فرانسوا شامبليون وسرُّ فك رموز الكتابة المصرية القديمة

  • 12/26/2017
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

عند الحديث عن الحضارة المصرية القديمة وعظمتها، نجد أن بداية ما نعلمه عنها أتى على يد الباحث الفرنسي فرانسوا شامبليون، بعد اطلاعه على حجر رشيد وما دُوِّن عليه من نصوص. وبغض النظر عن محتوى نصوص حجر رشيد والدروس الكثيرة التي يمكن أن نستخلصها من قصة حجر رشيد مثل طريقة اكتشافه، فإن المصريين استخدموه في بناء طابية رشيد دون أي تأمل لقيمته ومحتواه، أو اكتشافه على يد أحد الجنود الفرنسيين واستشعاره قيمته الكبيرة، ثم نقله ليتم العمل على فك رموزه من الباحثين الفرنسيين، وأشهرهم شامبليون كما تعلمنا في مادة التاريخ بالمدارس والجامعات، أو محتوى حجر رشيد الذي يعكس أصالة المتاجرة بالدين لخدمة السياسيين في مصر حتى لو كان السياسي محتلاً أجنبياً ظالماً، حيث ساعد الكهنةُ الملكَ البطلمي بطليموس الخامس على وأد ثورة الشعب المصري ضد ظلم الحاكم مقابل مصالح اقتصادية للكهنة. وأيضاً، نجد في دروس حجر رشيد درساً غريباً، حيث إن مكتشف الحجر محتل، وعند ترجمة نصوصه وجد أنها كانت نعي الكهنة محتلاً ظالماً، ومن هنا وعى المحتلون الأوروبيون الجدد كيفية التعامل مع الشعوب العربية ونهبها واستعباد شعوبها. الكثير من الدروس يمكن استخلاصها من قصة حجر رشيد، ولكني لن أتناولها في هذا المقال، وسأتوجه إلى موضوع أعتبره بالغ الأهمية في قصة حجر رشيد، وهو موضوع فك رموز الكتابة المصرية القديمة على يد فرانسوا شامبليون. يبدو لنا أن شامبليون قد قدَّم خدمة جليلة للبشرية بفك رموز حجر رشيد؛ ليساعد في تفسير عظمة الحضارة المصرية القديمة التي ما زالت أسرارها تهيمن على العالم وعلى مخيلة جميع البشر. ولكن للقصة وجه آخر قبيح، وهو وجه المركزية الأوروبية متمثلة في فرانسوا شامبليون المحتال. هذا الشخص الأوروبي الذي ادعى أنه فك رموز الكتابة المصرية القديمة بعد اجتهاد وعمل مستمر، وقد تجلت عبقريته في هذا العمل العظيم وذكره التاريخ كأحد أهم الشخصيات المؤثرة في دراسة الحضارات القديمة وكتابة التاريخ. قد تكون كلماتي صادمة للقراء، ولكنهم سرعان ما سيتفهمون موقفي إذا تسنى لهم البحث عن كتاب الأقاليم السبعة للكيميائي محمد بن أحمد العراقي السماوي، الملقب بأبو القاسم وقراءته. فما تركه هذا العالم العربي قبل تصريحات فرانسوا شامبليون عن الكتابة المصرية القديمة بستمائة عام يثير الدهشة، فقد حوى هذا الكتاب تعبيرات كثيرة ذكرها أبو القاسم عن شرح وتدوين رموز الكتابة المصرية القديمة، ويقال إنه استفاد أيضاً من محاولات مواطنه ابن وحشية النبطي، هذا العالم الكيميائي العراقي الذي سبق أبوالقاسم بما يقارب الثلاثمائة عام أخرى في محاولات فك رموز الكتابة المصرية القديمة في كتابه شوق المستهام، الذي ترجمت مخطوطاته ونشرت في لندن عام 1806 على يد المستشرق النمساوي جوزيف همر. أي أن محاولات فك رموز الكتابة المصرية القديمة عند العلماء العرب تسبق شامبليون بما يقارب الألف عام، كما أن مؤلفات هذين العالمين تمت ترجمتها من قبل الأوربيين للاستفادة من محتويات تلك الكتب وثرائها. وعلى ما يبدو فإن هذه المؤلفات ساعدت فرانسوا شامبليون كثيراً في فك رموز الكتابة المصرية القديمة، ولكن لا يوجد دليل أكيد على ذلك، ولكن حتى وإن لم يكن هناك دليل يؤكد ذلك فما عرفته وألفته عن الأوربيين من احتيال وتزوير للتاريخ والحقائق يجعل هذا الاستنتاج أكثر منطقية. فكما كان للأميركتين ذكر في كثير من المواضع، وكما اكتُشف في أراضيها إنتاجات سومرية ومصرية قديمة وعربية قديمة وأندلسية وإفريقية وصينية ويابانية، ولكن التاريخ الأوروبي يقول إن أول من اكتشف الأميركتين هو البحار الأوروبي كريستوفر كولومبس. وكما كان للفينيقيين السبق بتكليف من قدماء المصريين أو قد يكون للسومريين قبلهم السبق أيضاً في معرفة الدوران حول إفريقيا عن طريق البحر، فإن التاريخ الأوروبي لم يذكر ذلك ونسب اكتشاف رأس الرجاء الصالح إلى البحار الأوروبي بارثولوميو دياز. فلم لا، قد يكون شامبليون استفاد من اجتهادات العلماء العرب ونسب هذا الإنجاز إلى نفسه وساعده الأوروبيون وجهلاء العرب في تدوين اسمه بالتاريخ كأحد الفاتحين، ولكنه في الحقيقة كأسلافه المحتالين؟! وحتى إن لم يكن شامبليون بهذا السوء وكنت متحاملاً عليه، فأين دور الباحثين العرب والشرقيين من إحياء تراث أجدادهم ومن إنصاف الحق والعلم الشرقي الذي سبق نهضة أوروبا المزعومة بعصور بعيدة؟ قد أجدهم أيضاً مشاركين للأوروبيين في تزييف الحقائق إلا أعداداً قليلة من الباحثين. ولن أذكر دور المؤسسات الرسمية العربية، فكلنا ندرك مدى فسادها وتخريبها كل ما هو قائم. لا سبيل لتقدُّمنا بتبعيتنا لكل ما ينقله لنا الغرب، ولن تتطور مجتمعاتنا إلا بالاستناد إلى وعي وعلم أسلافنا الشرقيين القدامى، وتطوير ما تركوه من علوم ليواكب العصر، والتشبُّه والتشبُّث بإنتاجات عقولهم المبدعة؛ ليعود الشرق من جديدٍ منارة للعلم والتطور، وأن نتعلم من أسلافنا أن ننسب الحق إلى أهله، ليس كما يفعل الأوروبيون. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

مشاركة :