لم تغب الأموال يوماً عن عالم الرياضة، أكان في كرة القدم أو السلة أو غيرها. إلا أن العام المنصرم، شهد طفرة في العقود والانتقالات، فاقت كل التوقعات، ومهدت لنسق متصاعد، يتوقع أن يستمر في السنوات المقبلة، على رغم الأوضاع الاقتصادية العالمية. الصفقة الأكبر حصلت في أغسطس، مع إتمام انتقال نيمار من برشلونة الإسباني إلى باريس سان جرمان الفرنسي، لقاء مبلغ أشبه بالخيال، جعل منه أغلى لاعب في تاريخ كرة القدم، بقيمة مضاعفة تقريباً للمبلغ الذي أنفقه مانشستر يونايتد الإنجليزي في صيف عام 2016، لضم الفرنسي بول بوغبا من يوفنتوس الإيطالي. لم يخف النادي الفرنسي، رغبته بضم المهاجم البرازيلي، واستعداده لدفع قيمة البند الجزائي في عقده مع برشلونة (222 مليون يورو). ولم يخف النادي أيضاً سعادته بهذا الاستحواذ التاريخي، المفاجأة الوحيدة، لم تكن فقط في استعداد النادي لدفع هذا المبلغ، بل أيضاً «تكريم» نيمار براتب سنوي يقدر بنحو 30 مليون يورو. جنون لم يتوقف سان جرمان عند هذا الحد. بعد أسابيع فقط، ضم كيليان مبابي، النجم الصاعد لموناكو بطل موسم 2016-2017 في الدوري المحلي، في صفقة قدرت بنحو 180 مليون يورو. في أقل من شهر، أبرم سان جرمان أكبر صفقتين في تاريخ كرة القدم، ما لقي انتقادات واسعة من الأندية المنافسة، وأثار حفيظة الاتحاد الأوروبي للعبة، الذي فتح تحقيقاً في شأن مخالفات محتملة للنادي الباريسي لقواعد اللعب المالي النظيف، الهادف أساساً للحد من شهية الأندية على الإنفاق المفرط، والتقليل قدر الإمكان من خسائرها المالية. وبحسب التقديرات الصحافية، على سان جرمان حالياً، توفير إيرادات إضافية تبلغ 75 مليون يورو، أكان من بيع التذاكر أو حقوق النقل التلفزيوني أو التسويق، سعياً لتغطية العجز المالي المتوقع في ميزانيته، وتفادي عقوبات أوروبية في الموسم المقبل، قد تصل إلى حد منعه من المشاركة في البطولات القارية، ولا سيما منها دوري أبطال أوروبا، التي يعد إحراز لقبها للمرة الأولى، أبرز أهداف النادي. «تضخم» حقوق البث لم تقتصر الصفقات الكبيرة في 2017 على نيمار ومبابي، إذ تشير الأرقام إلى أنه، ومن أصل أغلى عشر صفقات في تاريخ كرة القدم، أبرمت أربع صفقات خلال 2017. ويعود السبب الرئيس لهذه الطفرة المالية في كرة القدم الأوروبية، إلى الزيادات الكبيرة في عائدات حقوق البث التلفزيوني بشكل خاص. ولم تسلم كرة السلة الأميركية من هذه «الموجة» أيضاً. فرغم أن رابطة دوري المحترفين تسعى إلى وضع ضوابط لإنفاق الأندية، من خلال تحديد سقف للرواتب على سبيل المثال، إلا أن العائدات التلفزيونية تفتح شهية الأندية (واللاعبين). وبموجب اتفاق جديد دخل حيز التنفيذ الموسم الماضي، باتت شبكتا «تورنر» و«إي إس بي إن»، تدفعان 2.6 مليار دولار كل موسم لقاء بث المباريات، أي بزيادة 280 في المئة عن الاتفاق السابق. بلا مهرب لم يكن ثمة مهرب من انعكاس هذا التزايد في العائدات على الرياضة. في الدوري الإنجليزي الممتاز لكرة القدم، سجل الإنفاق على التعاقدات خلال فترة الانتقالات الصيفية هذا العام، رقماً قياسياً، يقدر بنحو 1.5 مليار يورو. في الولايات المتحدة، سيتقاضى ستيفن كوري 200 مليون دولار خلال خمسة أعوام مع غولدن ستايت ووريرز، وراسل وستبروك 205 ملايين للفترة نفسها مع أوكلاهوما سيتي ثاندر. في تصريحات سابقة لوكالة فرانس برس، رأى الباحث في المركز الدولي للدراسات الرياضية، لويك رافنيل، أن «سوق (الانتقالات) لم تصبح مجنونة، لكنها واعدة بشكل كبير». وأضاف: «هذا قطاع يشهد نمواً دائماً، والمستثمرون يشعرون أنهم قادرون على تحقيق الأرباح فيه»، متابعاً «لا أرى أن ثمة أسباب قد تدفع إلى توقف نموه. هذه رياضة (كرة القدم) في ختام مسار تعولمها الشامل، وتثير الاهتمام حالياً في آسيا، وحتى في أميركا الشمالية». وفي دليل على البحث المستمر عن إيرادات إضافية، قامت رابطة الدوري الإسباني لكرة القدم (ليغا)، هذه السنة، بخطوة غير مسبوقة، إذ أقيم «كلاسيكو» الدوري بين برشلونة وريال مدريد في وقت مبكر نسبياً (ظهراً بالتوقيت المحلي)، وذلك بهدف إتاحة الفرصة للعدد الأكبر من عشاق اللعبة في قارة آسيا، بمتابعة المباراة مباشرة على الهواء، ما قد يؤدي لزيادة عدد المشجعين والعائدات الإعلانية. نفقات مان يونايتد وضمن أكبر الأندية الأوروبية إنفاقاً وبذخاً في عقد الصفقات، يأتي مانشستر يونايتد، الذي أنفق الملايين في صفقات قياسية، لعل أبرزها التعاقد مع الفرنسي بول بوغبا، ولكن البرتغالي جوزيه مورينيو مدرب مان يونايتد، صاحب المركز الثاني في الدوري الإنجليزي، اعتبر أن ناديه لم ينفق الكثير من المال لينافس جاره مانشستر سيتي المتصدر، على اللقب في نهاية الموسم. وقال مورينيو «هذا ليس كثيراً.. هذا ليس كثيراً»، وذلك رداً على سؤال حول مبلغ الـ 320 مليون يورو الذي أنفقه يونايتد منذ قدومه إليه في صيف عام 2016. وأضاف بعد التعادل الثاني لفريقه في المرحلة الـ 20 من الدوري «هناك تفاوت كبير في الأسعار التي تدفعها الأندية الكبيرة. الأندية الكبيرة تاريخياً، عوقبت في سوق الانتقالات بسبب تاريخها. والبعض يشتري المدافعين بسعر المهاجمين». وأراد مورينيو أن يغمز من قناة الإسباني جوسيب غوارديولا مدرب مانشستر سيتي، الذي اشترى الفرنسي بنجامان مندي وكايل ووكر بنحو 57 مليون يورو لكل منهما، ليصبحا أغلى مدافعين في العالم. وختم مورينيو، الذي يتخلف فريقه بفارق 12 نقطة عن جاره «أن تكون نادياً كبيراً.. شيء، وأن تكون فريقاً كبيراً بين أفضل الفرق في العالم.. شيء آخر».
مشاركة :