إعداد: أحمد مصطفى الغر 2017/12/28 جنس إبداعي جديد، يجمع بين تقنيات الشعر والقصة معاً، ليشكل ما يُعرف بالقصة الشاعرة، هي ليست القصة الشعرية التي وردت منذ معلقات العصر الجاهلي، وأيضاً ليست بالضرورة حاملة لكل عناصر الحبكة القصصية المعروفة، البعض يرى أنها مجرد غيمة وسرعان ما ستزول، فيما يشهد لها آخرون أنها قد أثبتت وجودها وصار لها كتّابها وقراؤها، فيما يشتكى آخرون من غياب النظريات النقدية التي تتناولها بالرصد والبحث والتحليل، مجلة اليمامة تفتح ملف القصة الشاعرة، وتسلط مزيداً من الضوء عليه. ابنة الشعر والسرد! في البداية.. يحدثنا الشاعر المصري محمد الشحات محمد، الذي يصفه كثيرون بالمبدع المناضل من أجل الدفاع عن شرعية ميلاد القصة الشاعرة بوصفها جنساً أدبياً مستقلاً، فيقول: «القصة الشاعرة فن أدبي جديد، له ظروفه الحضارية والنفسية، مع رغبة المبدع في الانحياز إلى التحديث، وتعرف بأنها قص إيقاعي وفق نظام التفعيلة والتدوين العروضي والقصصي، مُؤَسسة على التكثيف والرمز والمرجعيات الثقافية، تتشكل فيها الأحداث بطريقة فنية معقدة تجمع بين التداخل والتشابك، فلا تخضع لترتيب زمني، أو منطق تنامي الأحداث وتراكمها، بقدر ما تتواتر مفككة، والبناء يقوم على امتداد النفس المتصل بالحدث، مما يساعد على تدفق النص كتلة واحدة، تتمرد على الشكل الهرمي التقليدي بأحداث محتشدة وعاطفة مشحونة، تتميز بخروق عمودي القص والشعر، مع التفعيلة الخليلية لإنتاج نص سائل ومتحرر، مركب وبنيوي، أصيل وما بعد حداثي»، ويضيف الشحات: «القصة الشاعرة تختلف عن القصة الشعرية أو الشاعرية والشعر القصصي أو القصيدة القصة، كما أنها تختلف عن قصيدة النثر كذلك، فهناك فروق كبيرة، كما أن هناك المشابهات، والتي لا تعني إلغاء الفروق المميزة لكل جنس أدبي، والقصة الشاعرة لا يكتبها إلا «شاعر قاص» متمكن، وقد تناولت بعض مؤتمرات القصة الشاعرة خصائصها ومميزاتها والفروق بينها وبين الأجناس الأدبية الأخرى القريبة منها، مع تناول الجهود المبذولة لاعتماد البنية الفنية للقصة الشاعرة، وتدويلها، ودور النقد البناء وأثر الحداثة وما بعد الحداثة فيها، وإمكانية تضافر الجهود لتوكيد الحضور العربي الفاعل في المشهد الأدبي العالمي». أ.د. أحمد إسماعيل، أستاذ الأدب والنقد بجامعتي الفيوم المصرية والإمام محمد بن سعود بالمملكة، يقول: «لا يبني العالم إلا المنحازون، والشاعر الملهم محمد الشحات محمد منحاز إلى التجديد، فالقصة الشاعرة التي يتبنى ريادتها هي من أهم مكونات روح الشعر؛ وتثبت أن للشعر حياة في السرد كما أن له حياة في الغنائية والوصف، ومع تطور الأشكال الشعرية العربية من داخل الشعر عبر تاريخه تفردت أشكال تكاد تكون جنساً أدبياً مستقلاً، كالمسمطات والرباعيات والموشحات، حتى غدا الإيقاع قابلًا للتطور اللهجي فكانت الأزجال، أما القصة الشاعرة؛ فإنها ومضة تجمع بين جلال الكلمة الشاعرة وتناغم الإيقاع في الحكاية السردية، القصة الشاعرة هى ابنة شرعية للشعر والسرد معاً، وهي رغم دلالها لا تغني عن الرواية أو القصة القصيرة أو القصة القصيرة جداً، كما لا تغني عن الشعر الحر أو قصيدة النثر، ولا أرى أن إبداع فن القصة الشاعرة يتناقض مع أي جنس أدبي؛ إنها مثال للتوالد الذاتي من رحم روح الشعر وموضوعاته الأثيرة؛ فما من متذوق للشعر إلا ويتلهف على القصة داخل الشعر؛ إنها صورة مزيجها الكلمة والجملة والإيقاع والخيال وجلال التلقي، يتحقق فيها تعريف الناقد الإنجليزي سيسل دي لويس: «رسم قوامه الكلمات المشحونة بالعاطفة»، كل قصة مشحونة بعاطفة ما، فما بالنا بقصة في بناء شعري، وليس البناء هنا في هيئته العامة، بقدر ما هو بناء حي له جذور وسيقان وأغصان وثمرته وردة يانعة بالحرف والنغم والحكاية». مولود أدبي جديد! الشاعرة والباحثة الأردنية د. ربيحة الرفاعي، التي كانت لها رسالة دكتوراة بعنوان «الأدب وتناسل أجناسه والحضور العربي الفاعل؛ القصة الشاعرة برهاناً»، تقول: «يتحدد الجنس الأدبي بتوليفة من الخصائص والسمات المعيارية التي يختلف باجتماعها فيه عن غيره من أجناس قد تحمل بعض تلك السمات، لكنها لا تجتمع فيها، وبذلك فإن الخرق في سمات جنس ما بتحوير في بعض خصائصه الجوهرية، أو باستعارة خصائص أجناس أخرى، يؤدي لولادة فن أدبي جديد، قد يحقق قبولًا لدى المتلقي. والقصة الشاعرة مولودة عن مزاوجة بعض الخصائص الجوهرية لجنسي قصيدة التفعيلة، والقصة القصيرة والقصيرة جداً، إضافة لبعض الخصائص ما بعد الحداثية وما بعدها، كالرمزية، والدوال متعددة الدلالات، والتكثيف، واستيعاب أدوات العرض الرقمي، وقد أثبتت دراستها وتطبيق قوانين التجنيس عليها، استقلالها كجنس أدبي واستحقاقها موقعاً خاصاً بها على خريطة الأجناس الأدبية»، وتضيف الرفاعي: «بتقليدية وانغلاق يتصدى الفكر الإنساني غالباً للجديد بالرفض الاستباقي قبل معرفته، والقصة الشاعرة ثورة في الشكل التعبيري وجنس أدبي جديد يواجه من التقليديين ما واجه غيره في انطلاقته الأولى، وهذا الرفض الاستباقي لم يُوقِف يوماً مسيرة القافلة ولا نجح في مرة بوأد الجديد ومنع وجوده واستمراره». وحول ما إذا كانت ﺍﻟﻘﺼﺔ ﺍﻟﺸﺎﻋﺮﺓ ﻫﻲ ﺍﻟﻤﻘﺎﺑﻞ ﺍﻷﺩﺑﻲ ﻟﻘﺼﻴﺪﺓ ﺍﻟﻨﺜﺮ؛ تقول: «تقوم الأخيرة على تعرية القصيدة من موسيقاها، بينما تأتي القصة الشاعرة لتصب موسيقى التفعيلة الخليلية في السرد القصي، وبينما يزعمون أن الضوابط الموسيقية في الشعر تقيد الشاعر، وتحد من أفق انطلاقه تصويراً وترميزاً، تقف القصة الشاعرة لتقول إن شعرنا العربي واسع المدى، حمّال للرمز والصورة الشعرية والجماليات الحداثية التي يتغنون بها، قادر على مواكبة التغير في البناء الفوقي للإنسانية، حتى حين ينثال في سردية قصية». فيما يرى أ.د. خالد فهمي، أستاذ الأدب والنقد بجامعة المنوفية المصرية، أن تاريخ نظرية الأدب يعترف بخلق أجناس أدبية من رحم غيرها حيناً وباستقلالها حيناً آخر، والقصة الشاعرة لا يعوقها أن تكون جنساً أدبياً جديداً ومستقلاً، لأنها تملك في خزانتها وفرة من النصوص الإبداعية التي قصد بها أصحابها إغناء رصيدها، وتملك من المتحمسين لها مبدعين مؤمنين بقضيتها، وتملك رصيداً من المحاولات النقدية المتابعة وتسعى لتحرير مفهومها والعكوف على فحص خصائصها الجمالية، وهذا كله يمنحها شرعية الميلاد جنساً تحتاجه النفس الإنسانية لتعبر من خلالها عن كثير من شواغلها»، ويضيف «فهمي» حول ما إذا كانت القصة الشاعرة هي المقابل الأدبي أو البديل لقصيدة النثر فيقول: « لا يصح أن يكون ثمة جنس أدبي بديلًا لجنس آخر، فقصيدة النثر نوع وليد ظروف حضارية قلقة مرتبطة بالغرب إلى حد كبير والقصة الشاعرة نوع آخر وليد ظرف حضاري ونفسي مختلف ولذا فهو مختلف عنها». غير واضحة الملامح! على الضفة الأخرى يقف المعارضون للقصة الشاعرة، فالكاتب والشاعر أحمد فضل شبلول، يقول: «حتى الآن لم يتضح لي ملامح تلك القصة الشاعرة، حتى أستطيع أن أفرق بينها وبين الأشكال الأدبية الأخرى، فهي لم تنتشر بعد الانتشار الذي يؤهلها لأن تكون موجة سائدة أو اتجاهاً سائداً بين الأدباء، وفي أوساط الشباب تحديداً، مثل موجة ال ق. ق. ج، أو موجة قصيدة النثر التي انتشرت انتشاراً واسعاً، هناك بعض الأدباء والكتاب يجتهدون في ذلك، ويحاولون ترسيخها، ولكنها لم تنتشر بعد، ربما لأنها تحتاج إلى مواصفات معينة تجمع – حسب اسمها – بين الشعر والسرد أو القص، رغم أن البعض يحاول إقامة مهرجانٍ لها في مصر وبعض الدول العربية. ولكن هذا الأمر كان موجوداً لدى الأقدمين، عندما كان بعضهم يكتب القصيدة في إطار قصصي أو سردي، ولنا في الملاحم الشعرية مثال على ذلك، حتى الأغنية رأينا فيها مثل هذا الاتجاه، ولنا في أغنية «ساكن قصادي» لنجاة الصغيرة على سبيل المثال، أو أغنية «فاتت جنبنا» لعبدالحليم حافظ أيضاً مثالاً، ولعل أصحاب هذا المصطلح «القصة الشاعرة» يقصدون القصة القصيرة في إطار موزون، لأنهم يقدمون «القصة» على «الشاعرة»، ولكن أعود فأقول إن الشاعر الراحل فاروق شوشة قد قام بهذه التجربة في إطار سرد قصصي موزون، استدعى فيه علاقاته مع الآخرين، ولكنه لم يسم ما كتبه «قصة شاعرة». عموماً نحن في انتظار مزيد من الأعمال ومزيد من التراكم ليتضح مزيد من الملامح لهذا الشكل الأدبي».
مشاركة :