يزعمون أنهم مهاجرون غير شرعيين من بنجلاديش المجاورة.وتتأسس مأساة الروهينجا على حالة إنكار رسمي تعتمدها السلطات لوجودهم في بلادهم، وهو إنكار يتم على مستوى الأقوال والأفعال، إذ تتعمد القيادات المحلية على تأجيج ثقافة الإنكار لأي وجود للروهينجا بين الأقليات في هذا البلد. وتحت هذه السياسة العنصرية المليئة بالحقد والكراهية، تدنت أوضاع الروهينجا الاجتماعية والاقتصادية، وتم تعزيز هذه الإجراءات بحرمان من حرية الحركة والتنقل داخل ميانمار حتى بعد فوز حزب «الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية» الذي تتزعمه أونج سان سوتشي في الانتخابات البرلمانية التي أجريت في شهر نوفمبر عام 2015.وتؤكد الوثائق التاريخية والمعطيات السياسية أن أقلية الروهينجا ظلت دائما تصطف إلى جانب الحرية والديمقراطية. كما كانت من أكبر الداعمين والمؤيدين لمواقف أونج سان سوتشي حين كانت تناهض الحكم العسكري الديكتاتوري في نايبيداو، ولكن سوتشي ردت الإحسان بالإنكار والانسياق مع التوجه العنصري ولم تفعل شيئاً لنصرة جزء من شعبها، مع العلم أن الروهينجا لم يكونوا يوماً انفصاليين، فعندما كانت ميانمار تحت الاحتلال البريطاني بين عامي 1886 و1948، قاوم المسلمون الروهينجا الاحتلال وقدموا آلاف الضحايا، وهم يأملون أن ينالوا حقوقهم بالتوازي مع شركائهم في الوطن ميانمار أو بورما في السابق. وعلى امتداد هذه العقود ظلت مظلومية الروهينجا تجمع ما بين التاريخ والحاضر حتى باتت عنواناً لمأساة متعددة الألوان والأبعاد ما بين قتل وتعذيب وإقصاء وحرمان من الجنسية والحقوق السياسية.قبل انتخابات 2015، اتخذت السلطات العسكرية قراراً أحادياً بحرمان الروهينجا المسلمين من المشاركة في العملية الانتخابية، وقد تساوقت مع هذا القرار الظالم، أحزاب وقوى سياسية، تحت وطأة ضغوط قيادات بوذية متعصبة، ضمن توجه مستبد ظل يزرع التخويف بين السكان من «الجماعات الإرهابية» التي طغت أخبارها السيئة على العالم في السنوات الأخيرة، وعلى هذا الأساس انبنى التهميش، الذي سرعان ما تحول إلى إنكار للوجود.وكانت زعيمة ميانمار اونج سان سو تشي، الحائزة على جائزة «نوبل» للسلام، ألغت مشاركتها في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر الماضي بعدما واجهت سيلاً من الانتقادات بسبب صمتها حيال الانتهاكات بحق الأقلية المضطهدة في بلدها. وعلى ذلك الأساس، طالبت شخصيات ومنظمات وجمعيات بسحب جائزة نوبل لصمتها المتواطئ مع الجيش الذي ارتكب هذه الجرائم، وهي التي وقفت أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2016، متعهدة بإيجاد حل للكراهية العرقية والدينية في راخين سعياً إلى «السلام والاستقرار والتطوير لجميع المجتمعات في الولاية». وفي إشارة إلى مدى أفول نجم سو تشي منذ ذلك الحين، انتقدتها المجموعات الحقوقية نفسها التي قادت حملات في الماضي من أجل إنهاء الإقامة الجبرية التي كانت مفروضة عليها، لصمتها حيال مأساة الروهينجا. ومن حين إلى آخر تترسب معطيات عن الانتهاكات، ومؤخراً كشفت الوكالة الرسمية لاتحاد الروهينجا (أراكان) أن حكومة ميانمار، شكلت لجاناً لجمع جثث قتلى مسلمي الروهينجا ودفنهم في مقابر سرية، بعيداً عن أماكن قتلهم على يد الجيش، شرق مدينة راسيدونج وغربها، لطمس أي معالم للجرائم. وبحسب الوكالة فإن العشرات من الجثث الروهينجية يتم التخلص منها بشكل عاجل وارتجالي، قبل السماح للوفود الدولية بزيارة المناطق التي شهدت أحداث الأزمة الأخيرة منذ 25 أغسطس الماضي.وقال شاهد عيان من الناجين إن «عشرات الجثث لروهينجيين بقيت على حالها ملقاة لما يقارب الأسبوعين». ولإتمام هذا الطمس، بحسب الشاهد، فقد استنفرت الحكومة وحدات كبيرة من قوات الأمن للإسراع في إخفاء آثار جرائم القتل والإبادة، عبر دفن الجثث في مقابر جماعية». وقد أثارت محاولات طمس الجريمة، تنديد منظمات روهينجية، الذي تهدف إلى«تغييب الحقائق عن أنظار العالم وإخفاء معالم الجرائم التي ارتكبتها قوات جيش ميانمار ضد مسلمي الروهينجا»، كما أنها محاولة للإفلات من العقوبات والمساءلة الدولية بشأن الانتهاكات الوحشية التي ترتكبها حكومة ميانمار وجيشها بحق الروهينجيين. ومع ذلك لا يتوقع أن تثير هذه المعلومات أي تحرك دولي جاد، فطوال الأشهر الماضية، يبدو أن المجتمع الدولي قد سقط في الاختبار وفقد مصداقية شعاراته.ومن القاهرة أطلق الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر ورئيس مجلس حكماء المسلمين تصريحات داعمة لمسلمي الروهينجا. وقال قبيل مغادرة بعثة الأزهر إلى بنجلاديش الشهر الماضي «إننا نطلق من هنا من مصر قلب العروبة والإسلام ومن الأزهر الشريف، صرخة إنسانية مدوية للمطالبة بتحرك فورى من جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، لكي يبذلوا أقصى ما يستطيعون من ضغط سياسي واقتصادي يُعيد السلطات الحاكمة في ميانمار إلى الرشد والصواب، والتوقّف عن سياسة التمييز العنصري والديني بين المواطنين».وأطلق الأزهر الشريف ومجلس حكماء المسلمين «حملة قوافل إغاثة لاجئي الروهينجا» في منطقة كوكس بازار جنوب شرقي بنجلاديش، دعماً للجهود الدولية الرامية إلى مواجهة نزوح مئات آلاف الروهينجا من بلدهم ميانمار إلى بنجلاديش. وأثناء زيارة الدكتور عباس شومان وكيل الأزهر الشريف والبعثة المصرية لمسلمي الروهينجا استقبله أحد المواطنين هناك بالبكاء الشديد، واحتضن الدكتور عباس شومان، وكيل الأزهر، وأخبره بأن أبناءه الأربعة تم ذبحهم أمام عينيه من قبل جيش الديكتاتورية في ميانمار. وعانق وكيل الأزهر الرجل متأثراً بما تحدث به البعض عن مأساته، وطالب شومان في تصريحات صحفية، العالم بالتحرك لإنهاء الأزمة، كاشفًا أنه عقب عودته للقاهرة ولقاء الإمام الأكبر سيطلعه على الأمر، متوقعاً أن تستمر مساعدات الأزهر للروهينجا، نظراً للظروف الصعبة التي يمر بها المسلمون هناك. كما وصف شومان ما يتعرض له مسلمو الروهينجا بأنه وضع مأساوي، فتلك كلمة ترفيهية لا تعبر عن حجم الأزمة الحقيقي، قائلاً: «نحن هنا شهود على موت الضمير الإنساني لترك هؤلاء للوصول لهذا المستوى المتدني فغاية هؤلاء أن يسكنوا آلام الجوع، بل أصبحت أمانيهم ليست حياة كريمة بل أقصاها أن يظلوا على قيد الحياة».وبدوره أدلى بابا الفاتيكان فرانسيس الثاني بدلوه حين أدى زيارة إلى ميانمار وبنجلاديش، ورغم تعرضه لضغوط كبيرة لمنعه من اتخاذ موقف، إلا أنه اعترف بالمأساة وهاجم السلطات الديكتاتورية بسبب معاملتها مسلمي الروهينجا، قائلاً إنهم «يُعذبون ويُقتلون لا لشيء سوى لدينهم وثقافتهم». وقال في خطاب متحدثاً عن الروهينجا :«لقد طردوا من ميانمار، ورُحّلوا من مكان إلى آخر بسبب أنه لا أحد يريدهم. إنهم طيبون، ومسالمون. إنهم ليسوا مسيحيين. إنهم طيبون. إنهم إخواننا وأخواتنا». وبكى البابا فرانسيس خلال زيارته إلى بنجلاديش خلال سماعه اللاجئين الروهينجا، وهم يروون محنتهم مباشرة، مضيفاً أن اللقاء معهم كان أحد الشروط التي وضعها لزيارة ميانمار وبنجلاديش.وتتواصل الأصوات المنددة بما يجري، ومن جنيف قال رئيس مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة زيد رعد الحسين إن العملية التي تستهدف مسلمي الروهينجا «تبدو مثالاً كتابياً للتطهير العرقي». وأشار إلى أن الوضع لا يمكن تقييمه بشكل كامل لأن ميانمار رفضت الوصول إلى محققي حقوق الإنسان بيد أنها قالت إن الأمم المتحدة تلقت «تقارير متعددة وصور أقمار صناعية لقوات الأمن والميليشيات المحلية التي تحرق قرى روهينجية وحسابات متسقة عن عمليات القتل خارج نطاق القانون بما في ذلك إطلاق النار على المدنيين الفارين». ويأتي ذلك، بينما أعرب ثلاثة من خبراء حقوق الإنسان في البعثة الدولية المستقلة لتقصي الحقائق عن قلقهم الشديد إزاء الوضع هناك بسبب روايات القتل والتعذيب والاغتصاب والحرق المتعمد والهجمات الجوية. وأعرب النائب العام الأسبق في إندونيسيا وخبير حقوق الإنسان، مرزوقي داروسمان، الذي يترأس لجنة بعثة تقصي الحقائق، عن الانزعاج العميق خلال الزيارة التي قامت بها البعثة بسبب العديد من الروايات التي سمعتها من أشخاص كانوا يعيشون في عدة قرى في ولاية راخين الشمالية، وأظهرت جميع الروايات نمطاً ثابتاً ومنهجياً من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي تعرض لها مئات الآلاف من السكان. وغير بعيد عن هذا الموقف، أكدت الممثلة الخاصة السابقة للأمين العام للأمم المتحدة المعنية بالأطفال والنزاع المسلح، راديكا كوماراسوامي إلى أن البؤس واليأس اللذين شاهدتهما في المخيمات جعلاها ترتجف من شدة الغضب فيما أشار الخبير الثالث، كريستوفر سيدوتي إلى أن الزيارة ركزت، بالإضافة إلى معاينة الوضع في الميدان، على مستقبل الروهينجا، وهو مستقبل لا يبدو سعيداً إذا استمر المجتمع الدولي في تجاهله ولامبالاته المثيرة للاشمئزاز.

مشاركة :