الرياض - وكالات: بنظرة فاحصة يمكن للمتابع أن يلحظ مجموعة من الشواهد التي تبنّتها الحكومة السعوديّة على مدار الأيام الأخيرة، والتي تُشير بشكل أو بآخر إلى تراجع الحكومة عن خطط التقشف التي تبنتها قبل أشهر من أجل تعويض الانخفاض الحادث في أسعار النفط. تراجع لا يمكن بأي حال فصله عن حالة الغضب الشعبي الدائرة في المملكة لا سيما مع الارتفاعات الحاصلة في أسعار الطاقة والكهرباء، وكذلك السلع والخدمات، بالإضافة إلى حالة الاحتقان المكتومة مما يفعله ولي العهد «محمد بن سلمان»، لا سيما ما يتعلق منها باعتقالات الدعاة ورجال الأعمال. ولعلّ الإسراع في الدعم المقدم من الصندوق العقاري، وكذلك تفعيل «حساب المواطن» الذي يقدم دعماً نقدياً لشريحة من السعوديين، علاوة على زيادة حجم النفقات عامة في موازنة 2018، كان خير دليل على التراجع عن التقشف. وساهم مسعى التقشف في استعادة ثقة المستثمرين في العملة السعودية والأسواق المالية بالمملكة، لكنه كان له تأثير شديد على الاقتصاد، حيث تباطأ نمو القطاع الخاص. وأظهرت بيانات للنصف الأول من 2017، أن مجمل الاقتصاد كان في ركود، فيما يرجع بين أسباب أخرى إلى تخفيضات في إنتاج النفط. ودفع ذلك الحكومة، التي تتعرض لضغوط لخفض معدل البطالة بين المواطنين السعوديين، والذي يبلغ رسمياً 12.8%، للتخطيط لتخفيف القيود على الإنفاق بالميزانية للعام المقبل. وتعاني السعودية، أكبر دولة مُصدرة للنفط في العالم في الوقت الراهن من تراجع حادّ في إيراداتها المالية، الناتجة عن تراجع أسعار النفط الخام عما كان عليه عام 2014. الصندوق العقاري أكّد المشرف العام لصندوق التنمية العقارية السعودي، «خالد بن محمد العمودي»، البدء فورياً بتقديم برنامج تمويل مدعوم بنسبة 100% بقيمة 12 مليار ريال، إلى الذين تمّت الموافقة على طلبات إقراضهم من لجنة الدراسات والبالغ عددهم 2470 مستفيداً. وتضمّ شريحة المستفيدين عدداً من مستفيدي «الضمان الاجتماعي»، والأيتام، وذوي الدخل المحدود، وراهني العقار لصندوق التنمية العقارية. وحيال آلية التمويل، أوضح المشرف العام للصندوق العقاري بأنه تمّ الاتفاق مع عددٍ من الجهات التمويلية المشاركة لإقراض «مُستفيدي اللجنة»، على أن يتحمل الصندوق أرباح التمويل العقاري المقدم لهم بنسبة 100%. وأكّد «العمودي»، أنه تمّ البدء فعلياً في التواصل مع المُستفيدين المعنيين، لإتمام كل إجراءاتهم بأسرع وقت ممكن، وتمكينهم من الحصول على التمويل بشكل عاجل وفوري، وسبق أن قال «العمودي»، إن الصندوق سيحتاج إلى 40 عاماً حتى نخدم كامل المُستفيدين بمتوسط 12 ألف مستفيد سنوياً، إذا اكتفى بالوتيرة الحالية دون تطوير. وكشف أن القروض المستحقّة للصندوق، بلغت 157 مليار ريال بنهاية 2016، تمّ إقراضها للمواطنين، مبيناً أن 17 مليار ريال إجمالي المبالغ المتوافرة لدى الصندوق للإقراض في الوقت الحالي. و«صندوق التنمية العقارية» هو صندوق عقاري تنموي غير ربحي، أنشئ بموجب مرسوم ملكي في يوليو 1975، ويقدم قروضاً للمواطنين لمساعدتهم على إقامة مساكن خاصة لهم، ولغرض الاستثمار؛ حيث تنقسم قروض الصندوق إلى قروض خاصة وقروض استثمار. حساب المواطن وجاء البدء في برنامج التمويل العقاري، بعد أسبوع فقط من بدء برنامج «حساب المواطن»، إيداع الدفعة الأولى للمستحقين بحد أدنى 300 ريال (80 دولاراً). ويهدف البرنامج إلى تعويض المواطنين من ذوي الدخل المنخفض والمحدود مادياً عن الآثار الاقتصادية الناتجة عن رفع أسعار الطاقة والمياه، وغيرها من المبادرات ضمن ما يعرف بـ «برنامج تحقيق التوازن المالي»؛ ما يعني تحميل المقيم الأجنبي العبء وحده. يشار إلى أن بعض المستفيدين وصلتهم بالفعل على هواتفهم الجوالة رسائل تُبلغهم بالإيداع؛ حيث تراوحت المبالغ، حسب الحالة، ما بين 300 ريال (80 دولاراً) إلى ما فوق الألف ريال (267 دولاراً). ونقلت صحيفة «الاقتصادية» عن المهندس «علي راجحي»، المشرف العام على «حساب المواطن»، قوله إن «عدد المسجلين في تاريخ 20 ديسمبر الجاري بلغ نحو 500 ألف، جزء منهم قاموا بإكمال بياناتهم قبل تاريخ 16 ديسمبر وهم من سيتم إنزال الدعم لهم في تاريخ 10 يناير المقبل». وأضاف، إن «حساب المواطن» قام بدراسة نحو خمسة ملايين عداد كهرباء في المملكة، وتمّ أخذ المتوسط الفعلي لها وليس متوسط الاستهلاك الرشيد، لافتاً إلى أن قيمة الدعم التي حصل عليها المواطنون قبل عدة أيام بنيت على أساس قيمة فواتير الطاقة في فصل الصيف. وينتظر أن يشهد مطلع يناير المقبل تعديل أسعار الكهرباء ومنتجات الطاقة، وذلك تأكيداً للتصريحات الرسمية التي أوضحت في وقت سابق أن صرف الدعم سيتم قبل رفع أسعار الطاقة. ورغم ذلك أعرب مغرّدون سعوديون عن استيائهم من المبالغ المخصصة لهم عبر «حساب المواطن»، مؤكدين أنها لا تكفي حتى لدفع فرق الزيادة الحاصلة مؤخراً في أسعار الوقود وفواتير المياه والكهرباء. وثيقة التوازن المالي أظهرت وثيقة التوازن المالي المحدثة، أن الحكومة السعودية تعتزم إنفاق نحو 1134 مليار ريال خلال عام 2023، مقارنة بإنفاق 926 مليار ريال في عام 2017. ووفق الوثيقة، سترفع الحكومة السعودية الإنفاق الحكومي بنسبة 22.5%، وقيمة 208 مليارات ريال خلال السنوات الست المقبلة من 2018 حتى 2023. وسيرتفع الإنفاق الحكومي بمتوسط 35 مليار ريال عاماً تلو آخر خلال فترة التحليل، بمتوسط زيادة سنوية في الإنفاق بنحو 3.7%. كما كشفت الميزانية العامة للسعودية، التي جرى إعلانها الأسبوع الماضي، أن المملكة ستزيد الإنفاق الحكومي العام القادم، وتبطئ مسعى للتقشف، بينما تسعى جاهدة لانتشال الاقتصاد من ركود في ظلّ ضعف أسعار النفط. ونقلت وكالة «رويترز»، عن وزارة المالية، قولها إن الرياض تخطط لزيادة الإنفاق إلى مُستوى قياسي قدره 987 مليار ريال (261 مليار دولار) في 2018، ارتفاعاً من 890 مليار ريال (237.3 مليار دولار) في خطة الميزانية الأصلية للعام 2017. ونتيجة لذلك فإن وتيرة الانخفاض في العجز بميزانية الحكومة ستتباطأ العام المقبل. والرقم المستهدف للعجز في ميزانية 2018 هو 195 مليار ريال (52 مليار دولار)، مقارنة مع عجز فعلي قدره 230 مليار ريال (61.3 مليار دولار) في 2017.
مشاركة :