هجمة دبلوماسية وتجارية تركية تستغل حالة الفوضى وتزاحم النفوذ المصري السعودي.العرب [نُشر في 2017/12/28، العدد: 10854، ص(1)]أردوغان يرفع يده بشعار رابعة الإخواني في قصر قرطاج تونس - زادت تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورفع يده بشعار “رابعة” الإخواني في قصر قرطاج بتونس في طرح المزيد من الأسئلة حول جولته الأفريقية وسط تحذيرات من أن أنقرة تستغل الفوضى في المنطقة وانشغال العرب بتطويق الدور الإيراني لتعزيز نفوذها ومزاحمة النفوذ المصري والسعودي التقليدي. وعرض الرئيس التركي على نظيره التونسي الباجي قائد السبسي الدعم في محاربة الإرهاب، وأن بلاده جاهزة لتقديم تجربتها في هذا المجال إلى التونسيين، وخاصة في ما يتعلق بتدريب عناصر الأمن والدعم اللوجستي. وحذرت شخصيات سياسية تونسية من أن العرض التركي في مجال مكافحة الإرهاب ملغوم، وأن القبول به قد يوقع تونس في مأزق جديد بسبب التباس علاقة تركيا بالجماعات الإرهابية في سوريا وليبيا، كونها منطقة عبور لموجة التسفير التي انطلقت من الشرق الأوسط وأوروبا نحو سوريا والعراق. وطالبت هذه الشخصيات بالضغط على تركيا بمناسبة الزيارة للحصول على تفاصيل ضافية حول شبكات التسفير والأطراف الحزبية التي تقف وراءها بدل إمضاء اتفاقية للتعاون العسكري وإرسال عسكريين تونسيين للتدرب في تركيا. ولاحظ مراقبون سياسيون أن جولة الرئيس التركي ركزت على إمضاء اتفاقيات ذات بعد عسكري مع الدول التي زارها، وأن أنقرة تعتزم تدريب قوات سودانية وتشادية في قاعدتها العسكرية بالصومال، لافتين إلى أن التركيز على البعد الدفاعي والأمني عنصر جديد في الاتفاقيات التركية، ما يعكس وجود خطط للتأثير العسكري والأمني في السودان ومصر وتونس. ويرى المراقبون أن التركيز التركي على السودان يهدف إلى مزاحمة نفوذ مصر في مجالها الحيوي التقليدي، كما أنه يتيح لأنقرة الإطلال على البحر الأحمر ومنافسة دول الخليج في شريان رئيسي لمصالحها التجارية وأحد مفاصل أمنها القومي، الذي من أجله تخوض حربا في اليمن لمنع إيران وأذرعها المحلية من السيطرة عليه. وشن ليبيون حملة على مواقع التواصل ضد زيارة أردوغان لتشاد وتونس معتبرين أن هدفها تركيز مواقع نفوذ محيطة بليبيا التي تتربص بها تركيا منذ 2011، وتدعم وكلاءها هناك من ميليشيات إسلامية مختلفة بكل سخاء.أنور قرقاش: أنقرة لن تقود العالم العربي، ونحن بحاجة لتعزيز المحور العربي وأعلن أردوغان خلال مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره التونسي في العاصمة التونسية عن سعي أنقرة إلى فتح سفارتها في طرابلس ودعمها لمبادرة تونس بخصوص التسوية الليبية. ومن الواضح أن الأتراك، كما الإيرانيين، يستغلون حالة الفوضى في المنطقة للتسلل وتركيز نفوذهم عبر هجمة دبلوماسية وتجارية، خاصة في ظل انشغال الدول العربية بملفات إقليمية أخرى مثل القدس والأزمة القطرية ومحاصرة نفوذ طهران في العراق وسوريا ولبنان واليمن. ويستغل الأتراك حاجة دول مثل تونس والسودان إلى استثمارات تحرك عجلة اقتصادها ليتدخلوا بقوة عبر عقد سلسلة من الاتفاقيات التجارية غير المتكافئة وإغراق الأسواق المحلية بمنتجاتهم، فضلا عما يتبعها من تأثير سياسي حول دور الإسلاميين في السلطة كما يجري في تونس، أو توسيع دائرة الخلاف مع مصر بالنسبة إلى السودان. ويقول سياسيون ومحللون إن انشغال العرب بهذه الملفات لا ينبغي أن يدفعهم إلى الانسحاب من مواقع نفوذهم التقليدية في شمال أفريقيا وغربها، وأن يمروا إلى بناء تحالفات بينية قوية تتسامى على الخلافات الثانوية التي تحركها تصريحات إعلامية أو سياسية غير محسوبة. واعتبر أنور قرقاش، وزير الدولة للشؤون الخارجية في الإمارات، أن النظام العربي في مأزق، وأن الحل في التعاضد والتكاتف والتعاون أمام الأطماع الإقليمية المحيطة، مشيرا إلى أن العالم العربي لن تقوده طهران أو أنقره بل عواصمه مجتمعة. وأضاف في تغريدات على تويتر أن هناك عدة محاور إقليمية تتقاطع في رغبتها بتوسيع نفوذها على حساب العالم العربي، وأنه في ظل التنافس الجيوستراتيجي الجاري في المنطقة فإن الحاجة أكثر إلحاحا لتعزيز المحور العربي وعموديه الرياض والقاهرة، وأن التنافس الإقليمي على العالم العربي حائط صده عربي. ويشير المحللون السياسيون إلى أن تركيا التي دأبت في السنوات الأخيرة على إظهار تقربها من السعودية لم تعد تستطيع أن تستمر في أسلوب الخداع والمناورة بسبب فشلها في اختبارات عدة انحازت فيها لخصوم السعودية سواء مع إيران أو قطر. ولفت المحللون إلى أن ازدواجية الموقف التركي تجاه السعودية لا تزال مستمرة، ففي الوقت الذي يؤدي فيه رئيس وزرائها بن علي يلدريم زيارة للرياض يستقبله فيها العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز أعلنت وزارة الدفاع القطرية وصول دفعة من التعزيزات الجديدة من القوات المسلحة التركية إلى قاعدة العديد الجوية، لتنضم إلى القوات التركية الموجودة حاليا في قطر. ويرون أن تركيا أردوغان ستظل مثار شكوك في المنطقة بسبب مساعيها لإحياء الدور العثماني الذي يرتبط في ذاكرة العرب بالاستبداد وسرقة تراثهم واستغلال ثرواتهم باسم الخلافة. كما أن تمسك أنقرة بلعب ورقة الإخوان والسعي لفرضهم جزءا من صفقاتها الاقتصادية والتجارية سيزيد من توسيع الهوة بينها وبين دول لديها تجارب سيئة مع الجماعة المتشددة. وانتقد رئيس حزب الأمة القومي المعارض في السودان الصادق المهدي الموقف التركي المؤيد لتجارب حكم الإخوان في مصر والسودان، معتبرا إياها تجارب “انقلابية، وفوقية، محصنة بالإكراه”. وقال المهدي في حفل تدشين موقعه الإلكتروني الذي تزامن مع احتفالات عيد مولده الـ82 “تبنّي حزب العدالة والتنمية (الحاكم في تركيا) دعم الحركة الإخوانية العابرة للحدود، كما هو موقفه الحالي، خطأ استراتيجي يوهمها بأنها مقبولة دون إجراء المراجعات اللازمة”. وهاجم رئيس حزب الأمة تخصيص ميناء سواكن التاريخي في السودان للاستثمار التركي، موضحا أن “هذا الاستثمار لن يتحقق ما لم يتحقق الإصلاح الاقتصادي والمالي المنشود”، ومنتقدا التعامل مع الاستثمار التركي وكأنه “صفقة شخصية”.
مشاركة :