اليمين المتطرف ومستقبل الاتحاد الأوروبي

  • 12/26/2017
  • 00:00
  • 21
  • 0
  • 0
news-picture

في مقابل القمة الأوروبية التي عُقدت في بروكسل أخيراً، لمناقشة مستقبل العلاقة بين الاتحاد الأوروبي وبريطانيا، وقضايا الهجرة، اجتمع قادة أحزاب اليمين المتطرف الأوروبي في براغ للدعوة إلى تدمير هذا الاتحاد. والأرجح أن مشاركة حزب الحرية والديموقراطية اليميني في تركيبة الحكومة النمساوية الجديدة، أعطى دفعة قوية للأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا، من أجل العودة إلى الواجهة، بعد الهزائم الانتخابية التي لحقتها، بفعل خطاب متشدد وكراهية الآخر. وإذا كانت مؤسسات الاتحاد الأوروبي ترى أن ثمة فرصة للقفز على قضايا اللاجئين بعقد اتفاق مع تركيا وتعزيز إجراءات التسوية السياسية في مناطق الصراعات، ناهيك عن تقاسم أعباء اللاجئين بين دول الاتحاد، ففي المقابل أكد مؤتمر قادة «حركة أوروبا الأمم والحريات» في براغ، والتي ضمت حزب الجبهة الوطنية الفرنسية، وحزب الحرية النمساوي، وحزب رابطة الشمال الإيطالي، وحزب الحرية الهولندي، أن الاتحاد الأوروبي بوضعه الراهن يمثل تهديداً للدولة الوطنية، كما حذر مما سماه «استعمار المسلمين أوروبا»، بينما وصفت مارين لوبن زعيمة الجبهة الفرنسية الاتحاد بأنه «منظمة كارثية». والواقع أن صعود ظاهرة اليمين في أوروبا وسيطرة الشعبوية على الخطاب السياسي باتت مقلقة ومثيرة للخوف، لما سيترتّب عليها من تأثيرات وانعكاسات على المجتمعات الأوروبية، والأهم أنها تفتح الباب واسعاً بشأن مستقبل الاتحاد الأوروبي. وإذا كانت عوامل كثيرة ساهمت في صعود اليمين الأوروبي، من بينها التراجع الاقتصادي للاتحاد، ومخاوف الأوروبيين من «الإسلاموفوبيا»، ومن ديموغرافيا الإسلام، بفعل التكاثر السريع للوافدين الأجانب، وبخاصة المسلمين، حتى أصبحوا كتلاً سكانية وتصويتية مؤثرة، ففي المقابل ثمة اعتبارات أخرى تنال من الصورة الذهنية للاتحاد وتزيده انغماساً في همه الداخلي، وتوفر في الوقت ذاته بيئة خصبة لدعاوى اليمين المتطرف لتفكيك العائلة الأوروبية، أولها أن الاتحاد الأوروبي يمر الآن بمرحلة حرجة كشفتها النقاشات الساخنة حول مستقبله، بدأت في قمة بروكسل يومي 9 و10 آذار (مارس) 2017، وانتقل الجدل إلى قمة روما التي عُقدت بعد ذلك بأيام لمناسبة مرور 60 عاماً على المعاهدة التي وضعت أساس هذا الاتحاد. وإذا كانت تجربة أوروبا التي استهدفت تأسيس سوق مشتركة، ثم تحولت بعد ذلك إلى الاتحاد الأوروبي بموجب معاهدة «ماستريخت» عام 1992، صارت ملهمة لكثير من الدول، وباتت تضم الآن 27 دولة بعد انسحاب بريطانيا، كما ظلت هذه التجربة على مدى عقود نموذجاً سعت منظمات إقليمية عدة إلى الاحتذاء به، فهي تتعرض الآن لاختبار فارق في مستقبلها، ليس فقط بسبب انسحاب بريطانيا، وإنما لصعود اليمين الشعبوي الذي يعتبر فكرة أوروبا الموحدة «مستهلكة وعفا عليها الزمن». ملامح القلق في مسيرة الاتحاد دفعت رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر إلى صياغة وثيقة موجزة عن مستقبل العائلة الأوروبية تحمل عنوان «كتاب أبيض حول مستقبل أوروبا». حدد يونكر خمسة مسارات إلى الوحدة؛ أهمها استمرار الاتحاد كما هو، والعودة إلى صيغة السوق المشتركة أي «تكتل تجاري»، وخلق أوروبا «متعددة السرعات» تستطيع فيها الدول التي تتشابه في طريقة التفكير تنفيذ خطط على رغم مخالفة دول أخرى إياها. ومن السيناريوات الأخرى تحدي المتشككين في الاتحاد الأوروبي ومواصلة تحقيق حلم أوروبا الفيدرالية في شكل تام، أو اتباع النموذج الأميركي والتركيز على أجندة مخفضة وترك الأمور الأقل أهمية للدول الأعضاء. ويرتبط الاعتبار الثاني بمحاولات يقودها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ويؤمن بها الرئيس الأميركي دونالد ترامب تهدف إلى تفكيك التجمعات الدولية الغربية لفتح الطريق أمام عودة الدولة القومية المتجانسة داخلياً. ويعمل بوتين من جهته جاهداً لتفكيك الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو، من خلال تشجيع الحركات الانفصالية الأوروبية. أما الرئيس الأميركي دونالد ترامب، فلم يضيع الوقت للبدء بعملية تفكيك المؤسسات متعددة الأطراف، ووقف إلى جانب انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. وكانت تحذيرات رئيس الوفد الأوروبي لمفاوضات بريكزيت كاشفة عن حجم قلق العائلة الأوروبية، حيث قال إن ترامب وبوتين يشكلان «خطراً وجودياً» بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي. بينما قالت صحيفة «الغارديان» قبل نحو عام إن الاتحاد الأوروبي وقع بين «مطرقة ترامب وسندان بوتين». فى المقابل هناك عدد متزايد من دول شرق أوروبا، أعضاء في الاتحاد الأوروبي، بدأ منذ وقت التقرب اقتصادياً وسياسياً من روسيا، ففيكتور أوربان مثلاً، رئيس وزراء هنغاريا، يجاهر بهذا التقارب، واحتفل بنجاح ترامب لأنه يرى فيه بداية نهاية الليبرالية الأوروبية. كما أن انتخابات بلغاريا ومالدوفا التي جرت في 13 تشرين الثاني (نوفمبر) 2016 أوصلت قائدين معارضين للتوجه الأوروبي؛ هما إيغور دودون في مالدوفا، وفي بلغاريا فاز رومين راديف القائد السابق للقوات الجوية، المبتدئ في السياسة والمناهض للهجرة نتيجة خيبة أمل البلغاريين من عضوية بلادهم في الاتحاد الأوروبي. وطرح الرئيسان في حملتهما الانتخابية ضرورة تغيير السياسة الخارجية لبلديهما باتجاه علاقات أكثر ودّية مع روسيا، وتشكيك بجدوى الاتحاد الأوروبي. وإضافة إلى ما سبق، هناك ضغوط على كاهل الاقتصاد الأوروبي، حيث تعاني العملة الأوروبية الموحدة «اليورو» أكثر من غيرها من العملات، وسط تحذيرات باحتمال انهيارها أمام الضغوط في حال عدم نجاح القادة الأوروبيين في إيجاد حلول واسعة النطاق لإنقاذ مستقبل الاقتصاد الأوروبي والعملة الموحدة. ومن أزمة ديون اليونان «المزمنة» وتفاقم مشكلات البنوك الإيطالية وخللها الذي يهدد القطاع المصرفي الأوروبي برمته، مروراً بخروج بريطانيا، يمر الاقتصاد الأوروبي بصعوبات جمة، وهو ثاني أقوى اقتصاد على مستوى العالم بعد الولايات المتحدة بإجمالي ناتج محلي قدره أكثر من 16 تريليون دولار بحسب تقرير البنك الدولي 2017. خلاصة القول أن الاتحاد الأوروبي يقف في مفترق طرق ليس بفعل التراجع الاقتصادي، والجدل المحتدم بشأن المهاجرين، وإنما بفعل صعود اليمين المتطرف، الذي يسعى إلى تدمير الاتحاد وعودة الدولة القومية ناهيك عن كونه أكثر تقارباً مع أفكار بوتين وترامب التي تدعو إلى تفكيك المؤسسات والتكتلات الجماعية.     * كاتب مصري

مشاركة :