على بعد 800 كيلومتر من القاهرة، يقصد السياح واحة سيوة في صحراء مصر الغربية بالقرب من الحدود الليبية؛ ليس فقط للسياحة وسط النخيل والمساحات الخضراء أو للعلاج التقليدي؛ لكن لزيارة مصنع عم عيسى، الأول من نوعه والوحيد في مصر الذي ينتج الأشكال والمنتجات الصخرية البلورية المصنوعة من ملح بحيرات سيوة التي تتعدى فوائدها الصحية أشكالها الجمالية. عيسى عبد الله موسى، الرجل الخمسيني، صاحب البشرة السمراء، انقلبت حياته المهنية صدفة قبل 20 سنة، ليقترن اسمه منذ ذلك الوقت بمنتجات الملح الصخري التي يأتي السياح لاقتنائها إلى جانب غزوها الأسواق الأوروبية والأفريقية. على يدي هذا الرجل تتحول كتل الملح من الشكل الصخري إلى منتجات وأنتيكات فنية بأشكال وأحجام عدة، وإلى وحدات إضاءة مثل المصابيح والأباجورات ذات الفوائد الصحية الناتجة عن استخدام الملح في الإضاءة. يروي عم عيسى قصته لـ«الشرق الأوسط» قائلا: «كنت أعمل نجاراً، وصدفة وقت الاستراحة، حين كنت أحضر الطعام مع زملائي، احتجنا لملح طعام، فأخبرتهم، لا يوجد أكثر من الملح في سيوة، وأخذت الشاكوش الخاص بي وبدأت تكسير قطع صخرية من الملح وأعطيتها لهم، وتركت أخرى بجوارنا التي مع انعكاس الشمس عليها لمعت بشدة فجذبت انتباهي، فأمسكت بها وعرضتها للشمس مباشرة لأجد إضاءتها مبهرة، ومنذ ذلك الوقت أي في عام 1997 التفتّ إلى أهمية الملح الصخري». وتابع: «بعد هذا الموقف تحدثت مع طبيب بولندي دائم التردد على الواحة، أجرى أبحاثا علمية على الملح الصخري، فأخبرني أنّ لهذا الملح فوائد كثيرة، وأن الإضاءة به تطلق أيونات تساعد على التخفيف من الأمراض والآلام بشكل عام وإزالة الطاقة السلبية من الجسم». منذ ذلك التاريخ بدأت رحلة العم عيسى مع الملح الصخري، وأولى خطواته كانت تأسيس ورشة صغيرة لتصنيع المصابيح المِلحية البسيطة. يأتي بالملح الصخري من البحيرات المالحة بسيوة، خصوصاً من بحيرة ذهبية يستخرجه على شكل كتل، ومع مرور السنوات أسس مصنعاً متخصصاً في سيوة، هو الأول من نوعه في مصر، حيث تمر فيه هذه الكتل الصخرية بمراحل عدّة للتصنيع من أجل تشكيلها، عبر مجموعة من العمال يتراوح عددهم ما بين 20 إلى 25 عاملاً. وعن هذه المراحل يقول صاحب المصنع: «تُنظّف الكتل أوّلاً من الشوائب العالقة، وتترك بعد ذلك لمدة 40 يوما، لتجف تحت أشعة الشمس وتصبح صلبة، ثم تبدأ عملية التقطيع قطعاً صغيرة حسب المقاس المطلوب، تليها مرحلة التفريغ، ثم التشكيل، وأخيراً التشطيب للوصول إلى الشكل الأخير من خلال عملية الصنفرة، وإضافة وحدة إضاءة إذا كانت على شكل أباجورة أو مصباح». وبخبرة العلماء يقول العم عيسى عن فوائد الملح الصخري: «هناك فوائد متعدّدة لهذه الصخور، فهي تساعد على التخلص من الكثير من الأمراض والطاقات السلبية وتنقية الجو من الكهرومغناطيسية، التي تنتشر في الغرف بمجرد وجود الهواتف المحمولة وأجهزة الكومبيوتر». ويعدّد الرجل فوائد منتجاته، موضحاً أنّ التعرض لضوء هذه المصابيح يساعد على الشفاء من أمراض كثيرة، فهي تشفي من الربو، والأمراض التنفسية، والجلدية، والإرهاق. ويوضح أنّه مجرد أن يضع الإنسان قدميه على المصباح الحراري المسطح، فإنّه يساعده في علاج الروماتيزم والخشونة والكهرباء الزائدة بالجسم. أمّا صابونة الملح فتُستخدم عند الاستحمام بوضعها داخل «اللوفة» إذ تعمل على إزالة الخلايا الميتة عبر ما يعرف بالتقشير، ولا ينصح باستخدامها مباشرة على الجسم نظرا لخشونتها. فيما توضع الشموع داخل حاملات مصنوعة من الملح الصخري، لتنشر الطاقة الإيجابية والراحة النفسية في المكان. ويبين أنّ لخبرته في حرفة النجارة، تمكن من تطويع الكتل في تصنيع أشكال جمالية مختلفة يستوحيها من البيئة المحيطة. يلفت العم عيسى إلى أنّ منتجاته تتميز بميزة لا توجد في ملح صخري آخر، فواحة سيوة تعتبر الوحيدة التي يُستخرج منها الملح الصخري باللون الأبيض النقي، الأمر الذي ساعد على انتشاره بسرعة حول العالم، على عكس الملح المستخرج من بحيرات أخرى في الدول الأوروبية وجبال الهيمالايا مثل باكستان والهند، الذي يعتبر ذا لون مائل للوردي. لاقت منتجات «رجل الملح» بداية، شهرتها بين زوار الواحة لأنّهم أوّل من أقبلوا على شرائها، ثم كان سفره إلى المدن السياحية الأخرى لترويج منتجاته، مثل الغردقة وشرم الشيخ وطابا ومرسى علم ودهب، حيث لاقت أيضاً الإقبال نفسه من السياح، لتمتدّ شهرتها إلى المنتجعات السياحية والفنادق والمطاعم الكبيرة في هذه المدن. ولجودة منتجات الملح الصّخري، أصبح السياح خير سفراء لها في بلادهم، وعلى رأسهم الأمير تشارلز، ولي العهد البريطاني وزوجته كاميلا اللذان زارا أحد الفنادق بسيوة وأعجبا بها، لتشتهر بذلك منتجات العم عيسى في كل أنحاء العالم، وليصدّرها خارجاً إلى دول شمال أوروبا ودول أفريقية عدّة.
مشاركة :