يحمل المشهد الموسيقي والغنائي البديل في لبنان طابعاً غربياً يأتي تعبيراً عن الافتراق اللغوي والثقافي لفئات لبنانية، جزء كبير منها شبابي، عن مشهد الموسيقى العربية السائدة والشعبية. ورغم أداء عدد كبير من هذه الفرق باللغة الإنكليزية، فإنها ذات خصوصية محلية، يمكن لمسها بالمواضيع المطروحة، المتصلة بالراهن اللبناني، وبوقوعها على التناقض الأكثر بروزاً، بين عيشها المأزوم في بيروت والتطلع الحالم أو "الكاذب" الذي تحمله عن الحياة. يعبر عن هذا التناقض عنوان ألبوم "الليلة كانت كاذبة" (The Night was a Liar) لفرقة "لومي"، والأصوات الحالمة - المهلوسة التي يمكن العثور على طبقاتها في أغلبية الأعمال. صدرت خلال 2017 ألبومات لفرق عديدة نتحدث هنا عن 7 منها، مع العلم أن ألبومات أخرى صدرت ولم يتسنَّ لنا تناولها، منها "Hypercube" لفرقة لوبستاش، "Ala’" لكنمتك، "Chance Meeting" لباني تايلرز، و"The Salter Air" لنادين خوري. "الجميلات" لياسمين حمدان هو الألبوم الثالث لحمدان منفردة، تكرس فيه انتقالها إلى مشهد موسيقى العالم، ويمكن رؤية هذا الانتقال في الحضور المتزايد للآلات والإيقاعات غير الغربية. يحمل الألبوم عنوان قصيدة محمود درويش "الجميلات" التي غنتها حمدان بشكل احتفالي، مقدمةً مقاربة جديدة لشعر درويش. الألبوم هو "احتفال بالأنثى كما هي" وفق تعبير حمدان، الذي يظهر إما على شكل إطراء وغزل (الجميلات)، أو محاكاة لمشاكل الأنثى اليومية: الحيرة، العلاقات العاطفية، التناقض... يظهر العمل ارتفاع مستوى حمدان الفني، الذي لم يتأذَّ من تجاربها الجديدة، والتي مررتها بدون أن تبتعد عن أسلوبها الموسيقي الخاص، الحالم والهلوسي، وأغانيها القديمة التي أعادت توزيع أجزاء منها بشكل جديد."الليلة كانت كاذبة" لفرقة لومي (باللغة الإنكليزية) بعد عودتهما مجدداً إلى المشهد البيروتي قبل سنتين، يقدم الثنائي مارك قدسي ومايلين الحاج ألبوملومي"The Night was a Liar"المستمد على غرار عمليهما السابقين من الراهن الاجتماعي والسياسي اللبناني. درجت الفرقة خلال المرحلة الأولى من مسيرتها على وصف نفسها كفرقة آرت روك قادمة من "لبنان ما بعد الحرب"، كتبرير لأسلوبها السوداوي الذي لم تبتعد عنه في الألبوم الجديد، رغم الإيقاعات الإلكترونية السريعة والراقصة الطاغية عليه. مايلين الحاج تقدم أداءً متقلباً بين الفرح البريء المرافق للموسيقى الإلكترونية الراقصة، والعنف الجنوني الذي يتحول أحياناً إلى ما يشبه الشعوذات والأصوات المرعبة، التي تحاول تقديم صورة عن الواقع الحقيقي المخيف والقاسي، المخالف للصورة التي تروجها المدينة عن نفسها خلال "الليل الكاذب"."كالاميتا" لشريف صحناوي وطوني علية ليس مخاطرة القول إن شريف صحناوي (مدير مهرجان "ارتجال" للموسيقى التجريبية) هو أحد أفضل الموسيقيين اللبنانيين، بأسلوبه الهادئ والاختزالي، الذي اكتفى على مدى سنوات طويلة بغيتار آكويستيك معدّل، في عالم موسيقي سيطرت عليه الآلات الإلكترونية بشكل كامل. قوة صحناوي تكمن هنا، في انتمائه "مفهومياً" إلى نفس هذا العالم، وبحثه الدائم في النسيج الصوتي، الذي يعتبر أحد انشغالات الموسيقى الإلكترونية. رغم تقديم نفسه كموسيقي تجريبي، يقدم صحناوي مقطوعات مدروسة البنية، والطبقات والألحان، وتأثره بموسيقى الإرتجال الحر، يسهل عليه البقاء على هامش الهويات الموسيقية وأزماتها. في ألبومهما الجديد (يعزف فيه على الغيتار الكهربائي المعدل) الذي شارك في تأليفه طوني علية (غيتار كهربائي وآلات إلكترونية)، يعتمد الإثنان على تقديم مقاربة جديدة لموسيقى كراوت روك الألمانية، وذلك من وجهة نظر موسيقى الارتجال الحر، وبأسلوب غير بعيد عن موسيقى الفنان الأميركي طوني كونراد، أب السينما البنيوية، الذي أهديا إليه العمل (من إنتاج "صدع")."أربعين" ليمنى سابا تقدم سابا في ألبومهاالرابع رحلة موسيقية فريدة، تستخدم فيها خليطاً من الآلات الغريبة والأصوات التجريبية التي تدل على النضج الموسيقي الذي وصلت إليه بعد عشر سنوات من بدء مسيرتها. ألبوم هادئ بشكل عام، يستخدم عناصر من الموسيقى الشرقية، ويتساوى فيه حيز الغناء مع الحيز الذي تأخذه الموسيقى، بدون أن يتغلب طرف على الآخر. النفس التجريبي الموجود في الموسيقى، أقل حضوراً في أسلوب سابا الغنائي، الذي يحافظ على إيقاع شبه ثابت خلال زمن الألبوم، ويذكر طابعه الرقيق أو "الملائكي" في بعض المقاطع بأسلوب المغنية اللبنانية أميمة الخليل. "سأكون هنا في الصباح" لفرقة "بوستكاردز" (باللغة الإنكليزية) "I’ll be here in the Morning" هو الألبوم الطويل الأول لفرقة الإيندي روك اللبنانية "بوستكاردز"، التي تحاول الوصول إلى جمهور خارج لبنان، بعد ثلاثة EPs أصدرتها على مدى السنوات الماضية. يتقاطع العمل الذي أنتجته شركة "صدع" ويمكن اعتباره الأكثر نضجاً للفرقة حتى اليوم، في ثيمته الأساسية مع ثيمة ألبوم "لومي" (رغم اختلاف المعالجة الموسيقية والفنية بين الإثنين)، فهو يرتكز على التناقض بين عالمين، أحدهما قاسٍ وعنيف، وآخر إيجابي وفرح. لكن بعكس "لومي"، تحاول "بوستكاردز" كتم الأصوات الخشنة والقاسية وتخفيف حدّتها في الخلفية، مقابل سيطرة صوت جوليا صبرا الإيجابي واللامبالي، وإدخال ألحان وأصوات ذات طابع "حالم" و"هلوسي" من وقت لآخر تزيل عبء نبرات الغضب والاستسلام التي تظهر في الألبوم، ما يدخل العمل في دوائر من التناقضات الشعورية اللامتناهية.أكمل القراءة "شرقي" لغسان سحاب هو الألبوم الطويل الأول لعازف القانون غسان سحاب، أحد أعضاء فرقة "أصيل" لمصطفى سعيد. يحاول سحاب مثل سعيد في هذا الألبوم تقديم وجهة نظر جديدة عن الموسيقى العربية، شديدة الارتباط بطابعها "الأصيل" وفق تسميته (الأقرب إلى موسيقى القرن التاسع عشر)، بدون إدخال عناصر لحنية وصوتية خارجية إليها (من أنماط غربية أو عالمية)، كما حصل في فترات مختلفة من تاريخ الموسيقى العربية بعد سيد درويش. الألبوم يتألف من ثلاث وصلات من مقام الحجاز، والراست، والبياتي، ويتضمن حوارات بين القانون وآلات التخت الشرقي الأخرى، وقد تم تسجيله في الإستديو كأنه حفلة حية "من أجل الحفاظ على شخصية العمل القائم على الارتجال والتفاعل بين أعضاء الفرقة". "فشل النظام" لفرقة غيزمو (باللغة الإنكليزية) تعتبر الفرقة التي ظهرت في العام 2017 وتتألف من جو مغني، وألكس شامي، وكاميلو خوري، من المشاريع الواعدة في مشهد الموسيقى البديلة، فرغم تفاوت مستوى أغاني ألبومها الأول وصغر أعمار أعضائها، فقد استطاعت تقديم عروض مثيرة، بسبب طابع الموسيقى المحفزة على الرقص واللعب، وأصواتها الإلكترونية الإصطناعية والآلية. هي تجربة جديدة غير مكتملة، متأثرة بموسيقى "غوريلاز" و"راديو هيد" وتستعمل عناصر من الجاز والموسيقى الإلكترونية الراقصة، وتنبئ في حال استمرارها بمستقبل واعد.اقرأ أيضاًمعاهد الموسيقى في السعودية ليس لها موقع في الإعرابعلم الموسيقى: لماذا نكرّر سماع موسيقى معينة؟ ولماذا لا نقاوم الأغاني التجارية؟ وأكثر7 عادات غريبة ومضحكة نقوم بها "تحت الدوش" كلمات مفتاحية لبنان موسيقى التعليقات
مشاركة :