كَيف يُكوِّن النَّاس آرَاءَهم عَن الأَشيَاء؟!.. هَذا سُؤالٌ بَسيط، يَستَدعي أَنْ نُبسِّط الإجَابَة؛ كَمَا تَعلَّمْنَاهَا مِن المَعرفة، خَاصَّةً ونَحنُ عُمّالها أَدْرَى بشعَابهَا، وأَعلَم بسيولهَا، وأَقرَب إلَى أَسلَاكهَا، لذَلك -فِي الغَالِب- يُكوِّن النَّاس آرَاءَهم عَن طَريقيْن: إمَّا عَن طَريق النَّظرَة المُسبَقَة، أَو عَن طَريق اللّوح الأَبيَض، وسأَشرَح هَاتين الطَّريقتين بالتَّفصيل غَير المُملّ، والإيجَاز غَير المُخلّ..!أوَّلاً: طَريقة النَّظريَّة المُسبَقَة: تَقول هَذه النَّظريَّة إنَّ الإنسَان يَقتنع بشَيء، ثُمَّ يَبدَأ يَجمع الأَدلّة عَليه، ويَلتَقط مِن هُنَا وهُنَاك، ويُصبح مِثل التّلفزيون المُبرمَج؛ الذي يَلتَقط مِن القَنوَات مَا هو مُبرمج عَليهَا، فمَثلاً قَرّر أَحدُهم بنَظرةٍ مُسبَقَة، أَنَّ العَرفج «ليبرَالي»، فبَدَأَ يُنبِّش بَين المَقَالات فِي أَرشيف جَريدة «المدينة»، ويَبحَث فِي أَدرَاج الشّيخ قُوقل، و»ينغبر» رفُوف اليُوتيوب، حَتَّى يَجد الأدلَّة والبَراهين، التي تُؤيِّد كَلَامه، وتَجعله أَسير قَنَاعَاته المُسبَقَة..!ثَانياً: نَظرية اللّوح الأَبيَض: وهي التي تُستخدم فِي الحَقل الأَكَاديمي، بحَيثُ يَأتي الإنسَان ومَعه كُلّ الفَرضيَات، ثُمَّ يَجعَل السّيَاقَات والمُعطيَات، والأَدلّة والمخرجَات تَدلّه عَلَى الفِكرة، ولَو أَردنَا تَبسيط ذَلك، فمَا عَليكَ إلَّا أَنْ تَطرح سُؤالاً يَقول: هَل الأَغَاني حَلَال أَم حَرَام؟، ثُمَّ تَبدَأ بـ»النَّغبَرَة» فِي الكُتب ونَبش المَرَاجِع، واقتحَام كُتب الفِقه، عِندَها ستَصل إلَى الأَدلّة، أَو بالأَصَح ستَأخذ الأقوَال مَعهَا إلَى حَيثُ القَول الصَّوَاب..!بالله عَليكُم، هَل لَاحظتُم الفَرق بَين الطَّريقتين؟، بالتَّأكيد، لأنَّ مَن يَقول بتَحريم سَمَاع الأَغَاني، ثُمَّ يَبدَأ بجَمْع الأَدلّة التي تُؤكِّد قَوله، ويَستَبعد مَا يُخَالفه، هَذا رجلٌ أَسير لقَنَاعَاته، وهو لَيس كمَن يَطرح السُّؤال؛ مُجرَّداً مِن القَنَاعَات المُسبَقَة، ويَبحَث عَن الصَّواب مِن خِلال المُعطيَات والشَّوَاهِد..!حَسنًا.. مَاذا بَقي؟!بَقي القَول: إنَّني أُحَاول دَائِماً؛ أَلا أُكوِّن فِكرَة مُسبَقَة عَن شَيء، بَل أَجعَل الشّيء هو الذي يُكوِّن صُورته الجَديدَة لَديَّ، وهَذه الطَّريقَة استَعملهَا مَع البَشَر، والآرَاء والأَكلَات والمُدن، فلَا أَشتم النَّاس لمُجرّد أَنَّ غَيري يَشتمهم، ولَا اتّخذ مَوقِفاً مِن مَدينة؛ لأنَّ صَديقي لَا يُحبّها..!!
مشاركة :