أكد المحامي يوسف أحمد الزمان، نائب رئيس محكمة الاستئناف الأسبق، أن مشروع «إنشاء مراكز للتوفيق والمصالحة في المنازعات المدنية والتجارية» الذي تدعو إليه وزارة العدل يعد تدخلاً في الشؤون الخاصة بالسلطة القضائية المستقلة، وهو أمر ينطوي على مخالفة صريحة لنص المادة «60» من الدستور، التي نصت على أن: «يقوم نظام الحكم على أساس فصل السلطات مع تعاونها على الوجه المبين في هذا المشروع».أضاف في حوار خاص لـ «العرب»، أنه لا يجوز لأية جهة في الدولة أياً كانت، أن تتدخل في أعمال القضاة، ولا يجوز لغير القضاة أن يحكموا في الدعاوى، لأن القاضي هو الذي يجب أن يناط به وحده الفصل في القضايا والمنازعات القانونية في الدولة، أما أن تنتزع بعض القضايا لدواعي مختلفة تقوم في نظر السلطات، ويعطى الاختصاص بالفصل فيها لغير جهة القضاء، فهو أمر يتعارض تماماً مع مفهوم استقلال القضاء. وطالب الزمان بإنشاء مجمع شامل للمحاكم، حفاظاً على هيبة القضاء، بدلاً من الأبنية الإدارية، حيث تعد مقرات ومجمعات المحاكم من أهم المرافق التي يتعين الاهتمام بها، حتى يستطيع القضاء أن يؤدي دوره في نشر العدالة على أكمل وجه، كما أن مجمعات المحاكم وأبنيتها تعد رمزاً للعدالة في الدولة، ويأتي حرص الدول على إنشاء وبناء مجمعات المحاكم، وتجهيزها بالأجهزة، وإعدادها بالقاعات الضخمة، والمكاتب الأنيقة للقضاة والمرافق الأخرى، انطلاقاً من حرصها على توفير البيئة الملائمة للتقاضي.. وفيما يلي نص الحوار: ماذا عن إنشاء مراكز للتوفيق والمصالحة في المنازعات المدنية والتجارية؟ ¶ إذا ما نظرنا إلى مشروع القانون الذي تقدمت به وزارة العدل، بشأن «إنشاء مراكز التوفيق والمصالحة في المنازعات المدنية والتجارية»، وعرضناها على تلك المبادئ الدستورية، ففي رأيي المتواضع، أن إنشاء هذه المراكز واختصاصاتها المبينة في المشروع تسلب من السلطة القضائية «المحاكم» بعض اختصاصاتها، مما يعتبر تدخلاً في الشؤون الخاصة لهذه السلطة. ونستطيع القول تبعاً لذلك، إن وزارة العدل تهدف من هذا المشروع إلى مشاركة السلطة القضائية «المحاكم» في فض المنازعات المدنية والتجارية بين الأفراد حال رغبتهم في التصالح، بأن تنشأ مراكز للتوفيق والمصالحة يتولى أحد أعضاء هذه المراكز «المصلح» إجراء المصالحة بأن يحرر اتفاقاً للتسوية بين الأطراف، متضمناً شروط الصلح والتزامات كل طرف، ويكون لهذا الاتفاق قوة السند التنفيذي، ولا يجوز الطعن عليه إلا بطريق البطلان. ويشترط أن تتوافر في «المصلح» الشروط التالية: - أن يكون كامل الأهلية. - ألا يكون قد أدين بحكم نهائي في جناية، أو جنحة مخلة بالشرف أو الأمانة، ولو رد إليه اعتباره. - أن يكون محمود السيرة حسن السمعة. - اجتياز الدورات والاختبارات التي تعقدها الوزارة لهذا الغرض. - أية شروط أخرى يصدر بتحديدها قرار من الوزير. ويؤدي المصلح -أمام الوزير أو من يفوضه- يميناً بالصيغة التالية: «أقسم بالله العظيم، أن أقوم بواجباتي بشرف وأمانة وصدق، وأن أحترم أحكام الشريعة الإسلامية وقوانين البلاد، وأن أحافظ على أسرار عملي، مراعياً في ذلك أصول العمل وتقاليده». ما مدى مشروعية إنشاء هذه المراكز من الناحية الدستورية؟ ¶ وزارة العدل -بهذا المشروع- سوف تشارك السلطة القضائية اختصاصاتها، مما يشكل -في رأينا- تدخلاً في الشؤون الخاصة بهذه السلطة المستقلة، وهو أمر ينطوي على مخالفة صريحة لنص المادة «60» من الدستور التي نصت على أن: «يقوم نظام الحكم على أساس فصل السلطات مع تعاونها على الوجه المبين في هذا المشروع». وهل يجوز إهدار ولاية تلك السلطة؟ ¶ من المقرر أن السلطة القضائية سلطة أصيلة، تقف على قدم المساواة مع السلطتين التشريعية والتنفيذية، وتستمد وجودها من الدستور لا من التشريع، وقد أناط بها الدستور وحدها أمر العدالة، مستقلة عن باقي السلطات، ومن ثم فلا يجوز -عن طريق التشريع- إهدار ولاية تلك السلطة كلياً أو جزئياً. والمستقر عليه أن القضاة هم وحدهم دون غيرهم، الذين يقومون بتطبيق القانون على المنازعات والدعاوى بين الأفراد وبعضهم، أو بين الأفراد وأجهزة الدولة، ولا يجوز لأية جهة في الدولة أياً كانت أن تتدخل في أعمال القضاة، ولا يجوز لغير القضاة أن يحكموا في الدعاوى، لأن القاضي الطبيعي -القاضي العادي- هو الذي يجب أن يناط به وحده الفصل في القضايا والمنازعات القانونية في الدولة، أما أن تنتزع بعض القضايا لدواعي مختلفة تقوم في نظر السلطات، ويعطى الاختصاص بالفصل فيها لغير جهة القضاء، فهو أمر يتعارض تماماً مع مفهوم استقلال القضاء. وهل يتوافق النظام الجديد الذي تريد وزارة العدل تقنينه معنا؟ ¶ من المعلوم أيضاً أن هذا الإجراء -الذي تريد وزارة العدل تقنينه- هو نظام يجد صداه في بعض الأنظمة القضائية العربية، التي تأخذ بنظام «قاضي الصلح»، وكذلك في بعض التشريعات التي قامت بإنشاء لجان التوفيق والمصالحة مثل التشريع العُماني، ولكن ضمن القوانين المنظمة للمحاكم، وداخل تخوم السلطة القضائية، بحيث تكون هذه الجهات من لجان وغيرها جزءاً لا يتجزأ من النظام القضائي للدولة، ويتولى الجلوس على منصاتها «قضاة»، يستمدون ولايتهم واختصاصاتهم الولائية والإدارية والقضائية، من القوانين المنظمة للسلطة القضائية، التي تشملهم نصوصها بالحصانة والاستقلال، مما يكسبهم ثقة واحترام من يقف أمامهم من الخصوم. وهل معنى ذلك أن مشروع هذا القانون يسلب جزءاً من ولاية المحاكم؟ ¶ بالفعل مشروع هذا القانون يسلب جزءاً من ولاية المحاكم المقررة دستورياً، بعد أن سلبت اختصاصات المحاكم بنظر المنازعات الإيجارية والعمالية، حسبما هو معلوم في الآونة الأخيرة. ويتعين علينا التذكير بأن هذا التوجه -الذي يطل علينا بين الحين والآخر- بسلب جزء من اختصاصات المحاكم، يعد من التحديات الخطيرة التي تواجه السلطة القضائية في دولة قطر، وتمس استقلالها، إذ لا يجوز -طبقاً لمبدأ الفصل بين السلطات- للسلطة التنفيذية ممثلة في إحدى وزاراتها، أو السلطة التشريعية التدخل في الشؤون الخاصة بالسلطة القضائية «المحاكم»، ولا تملكان من الناحية الدستورية القيام بنزع أو سلب أي اختصاص من اختصاصات المحاكم، مهما كانت الأسباب والدواعي. وهل هناك ضرورة عملية لإنشاء هذه المراكز؟ ¶ نشير إلى أن الواقع العملي لا يفيد أن هناك مشاكل يعاني منها الأفراد، عند رغبتهم في حل منازعاتهم صلحاً، وإثبات ذلك الصلح أمام المحاكم، الذي يتوج بسند تنفيذي غير قابل للطعن عليه، إذ تكفل قانون المرافعات المدنية والتجارية المعمول به في نص المادة «66» بأنه: «للخصوم أن يطلبوا من المحكمة -في أية حالة تكون عليها الدعوى- إثبات ما اتفقوا عليه في محضر الجلسة، ويوقع على المحضر منهم أو من وكلائهم، فإذا كانوا قد كتبوا ما اتفقوا عليه، ألحق الاتفاق المكتوب بمحضر الجلسة، وأثبت محتواه فيه، ويكون لمحضر الجلسة في الحالتين قوة السند التنفيذي، وتعطى صورته للخصوم وفقاً للقواعد المقررة لإعطاء صورة الأحكام». صفوة القول، أن المشروع المقدم بإنشاء مراكز للتوفيق والمصالحة في المنازعات المدنية والتجارية، ليس له ما يؤيده من الناحية الدستورية والقانونية، بل ومن الناحية العملية، ذلك أنه ليس ثمة حاجة إلى إنشاء مراكز للتوفيق والمصالحة، بعيداً عن المحاكم وعن ولاية القضاء، إذ إنه يمكن تحديد دائرة للتوفيق والمصالحة بالمحكمة الابتدائية، يجلس بها أحد القضاة، لتوثيق وإثبات اتفاقات الصلح فيما بين الأطراف، بناء على طلبهم، وحصولهم على حكم قضائي بذلك. وماذا عن مقرات ومجمعات المحاكم الحديثة؟ ¶ نسمع أن الدولة بصدد نقل وتغيير مقرات وأبنية المحاكم إلى مقار جديدة، وهي أمور ضرورية بالنظر إلى الحالة التي وصلت إليها بعض مقار المحاكم، ولكن -حسبما قيل- فإن نقل المحاكم سوف يكون إلى أبراج إدارية وأبنية متعددة الطوابق، وغير معدة أو مجهزة من الأساس لمزاولة المحاكم أعمالها فيها، من وجود قاعات ضخمة للمحاكمات، ومكاتب أنيقة وفخمة للسادة القضاة، وممرات وردهات وقاعات انتظار للمحامين والمتقاضين والجمهور، ومواقف سيارات بأعداد كبيرة لاستيعاب المراجعين على مدار ساعات الدوام. يجب إنشاء مجمع شامل للمحاكم يحفظ هيبة القضاء شدد المحامي يوسف أحمد الزمان، نائب رئيس محكمة الاستئناف الأسبق على ضرورة أن يكون في دولة قطر مجمع للمحاكم على مستوى عالٍ من التصميم الهندسي، بما يحفظ هيبة القضاء وأن يضم كافة درجات المحاكم ودوائرها، بدءاً من المحاكم الابتدائية بدوائرها الكلية والجزئية، والمدنية والجنائية والإدارية والأسرة والتركات وغيرها. ومحكمة الاستئناف بدوائرها المتعددة، ومحكمة التمييز. وأن يُشيّد هذا المجمع على مساحة كبيرة من الأرض، تضم كل تلك المحاكم في موقع يتم اختياره بدقة، ليسهل على المتقاضين الوصول إليه بسهولة وأن يضم هذا المجمع كافة المرافق الضرورية من مواقف للسيارات بمساحات كبيرة، ويتعين إنشاء مقرات فرعية للمحاكم في مدينة الوكرة، لخدمة القاطنين في جنوب البلاد، وفي مدينة الخور لخدمة القاطنين في شمال البلاد، على أن تضم هذه المقرات المحكمة الابتدائية بدوائرها الجزئية والكلية.;
مشاركة :