سياسة العصا والجزرة الأميركية

  • 12/26/2017
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

السياسة الخارجية الأميركية ذكية جداً. فهي تستخدم أدوات بسيطة لتحقيق ونشر أهدافها النبيلة حول العالم، المتمثلة بالسلام والرفاه والديموقراطية. هذه الأدوات مستنبطة من مبدأ «العصا والجزرة» الذي استخدم عبر التاريخ لتربية الأطفال، والتلاميذ، والحيوانات، والمجتمعات المتخلفة. ولكن تم تطويره وتحديثه باستبدال الجزرة بالمنح والمساعدات المباشرة كمكافأة للأولاد المطيعين، واستبدلت العصا بصولجان لسحق رؤوس المشاغبين – كما أوكلت الآن مهمة مراقبة التلاميذ المشاغبين للسفيرة نيكي هايلي. ومع الوقت، أضيفت تحسينات قلصت المساعدات المباشرة، التي أصبحت مكلفة، فحلت محلها سياسة نقل الصناعات الأميركية إلى الخارج، الأمر الذي أتاح لها صيد عدة عصافير بحجر واحد. فضمنت طاعة الدول الموكلة إليها مهام التصنيع، وتخلصت من التلوث الصناعي والبيئي، فنقلته إلى الدول المصنعة الفقيرة لتحصل على منتجات أرخص بكثير مما لو صنعتها محلياً. وبتخلصها من الصناعات التقليدية، استطاعت أميركا خلق عصر بشري جديد وهو عصر «الثورة المعلوماتية»، حيث من خلالها استبدلت كوادرها العمالية الصناعية المنتجة بجيوش من الكتبة ومدخلي بيانات الكمبيوتر وأسمته بقطاع الخدمات. وكما في المساعدات المباشرة، تستطيع أميركا معاقبة المشاغبين بتطبيق عقوبات، مثل المقاطعة والحظر على من منحتهم عقود تصنيع. فمجرد قدرتها على القول: «فليأكلوا هواتفهم النقالة والقنادر التي يصنعونها، لأننا لن نشتريها!» شكل تهديداً عظيماً وحافزاً قوياً لِتعلّمِ معظم دول العالم الثالث كيفية الرقص برشاقة على الأنغام الأميركية. أما بالنسبة للصولجان، فقد اكتشفت أميركا أن المبالغة في استخدام هذه الأداة قد أحرجها أمام الرأي العام العالمي. فخرج مفكروها الأذكياء بحل ممتاز يتمثل بخلق «يدٍ خفية» لضرب المشاغبين. فقد سَلّمَت صولجاناتها إلى تشكيلة من دكتاتوريين محليين، ووكلاء، ومتعاونين، ومؤسسات نفع عام غير حكومية مصممة لهكذا غرض. فبهذه الطريقة، تمكنت الصولجانات من الضرب كيفما شاءت، من دون إزعاج ضمير الشعب الأميركي. ولكن بعض التلاميذ كانوا محدودي الذكاء ورسبوا كذا سنة في نفس الصف، مما أفرز تلاميذ أكبر سناً وحجماً وقوةً من التلاميذ العاديين، مما زاد احتمال رد هؤلاء التلاميذ الوحوش بشراسة عند ضربهم، فيؤذوا المعلمين. ومرة أخرى، ابتكر المفكرون المبدعون حلاً عبقرياً. فوسَعوا مجال عقوبات المقاطعة والحظر لتشمل جميع المعاملات التجارية والمصرفية، والشركات، وحتى على مواطني دول ذات سيادة مستقلة، وأوصوا باستخدام هذه العقوبات المطورة ضد الوحوش من التلاميذ الراسبين، إما بالتعاون مع دول حليفة وإما انفرادياً، وعند اللزوم تعزيزها ببعض صواريخ توماهوك. وفعلاً نجحت هذه الخطة نجاحاً باهراً، وسرعان ما أركعت من استهدفتهم وجعلتهم يبصرون الطريق المستقيم – وإن كان مسار الطريق هو بحسب الرؤية الأميركية. وفرح المسؤولون الأميركيون كثيراً بلعبة المقاطعة، وكالأطفال في دكان الحلويات، بالغوا بالأكل حتى صحوا في أحد الأيام على مغص فظيع. فقد بالغوا بتطبيق الحظر والمقاطعة حتى لم يعد هناك من يتاجر ويتعامل معهم. والأسوأ من ذلك، اكتشفوا فجأة أنهم ما عادوا يصنعون الملابس أو الأغذية أو الأثاث أو الأدوات الكهربائية… إلخ. فقد أوكلوها جميعاً ومنذ سنين إلى الدول التي قاطعوها الآن! ولكن أسوأ سيناريو على الإطلاق لم يحدث حتى الآن، ولكنه ليس بالبعيد. فمن المحتمل أن تصحو الدول الضحية والمقاطعة على أن «الثورة المعلوماتية» المزعومة ليست إلا نمراً من ورق، لا تحميها سوى درع ركيكة من معاهدات دولية لحماية الملكية الفكرية. وكمعظم المعاهدات، يمكن فسخها أو الاختلاف في تفسيرها أو حتى مقاطعتها واستبدالها بخدمات أو برامج كمبيوتر أو هامبرغر محلية. عندئذٍ ستسقط آخر ورقة توت، وينكشف ما لا أحد يريد أن يراه. مروان سلامةmsalamah@marsalpost.com

مشاركة :