بغداد: زيدان الربيعي: إعلان رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، قبل أسابيع النصر على تنظيم «داعش» الإرهابي بشكل رسمي؛ يمهد لخلاص هذا البلد بكل مكوناته من حرب خطرة، دفع أبناؤه واقتصاده ومدنه ثمناً كبيراً جداً حتى وصل إلى المرحلة الراهنة، التي تشهد هدوءاً غير مسبوق في عراق ما بعد عام 2003، وفي جميع المجالات تقريباً.ابتهج العراقيون بهذا الإعلان، واعتبروه بوابة لعهد جديد، يتمنون أن يكون زاهراً حتى يشرعوا ببناء بلدهم من الدمار الكبير، الذي لحق به؛ بسبب البناء الخاطئ للعملية السياسية، التي قام بتأسيسها الحاكم المدني الأمريكي السابق للعراق بول بريمر في 2003. وبعد إعلان النصر على «داعش»، يقف مستقبل العراق على عوامل عدة، من أبرزها: مساندة الكتل السياسية لحكومة العبادي، التي نجحت في الكثير من المفاصل، ومن أبرزها: استعادة الأراضي العراقية، التي سيطر عليها تنظيم «داعش» في منتصف يونيو/حزيران 2014، ومواجهة الأزمة المالية، التي ضربت البلد؛ بسبب هبوط أسعار النفط، وتعاملت حكومة العبادي بحكمة كبيرة في أزمة استفتاء إقليم كردستان في الخامس والعشرين من سبتمبر/أيلول الماضي، ونجحت في استعادة الأراضي، التي سيطر عليها الإقليم بعد دخول تنظيم «داعش» للعراق، كما نجحت أيضاً في تعزيز تواجد العراق بين أشقائه العرب من جديد بعد قطيعة استمرت لسنوات عدة؛ لذلك تحتاج هذه الحكومة إلى مساندة حقيقية من قبل الكتل السياسية؛ حتى تستطيع أن تشرع ببناء المدن، التي دمرها تنظيم «داعش» والحرب الطويلة والعنيفة، التي شنت ضده، واستمرت أكثر من ثلاث سنوات؛ إذ إن هذا الملف يعد من الملفات المهمة، التي تلح وبقوة هائلة على الحكومة؛ للإسراع بتنفيذه والتخلص من ملف النازحين؛ عبر إعادتهم إلى المناطق التي نزحوا منها؛ إذ توجد بعض الأحياء في محافظات نينوى وصلاح الدين والأنبار وديالى قد دمرت تدميراً كاملاً، وعملية إعادة بنائها ليست سهلة، إذا لم يكن هناك تعاون بين الحكومة ومجالس المحافظات ومساندة من قبل الكتل السياسية والمجتمع الدولي. عسكرة المجتمع من الملفات الأخرى، التي يجب العمل عليها من قبل الحكومة العراقية بعد إعلانها النصر على «داعش»، هو إنهاء موضوع عسكرة المجتمع العراقي، والاتجاه إلى استغلال العامل البشري، الذي كان منشغلاً في محاربة «داعش»؛ بعملية إعادة بناء البلد من جديد، وهذا ملف مهم وحساس جداً، ربما ستعانيه الحكومة كثيراً حتى تجد له الحلول المناسبة؛ لأنه ليس من الإنصاف أن يتم تسريح «المقاتلين»، الذين واجهوا الهجمة الخطرة التي تعرض لها العراق في السنوات الماضية، دون أن تكون هناك ضمانات كافية لحقوقهم، فإما أن تتم عملية إحالتهم إلى التقاعد أو يتم دمجهم في مؤسسات الدولة المدنية أو مع القوات الأمنية المختلفة؛ وحسب المؤهلات العلمية والبدنية؛ لذلك يتعين على الحكومة إيجاد منافذ مناسبة؛ للتخلص من موضوع عسكرة المجتمع العراقي في المرحلة المقبلة؛ لأن الحرب على «داعش» وتردي الوضع الأمني في البلد خلال السنوات الماضية أسهما بزيادة إقبال العراقيين على التطوّع بالمؤسسات الأمنية؛ إذ باتت الوظيفة العسكرية من الوظائف المرغوبة جداً عند الشباب في العراق، أما الآن وبعد انتهاء مرحلة «داعش» العسكرية في العراق، فقد أصبح بقاء الكثير من العسكريين في وحداتهم وقطعهم العسكرية عديم الفائدة، ولابد من استغلال هؤلاء في مجال آخر. ويتماشى مع هذا الملف موضوع آخر وهو كيفية نزع السلاح من الفصائل المسلحة، التي قاتلت «داعش»؛ لأن بعض الفصائل أعلنت استعداداها لتسليم أسلحتها إلى الدولة العراقية، فيما ترى فصائل أخرى أن الخطر ما زال يهدد العراق، ولابد أن تكون على أهبة الاستعداد؛ لمواجهة هذا الخطر؛ من خلال الاحتفاظ بأسلحتها وبمنتسبيها.لذلك يعد هذا الملف من الملفات الحساسة جداً في مستقبل العراق؛ لأن أي أزمة تخلق في هذا الجانب، ربما تكون نتائجها عكسية على الحكومة خصوصاً، وعلى الشارع العراقي عموماً، لاسيما إذا شعرت بعض الجهات بالتهميش أو بمصادرة دورها في المرحلة المقبلة. ملف الفساد يعد ملف الفساد في العراق من الملفات الخطرة جداً؛ لأن الفساد هو الذي أدى إلى تراجع البلد في كل المفاصل، بعد أن نجح الفاسدون في سرقة أموال الشعب العراقي بمشاريع وهمية أو فاشلة أو عبر صفقات مشبوهة؛ لذلك فإن العبادي يؤكد خلال تصريحاته الأخيرة، أن الحرب على الفساد قد تكون أصعب من الحرب على «داعش»، التي انتصر فيها العراقيون، داعياً الشعب العراقي وقواه السياسية المختلفة إلى مساندة الحكومة وهيئة النزاهة؛ من أجل القضاء على هذا الوباء الخطر، محذراً من أن الفاسدين يمتلكون الأموال ووسائل الإعلام، التي تظهرهم بمظهر النزيه الذي يحارب الفساد.لذلك يعد ملف الفساد من الملفات المهمة جداً؛ حيث إن لملف الفساد علاقة وثيقة بمستقبل العراق، فإذا نجحت الحكومة في مسعاها في إيقاف الفساد في مؤسسات البلد المختلفة كخطوة أولى، ثم عززت إجراءاتها في هذا المجال بخطوة ثانية عبر استرداد الأموال التي نهبها الفاسدون في السنوات الماضية؛ فإنها ستجد مساندة كبرى من الشعب العراقي؛ لكنها إذا تعثرت في هذا الجانب؛ فإن الفاسدين سيمسكون بزمام المبادرة، ويسرقون فرحة النصر من العراقيين؛ لكن وفق المعطيات الحالية، نجد أن الحكومة جادة وعازمة على إيقاف الفساد ومحاسبة الفاسدين، إلا أنها لم تشرع- لغاية الآن- بخطوات جدية لاستهداف رموز الفساد الكبرى في البلد، وهي مشخصة ومعروفة عند عامة العراقيين. أزمة الإقليمهناك ملف ضاغط آخر على الحكومة، وهو كيفية التعامل مع أزمة إقليم كردستان، التي نشبت؛ بعد إصرار الإقليم على إجراء «استفتاء الانفصال» في سبتمبر/أيلول الماضي، فالحكومة وبعد أن نجحت في إفشال مسعى الإقليم بالانفصال، وهذا النجاح أدى أيضاً إلى إيقاف المحاولات الرامية التي كانت تهدف أيضاً إلى إقامة إقليم مماثل لإقليم كردستان في المحافظات السنية، فإنها بدأت تتعامل بنوع من الثقة والمقدرة مع الإقليم، بعد أن كان الإقليم في السنوات السابقة هو من يتحكم بالكثير من القرارات السيادية.لذلك فإن الحكومة- الآن- بدأت تفرض هيمنتها الاتحادية على الإقليم؛ من خلال سيطرتها على المطارات والمنافذ الحدودية ومحافظة كركوك ومناطق أخرى كانت تحت سيطرة الإقليم والإشراف على تصدير النفط وغيرها من الأمور، وهذا التحول جعلها تتعامل مع الإقليم بنوع من القوة؛ لذلك هي ترفض دعوات الحوار العديدة المحلية والإقليمية والدولية مع الإقليم؛ إذا لم يتم إلغاء الاستفتاء؛ وإلغاء كل النتائج التي ترتبت عليه، بينما يحاول الإقليم أن يتمسك ببعض مكتسباته السابقة، التي ما زالت بيده، إلا أن الحكومة تتعامل بهدوء تام معه، ولا تستعجل في إثارة أزمة جديدة معه، بعد أن حققت الكثير مما لم يكن في حسبانها قبل إجراء الاستفتاء؛ لكن هذه الأزمة يجب أن تحسم؛ لأن قادة الإقليم ينتظرون بزوغ فجر أزمة جديدة في العراق تحرج الحكومة حتى يضغطوا عليها؛ من أجل استعادة بعض مكاسبهم، التي فقدوها خلال الآونة الأخيرة. ولم يزل الوقت مبكراً للحديث عن الانتخابات المحلية والنيابية المقبلة، خصوصاً أن هناك بعض الكتل السياسية تدعو إلى تأجيلها، بينما هناك كتل أخرى تصر على إجرائها في وقتها المحدد في شهر مايو/أيار المقبل.
مشاركة :