سيد الوكيل: الكتابة طقس للحياة في مواجهة طقوس الموت

  • 12/29/2017
  • 00:00
  • 9
  • 0
  • 0
news-picture

حجم المأساة التي يعيشها المثقف في واقعنا، بين إحساسه بالتفرّد والتميز، وعجزه عن أن يمارس أبسط أمور الحياة اليومية كبقية الناس، هنا نشأت فكرة ‘فوق الحياة قليلا‘، فلا هو منغمس في الحياة كبقية البشر، ولا يمكنه أن يتعالى عليها. لحظتها عرفت أنني وجدت واقعي الخاص، وسألت نفسي، نحن نكتب عن الناس في كل حالاتهم، فمن يكتب عنا؟”. “الحالة دايت” عنوان غريب اختاره الوكيل عنوانا لثاني نصوصه الروائية، وفيه اختلطت سيرته بسير الموتى وسيرة الكتابة، نسأله إن كان يرى في الكتابة حياة أم موتا ثانيا؟ ليجيب بأن “الحالة دايت” تتضمن الإجابة عن هذا السؤال، فهي، كما يقول، رواية ذات طابع تأملي وتحليلي، ويعتبرها كاتبها الوجه المقابل لـ”فوق الحياة قليلا”، فقد رأى أن الكتابة، يمكن أن تكون طقسا للحياة في مقابل طقوس الموت. فإذا كانت الأولى تتسم بقدر من السخرية المؤلمة، فالثانية تتسم بالشجن والتعاطف.تجربة غوص نفسية قراء سريون يصف الوكيل كتابه “لمح البصر” بأنه تجربة غوص نفسية، ومساءلة قاسية للذات، ويوضح دوافع هذا الغوص وتلك المساءلة بالتأكيد على أن هناك لحظة ما ينبغي أن يتوقف فيها الإنسان لمساءلة ذاته، فقد انهمك الكاتب طويلا في الحياة الثقافية، بين الإبداع والنقد والعمل الثقافي في المحافل والمؤتمرات والدوريات والسلاسل الأدبية، فضلا عن الحياة الشخصية. وقد وزع نفسه على مناحٍ عديدة، فنسيها، لذا يظن أن بعض ملامحه النفسية تغيرت، كما أن وعيه بالحياة اختلف بعد الكثير من التجارب والقراءات. إذ كان يحتاج إلى أن يعرف من هو بعد كل هذه الرحلة، وهو على مشارف الستين. فكان “لمح البصر” محاولة للبحث عن ملامحه الأولى، ولملمة ما تبقى منها، كما يقول. يتابع الكاتب “الفلسفة علمتني أهمية الوعي بالذات، وعلم النفس يخبرنا أن التغيرات تصحبها جراح تئن في أعماقنا، وتبقينا غرباء عن أنفسنا، التغيير مؤلم، فهو بتر لأجزاء من ذواتنا التي نعرفها. لهذا رأيت أهمية في أن أكتب شيئا يخصني أنا، ويساعدني في التصالح مع ذاتي التي تغيرت بعد رحلة أوصلتني إلى الستين من عمري. نصوص ‘لمح البصر‘ ليست أحلاما رأيتها وكتبتها، بل هي كتابة تستنطق اللاوعي”. وينفي الكاتب تأثره في أحلام “لمح البصر” بأحلام فترة النقاهة لنجيب محفوظ، موضحا “على فكرة، نجيب محفوظ ليس أول من كتب الأحلام، مصطفى بيومي له رواية ‘أحلام سرية‘ هي عبارة عن 99 حلما، كتبها قبل محفوظ بأكثر من عشر سنوات وهي تجربة مهمة ومتفردة، والطريف أن الأحلام فيها مرقمة كما فعل محفوظ، فهل بوسع أحد القول بأن محفوظ تأثر بمصطفى بيومي؟ ومع ذلك فالتأثر بنجيب محفوظ شرف، بل ضرورة. إنه المعلم الأول. ولكن، هل تصدق أن نجيب محفوظ وهو على مشارف التسعين، جلس يتذكر أحلام طفولته وشبابه، وراح يكتبها؟” في ذلك الأمر، الدكتور يحيى الرخاوي يؤكد “لا أحد يستطيع أن يتذكر أحلامه، فما يبقى منها هو التصور الذي يفهمه العقل الصاحي. إذن الأحلام أنت تراها في النوم فقط، أما كتابتها، فتحيلها إلى نص أدبي، له تقنياته وأساليبه”. روايته “شارع بسادة” بداية من عنوانها هي رواية مكان، لكنها احتفت بالإنسان، أما كان ذلك يمثل ذلك نوعا من المفارقة؟ يجيبنا الوكيل “لم أقصد أي مفارقة، وأنا لا أحترم لعبة المفارقات في الكتابة، لكني أحبها في النكتة، وفي المثل الشعبي. المشكلة أن ما أطلقنا عليه رواية مكان، قد راهن على آثار الإنسان في المكان ونسي الإنسان نفسه، واهتم بالطبيعة الجغرافية والعادات والتقاليد. وحشد الكتّاب رواياتهم بموتيفات فولكلورية، لكن هل يمكن لكل هذا أن يكون له معنى دون الإنسان؟ هنا تكمن المفارقة المضحكة”. يقرّ الكاتب بأن طريقته في الكتابة تواجه صعوبة في التلقي ويضيف “أيضا تستبعد من المسابقات التي تشترط التصنيف، ولكن يأتي قارئ ما في مكان ما يحتفي بها. الباحث العراقي كريم ناجي تناول ‘الحالة دايت‘ في رسالة دكتوراه عن الرواية الحديثة، وفي مصر مازلنا مشغولين إن كانت رواية أم لا، ذات مرة قدمني زميل لأحد معارفه: سيد الوكيل زميلي في الشغل. اندهش الرجل وقال ‘بتاع شارع بسادة؟’ الشاهد أن هناك قراء سريين، كما أن هناك كتابا سريين. هذه نظرية أثر الفراشة”.

مشاركة :