ليلاس سويدان | تستطيع أن تنظر خلفك لترى الفعاليات الثقافية المحلية والعربية والإصدرات الجديدة، لتقول لنفسك حسنا هذا عام فيه نشاط ثقافي مثل كل عام وربما أكثر، ولكن عملية «الجرد» الثقافي تستدعي أن نحصي الخسائر كما نحصي الأرباح. والخسائر كثيرة ومؤلمة، وإن كان العام الماضي هو عام رحيل الكبار فهذا العام يمكن أن نسميه عام «العجز». تعجز الثقافة أن تنقذنا في عام الأهوال السياسية، فالممارسات الأدبية والثقافية هنا وهناك تبدو وكأنها ممارسات شعائر أو طقوس لأقلية في مجتمع، هذه الأقلية تشعر مثل كل أقلية بالاضطهاد والعزلة وعدم القدرة على الاندماج. إنها الأقلية التي إن أراد أفرادها ممارسة الاندماج فإما «الشعبوية» الرخيصة، أو القبول بـ«الاستخدام» من السلطة. وأسماء كثيرة ترد إلى البال كشواهد على هذين الدورين. للتاريخ فقط! فقدت الثقافة سلطتها الرمزية عندما لم تعد الضامن لهوية جماعية، ولا قادرة على صياغة خطاب الثقافة البديلة عندما ترتطم كل المآزق السياسية والثقافية والاجتماعية بعضها ببعض، في وضع استثنائي يعلن أن الحل والربط وتحريك كل المنظومة لم يعد للمثقف فيه أي دور، باستثناء تسجيل الموقف أو كتابة شيئا ما «للتاريخ» أو تدوين الواقع في رواية أو بحث أو كتاب. هذه سنة الحروب، وأزمة الخليج، وضياع القدس، ومشروع التطبيع، و«لفلفة» الوضع السوري، وكل ما يقول بوضوح ان للسياسة ومتخذ القرار اليد العليا، وان الثقافة لم يبق لها مساحة فعل أو تأثير. حسم الأمر وحتى التيارات الدينية التي كانت لها هيمنة في بعض الدول العربية تزاح عن المشهد أحيانا، بالقوة السياسية إذا لزم الأمر. كان أهم تحد ثقافي في المنطقة هو «داعش» التي تم الإعلان عن هزيمتها هذا العام، وهزيمتها بالمعنى العسكري لا المعنى الثقافي لهزيمة التطرف. فأي معنى للكلام عن دور الثقافة إلا كنشاط أدبي يذكرني بمشهد عازف الكمان على أنقاض حرب أو دمار بسبب عمل إرهابي. رمزيته جميلة لكنه بالنهاية عزف على دمار. الرقابة مجدداً مرة أخرى، تنجح القوى المتشددة في الكويت في استعراض القوة، فمعرض الكتاب هو الفعالية السنوية لهذا الاستعراض، وقد نجحت تحت مسمى الرقابة على الكتاب في منع العديد من الكتب، ونجحت أيضا في منع ندوة الباحث أحمد سعد زايد بمركز تنوير. لذلك نستطيع القول إن «النشاط» الثقافي في الكويت غني بالإصدارات والكتب الجديدة والندوات والمعارض التشكيلية والمبادرات ثقافية، على تباين مستواها، لكن هناك سياجا رقابيا كبيرا، ليست الرقابة على الكتاب إلا جزئية منه. عام آخر من شعار لا للرقابة، وربما سيكون مستمرا لأعوام قادمة، لأن آليات إنتاج الثقافة المجتمعية بكل روابطها السياسية والاجتماعية والاقتصادية، أقوى بكثير من الجهد الثقافي المبذول. روح مراوغة على مستوى عربي أشمل، وكالعادة، هناك صخب تخلقه الجوائز الأدبية، وجدل معتاد حول نزاهتها أو فكرة المحاصصة الجغرافية، بل والمقاطعة أحيانا تحت ضغط الحدث السياسي. هذا الجدل أخذ جوهر الأدب والثقافة نحو منطقة تصبح فيها مشروعا ونصرا خاصا، ولكن برعاية سلطة ما، فيبدو وكأنه ترويج لأدب لكنه الأدب الذي لا يشاكس ولا يطرح الأسئلة ولا ينتقد أو يدين، وإن بدا أنه يقدم طرحا جديدا أو مقاربة لافتة. لفت نظري أن أحد الفائزين بتلك الجوائز عندما كان يسأل عن الأحداث الكبيرة والتحولات في بلاده، كان يهرب من السؤال بالمراوغة نفسها التي كتب فيها رواية فرّغها من السياسة والدين عمدا، رغم أنهما أعمدة الشخصية الأساسية فيها واتجه للخيال منطقة الأمان. بإمكان من يراقب الحالة الثقافية أن يكتب وهو مطمئن «كل شيء هادئ على الجبهة الثقافية».
مشاركة :