دخلت الجمعية العامة ظهر يوم افتتاح دورتها التاسعة والتسعين، والرئيس عبدالفتاح السيسي يتحدث وبعده الملك عبدالله الثاني، فكان في كلمتيهما تعويض كافٍ عن عدم سماعي كلمة الرئيس باراك أوباما الذي سبقهما. قرأت بعد ذلك نص خطاب الرئيس الأميركي ووجدت أنني لم أخسر كثيراً فهو لم يقل شيئاً جديداً، وإنما كرر مواقفه السابقة عن الحرب على الإرهاب، وربما يشجعه الآن انضمام ثلاث دول أخرى إلى حلفه هي بريطانيا وبلجيكا والدنمارك. شخصياً لا أصدق أن حلف الناتو، ومعه الدول العربية وغيرها، لا يستطيع هزم إرهابيي الدولة اللاإسلامية في أسبوع، بدل السنوات الثلاث التي حددها الرئيس أوباما. زعماء العالم كلهم تحت قبة واحدة وأنا بينهم طلباً للمعلومات مع تركيزي على العرب قبل غيرهم. كانت الخطابات تعكس هموم هذا البلد أو ذاك والقاسم المشترك بينها قضية فلسطين. الشيخ تميم بن حمد، أمير قطر، هاجم غطرسة القوة وقتل إسرائيل أطفالاً رُضَّع، ولم ينسَ أن يحيي صمود الشعب الفلسطيني في قطاع غزة. قطر بلد مرتاح، وليبيا والسودان في المقابل عندهما هموم الدنيا، ومع ذلك فرئيس مجلس النواب الليبي السيد عقيلة صالح عيسى طالب بجدول زمني لإنهاء الاحتلال وحماية الشعب الفلسطيني، ووزير خارجية السودان السيد علي أحمد كرتي هاجم آلة القتل الإسرائيلية وحرب الإبادة وطالب بتحقيق المطالب المشروعة للشعب الفلسطيني. كنت بانتظار خطابَيْ المملكة العربية السعودية وبعدها الإمارات العربية المتحدة، إلا أن الأمير سعود الفيصل لم يحضر، ووُزِّعَ خطاب السعودية، فكان الأمير وطنياً صادقاً كالعادة بدأ بفلسطين ودان العدوان الإسرائيلي الذي رآه يرقى إلى جرائم حرب واتهم إسرائيل بإفشال عملية السلام. أدعو ألا يكون غياب الأمير لسبب صحي. الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة، وزير خارجية البحرين، ألقى خطاباً لم يترك زيادة لمستزيد، ووعدني بعد ذلك بمعلومات خاصة إضافية فأنتظر أن يفي بما وعد. كان حظي طيباً مع الشيخ عبدالله بن زايد، وزير خارجية الإمارات، فخطابه انتهى في الثانية بعد الظهر، ودعوته إلى غداء فقال إنه في طريقه إلى المطار، وسرنا معاً في الطريق إلى الفندق وأنا أراجع معه خطابه. قلت للشيخ عبدالله إنه تحدث عن خطر الإرهاب، ونحن متفقان على وجوب دحره، ولكن سألته لماذا ركز على قلق بلاده من الأوضاع في ليبيا وهي على بعد ألفي كيلومتر من الخليج. هو قال إن الإرهاب في ليبيا يفيض على الدول المجاورة مثل مصر، وهو يقوِّض عمل المؤسسات المُنتَخَبَة شرعياً، ويجب دحره قبل أن يتجاوز شرّه دول الجوار إلى غيرها. في النهاية اتفقت والشيخ عبدالله على أن نجتمع في الإمارات. كنت أريد أن أرى رئيس وزراء المغرب الأخ عبدالاله بن كيران، فقد رأيته آخر مرة في دافوس، وأنا أتابع الأوضاع في المغرب ربما بسبب وجود أصدقاء كثيرين والعلاقة التي ربطتني يوماً بالملك الحسن الثاني، فقد أعجبتُ دائماً بقدرته وجمعه الثقافتين الإسلامية والغربية. ولم أستطع سماع خطاب رئيس الوزراء وتركت له ورقة على طاولة وفد المغرب، وهو اتصل بي من المطار واتفقنا على جلسة حديث في المغرب بعد شهر أو اثنين. الصديق سمير صنبر، الأمين العام المساعد السابق لشؤون الإعلام، كان أرسل إليّ في تموز (يوليو) جدول الخطباء، ووجدت أن رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتانياهو سيتحدث في جلسة الصباح من اليوم الأخير، أي الثلثاء الماضي. وقررت ألا أسمع كذب هذا الإرهابي، وقدّمتُ سفري إلى مساء الاثنين بعد سماع خطابي سورية ثم البحرين في الصباح. غير أن البرنامج عُدِّل، ووجدت أن اسم نتانياهو أدرج في قائمة صباح الاثنين، وكأنه يصرّ على تعكير مزاجي. هو في سجلي مجرم يقتل الأطفال ويكذب كما يتنفس. أترك هذا المجرم لأقول إنني ذهبت إلى نيويورك للعمل، لا لأختار ما يوافق هواي. ولم أطلب أكثر من فنجان قهوة يوم السبت ووجدت، ويا للهول، أن مقهى الجمعية العامة والمطعم الكبير مغلقان، وخرجت إلى مقر بعثة قطر المجاور، فوجدت الإخوان في اجتماع مغلق، وسرت نحو مقر بعثة البحرين ولم أجد الأخت نعيمة بوطمي، سكرتيرة السفير، وإنما رأيت الشيخة عايشة آل خليفة، نائب رئيس البعثة، وشربت في مكتبها فنجان قهوة وشكرتها وعدت مسرعاً إلى مبنى الأمم المتحدة لأسمع الكلمات العربية. أقول للقراء: كل جمعية عامة وأنتم بخير.
مشاركة :