دأبت إيران ومنذ عقود على إيجاد موطئ قدم لها في منطقة غرب أفريقيا، واستخدمت لذلك أدوات عدة، منها الديني ومنها الاقتصادي ومنها العسكري والاستخباراتي أيضاً. وتمكنت إيران من تحقيق اختراق، لاسيّما فيما يتعلق بنشر التشيع وإثارة الطائفية في منطقة عرفت بالاستقرار الديني ووحدة المذهب، وهو المذهب المالكي السني المعتدل. وبلغ النشاط الإيراني في أفريقيا أوجهه في 2016، حيث استضافت مدينة قم الإيرانية في مايو مؤتمراً دينياً لطلاب 30 دولة أفريقية، ليعد واحداً من أبرز مشاريع إيران لزرع أيديولوجيتها المذهبية في القارة السمراء. وبعد أشهر وتحديداً في أغسطس 2016 تم الإعلان عن تأسيس ما يعرف بـ «رابطة عموم أفريقيا» وهو تجمع يضم قادة الحوزات الشيعية في إفريقيا، ويهدف لنشر بذور الطائفية في القارة الإفريقية وخلق مذهب جديد وافد على شعوب القارة. ويعد اختيار العاصمة السنغالية دكار مقراً لهذه الرابطة واختيار الموريتاني بكار ولد بكار رئيساً لها، دليلاً على مدى اهتمام إيران بمنطقة غرب أفريقيا تحديداً والتي تضم كلاً من: موريتانيا ومالي والنيجر وبوركينا فاسو والسنغال وساحل العاج والغابون وجامبيا وغينيا بيساو وغينيا وغانا ونيجيريا وبنين وتوغو وليبيريا وسيراليون والرأس الأخضر. خلق بؤرة ويرى الخبير محمد ولد حمود أن دوافع إيران للتركيز على هذه المنطقة يعود إلى ثلاثة أسباب رئيسية هي، خلق بؤرة للطائفية والمذهبية في منطقة عرفت بالاستقرار والتسامح الديني، إذ من المعروف أن الصراع الطائفي أحد أسلحة إيران الرئيسية للتدخل في الشؤون الداخلية للدول، وهي تدرك جيداً أنه في ظل غياب حاضنة مذهبية تدين لها بالولاء لن تستطيع تحقيق أي من أهدافها، لذلك بدأت باستمالة الشعوب الأفريقية سعياً لتغيير عقائدهم كخطوة أولى نحو التدخل في شؤونهم الداخلية. تشتيت انتباه ويشير ولد حمود في تصريحات لـ «البيان»، إلى أنّ السبب الثاني يتمثّل في الرغبة، شغل العالم الإسلامي من البوابة الجنوبية الغربية، وتشتيت انتباهه عن القضايا الجوهرية كقضية فلسطين ومكافحة الإرهاب، وتأسيس ميليشيات وأحزاب موالية لها كما فعلت في بلدان عديدة كاليمن ولبنان والعراق، وبذلك تتمكن من أضعاف قدرة الدول الإسلامية على مواجهة الإرهاب وتحقيق التـــنمية الداخلية، فضلاً عن صرف النظر عن الاستيطان الإسرائيلي في فلسطين وتهويد القدس. تمرير سياسات ويلفت ولد حمود إلى أنّ الهدف الثالث هو تحقيق استراتيجية اقتصادية متعددة الأبعاد لتمرير سياستها الاقتـــصادية وخلق سوق لمنتجاتها والاستيلاء على المواد الأولية التي تزخر بها المنطقة، فضلاً عن إيجاد الغطاء القانوني لتحركاتها الأخرى الإيديولوجية والطائفية وتغليفها بغلاف اقتصادي، وتمكين أدواتهـــا من الحصول على التمويل دون معوقات. ويوضح ولد حمـــود أنّ خطر التغلغل الإيراني في غرب أفريقـــيا يتعاظم يوماً بعد آخر، مشيراً إلى تنبّه بعض الشخصيات الدينية في المنطقة لذلك الخطر ومنهم مفتي موريتانيا أحمدو حبيب الرحــــمن الذي دعا في خطبة سابقة إلى قـــطع العلاقات بين موريتانيا وإيران، محذّراً من خطورة ما سماه «المد الصفوي الفارسي»، لافتاً إلى أنّ هذا المد يقوم على أمور عقدية مخالفة للمذهب السني لموريتانيا.
مشاركة :