كنت أستمع مؤخرا إلى حديث أحد الدعاة، والذي لا يهم اسمه في هذا السياق، عن مفهومه لطرق الإنسان في تحويل طاقاته وإمكاناته الفكرية والجسدية والروحية إلى طاقة حقيقية، تعمل على تحويله إلى إنسان ناجح له من التأثير على محيطه ما يجعله إضافة لمن حوله، من ناحية دوره في تسخير الأرضية المناسبة لهم كي ينجحوا ويصبحوا أفرادا منتجين نافعين لأنفسهم ومحيطهم. حديث هذا الداعية كان متنوعا، شمل في ثناياه الجرعة الإيمانية المبهجة للقلب والروح من جانب، وجرعة واقعية عقلية في مجتمع متنوع ومتقلب الأمزجة والأفكار من جانب آخر. ولعل أكثر ما لفت انتباهي وإعجابي، هو الحديث عن أهمية الإيمان والتمسك بأخلاقيات وآداب الاختلاف، ومكمن هذا الإعجاب نابع من أنه يصدر في وقت تندر فيه الأصوات المنطقية التي تنظر إلى اختلاف الرأي باعتباره حقا إنسانيا ومظهرا حضاريا، خصوصا إذا ما علمنا أن الاختلاف في الرأي في مجتمعاتنا الشرقية اليوم يعد إشكالا حقيقيا، نتيجة التصلب المقيت لكثير منا في الدفاع عن رأيه، وكأنه يملك الحقيقة الكاملة. روح الإسلام طالما دعت ودفعت نحو التحلي بآداب الاختلاف في الرأي عبر كثير من الإثباتات والأدلة، والتي تتجلى في الآيات العطرة في القرآن الكريم، وفي ممارسات سيد الخلق خلال علاقاته المتنوعة مع محيطيه، إضافة إلى الدروس التي تنقلها لنا السنة النبوية والتاريخ الإسلامي من مواقف للصحابة الكرام والتابعين من بعدهم. تمعّنت في كلام الداعية في هذه المسألة، وحاولت أن أجد له رابطا بما أراه اليوم من مواقف الناس تجاه قضاياهم الخلافية الدينية منها والسياسية، وتعجبت لمدى جهلنا بأساسيات وأبجديات آداب الاختلاف في الرأي، والتي منها محاولة فهم الرأي الآخر قبل الشروع في الدفاع عن رأينا نحن، واتباع المبدأ الأصولي للإمام الشافعي، والقائل «رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب» والذي إن اُتّبع بصدق فسيكون له دون شك فائدة على الطرفين المتخالفين، وهما الساعيان للوصول إلى الحقيقة. في مثل هذه الأيام التي أصبحنا فيها أضعف من أن نعد من الأمم والحضارات الحية، وفي وقت أصبحت شعوبنا العربية والإسلامية تقتل في سورية وفلسطين وغيرها من بؤر الحروب، وأمام عدسات التلفزة، أليس من المنطق أن يطبق الحكماء من أبناء عالمنا العربي والإسلامي فيما بين أطرافهم المختلفة هذا المبدأ بصدق وإخلاص، لعل الاختلاف فيما بينهم يوصلهم -إذا ما كان وفق آدابه الإسلامية- إلى كلمة سواء تخرجهم من تشتتهم الذي أوصلهم إلى هذه الدرجة من الضعف والهوان؟! لم أعهد أبدا -وربما تتفقون معي- أن اتفق طرفان في أجواء تسودها مشاعر التخوين والسباب والاتهام بأبشع ما يمس الأخلاق والشرف والوطنية، فهل سيستمر المتخاصمون العرب في استخدام الخلاف لتأجيج الفرقة فيما بينهم، أم يفيقون من سباتهم هذا ويقررون أن تكون خلافاتهم مجرد رأي يحتمل الصواب ويحتمل الخطأ، ولكنه في كلتا الحالتين لن يؤدي إلى الفرقة والتقاتل واسترخاص الشعوب والتاريخ المشترك؟ في الختام، أوصيكم ونفسي بالتالي: عندما تختلف مع غيرك، اِحرص على الأدب في الجدال والاعتراض، فمن حقك أن تنتقد، ومن حقك أن ترفض، ومن حقك أن تهاجم، ولكن ليس من الأخلاق أبدا أن تهبط بها إلى الحضيض. ——————————————— الوطن ياسر الغسلان
مشاركة :