زرت، مؤخرا، حديقة الأسماك (فقيه أكواريوم) بكورنيش جدة للمرة الثانية مع الأحفاد الذين كانت الزيارة بالنسبة لهم الثالثة أو الرابعة. مع ذلك كانت المتعة كبيرة والحماس مشتعلا بالنسبة لنا جميعا، وكأنما نرى الحديقة للمرة الأولى. نفس الشيء بالنسبة لبقية الزوار، أطفالا وكبارا، ممن اكتظت بهم الحديقة. تذكرت السنوات الطويلة التي كنا نحلم فيها بافتتاح حديقة كائنات بحرية، وإحساسنا بالحاجة إلى مثل هذا المشروع المهم والمطلوب على شاطئ البحر الأحمر، وقد ثبت أن حلمنا كان في محله. كذلك أسفت على السنوات التي ضاعت خلال إنشاء هذا المعلم نتيجة العقبات التي واجهته بسبب الاختلاف حول موقعه أو تصميمه إلى أن تم لحسن الحظ حل هذه العقبات وتم مفاجأتنا بافتتاح الحديقة بعد أن يئسنا من افتتاحها. لا شك أن الجانب الترفيهي لزيارة مثل هذه الحدائق أساسي، ولكن هناك جانبا نغفل عنه مع أنه لا يقل عن ذلك الجانب في الأهمية. إنه جانب الإحساس بوجود كائنات كثيرة مدهشة في هذا العالم وإيجاد صلة عاطفية بيننا نحن بني البشر وبين هذه المخلوقات. البحر الأحمر يذخر بعجائب الكائنات البحرية التي نعيش بجوارها ولا نعرف عنها إلا أقل القليل، ومع ذلك تساهم مدننا الساحلية بقصد أو بدون قصد في تدمير هذه الكائنات العجيبة بسبب ما تلقيه من ملوثات في مياه هذا البحر. نظرة واحدة إلى الأنواع العجيبة من الكائنات البحرية بألوانها الخلابة وأشكالها المتنوعة تجعلك تعشق هذه المخلوقات، كما تجعلك تشعر بقيمة وأهمية هذا التنوع الحيوي الهائل. كل كائن من هذه الكائنات يحمل أسرارا وإعجازات كثيرة خاصة به، كما يحمل قصة إبداع كتبها الخالق عز وجل وتحمل دلائل قدرته وعظمته. ماذا عن الحيوانات البرية الكثيرة من ظباء وخيول وجمال وأسود وفيلة وزرافات ونمور وقردة وطيور وزواحف وفراشات.. وغيرها.. وغيرها؟ ألا تشكل هذه صورا أخرى ضرورية لإكمال شجرة الحياة وعجائب الخلق؟ لا شك أن أي مدينة كبيرة، بل حتى متوسطة الحجم، تحتاج إلى حديقة حيوانات، فما بالك إذا كانت هذه المدينة نقطة جذب سياحي رئيسية كما هي الحال مع مدينة جدة بالنسبة لمواطني هذا البلد والكثير من الحجاج والمعتمرين؟. من الغريب أن جدة لا تحتوي حتى الآن على حديقة حيوان؛ لأن نجاح مثل هذه الحديقة في رأيي أمر مضمون، مثلما هي الحال مع حديقة الكائنات البحرية التي شهدت وسوف تشهد باستمرار إن شاء الله إقبالا كبير. لقد شهدت جدة نماذج صغيرة لحدائق الحيوان كانت في الواقع أماكن لبيع الحيوانات الأليفة مثل حديقة الأنعام الجميلة وفيفا وواحة الحيوان وغيرها. كما شهدت محاولات أقرب إلى حديقة حيوان تمثلت في جانقل لاند، ثم أكبر من ذلك في محمية الرفيعة التي تعود ملكيتها لأبناء الملك خالد رحمه الله. مع ذلك بقيت هذه الأماكن صغيرة ومحدودة أو تقتصر زيارتها على فئات وأوقات معينة وبترتيب مسبق، وبعضها تم إغلاقه. الذي تحتاجه جدة هي حديقة حيوان عامة كبيرة ومتميزة وتستقبل الزوار طيلة العام على مستوى حدائق الحيوان المشهورة في كثير من كبريات المدن في العالم. لا أذكر أنني زرت مدينة في أمريكا أو أوروبا أو شرق آسيا أو بعض المدن العربية في إجازة عائلية إلا وكانت حدائق الحيوان من أوليات المعالم التي نزورها. باستمرار تظل الزيارات مسلية وممتعة لا نكل أو نمل منها. ومنذ سنوات طويلة كنا نزور حديقة الحيوان في الرياض التي كانت نواتها مزرعة للملك خالد، ولكن لم يتسن لي معاودة الزيارة مؤخرا. كل ما ذكرت بالنسبة لأهمية حدائق الكائنات البحرية ينطبق أيضا على حدائق الحيوانات البرية، ربما بصورة أكبر. بل إن من أهم الدوافع لإنشاء حدائق الحيوانات البرية التعريف بالحيوانات التي كانت تكثر في بلادنا ثم أوشكت على الانقراض أو انقرضت بالفعل مثل النمر العربي والمها وبعض أنواع الغزلان والنعام وطيور الحبارى وغيرها. وسيشكل عرض هذه الحيوانات في الحدائق وسيلة لتنمية عاطفة عامة الناس، وعلى الأخص الناشئة نحوها، وحث المواطنين على احترام الأنظمة التي تمنع صيدها في مناطق المحميات أو خلال مواسم تكاثر هذه الحيوانات أو هجرتها. ما هو المكان المناسب لحديقة حيوان جدة؟ لا شك أن المساحة المطلوبة لا تتوفر إلا في شرق جدة. بل إن إنشاء الحديقة هناك يجعلها قريبة من مكة المكرمة أيضا وتخدم سكان المدينتين معا. وقبل بضع سنوات، قدم معالي أمين مدينة جدة في ذلك الوقت المهندس عادل فقيه، تصورا مدروسا بعناية عن إنشاء مساحات خضراء واسعة في وادي العسلة وغيره من الوديان في شرق جدة للاستفادة من مياه الصرف المنقاة، وقد شمل ذلك التصور إنشاء حديقة حيوان على شكل سفاري. تلا ذلك زراعة الغابة الشرقية التي سمعنا بنمو أشجارها، ثم لم نسمع عنها بعد ذلك ولم نتمكن من رؤيتها ربما لصعوبة الوصول إليها. قد تكون مثل هذه الأماكن مناسبة لإنشاء حديقة الحيوان التي تتطلب عادة زراعة الكثير من الأشجار والنباتات وتستهلك الكثير من الماء. سوف يتطلب مشروع الحديقة من أمانة جدة تخصيص المساحة اللازمة من الأرض. ومن الأنسب أن يوكل إنشاء المشروع إلى القطاع الخاص الذي أثبت كفاءته في القيام بمثل هذه المشاريع. قد تستوجب ضخامة المشروع تكوين شراكة بين عدد من رجال الأعمال والمستثمرين أو إنشاء شركة مساهمة عامة تتركز مهمتها فقط على مشروع الحديقة حتى لا تتشتت جهودها بين مشاريع كثيرة، كما حدث سابقا مع شركة جدة القابضة. مهما كان الأمر، فسيكون المشروع في اعتقادي ناجحا بإذن الله، وسيرى إقبالا كبيرا من كافة المواطنين والزوار. سوف أحلم برؤية حديقة حيوان كبيرة وسفاري في جدة كما كنت أحلم برؤية حديقة كائنات بحرية. وأتمنى أن يتم إنشاء هذا المشروع بعد سنوات ليست كثيرة، أو أن يكون هناك مشروع يتم طبخه حاليا ثم يتم مفاجأتنا جميعا بافتتاحه في وقت أقرب مما نتخيل.
مشاركة :