«جون فاولز».. تاريخ الوعي الغربي إبان القرن العشرين

  • 12/30/2017
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

القاهرة: «الخليج» لم ينل الكاتب البريطاني «جون فاولز» شهرة حقيقية إلا بعد أن حققت أعماله نجاحاً على المستويين التجاري والنقدي في الولايات المتحدة، على حد تعبير الناقد الإنجليزي مالكولم براد بري، فالنقاد البريطانيون يتقربون على نحو حذر من مؤلفيهم الممتازين، وهذا هو السبب في أن النقد الأدبي للرواية البريطانية في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية كان دوماً نقداً هزيلاً، لا يراعي حقوق الكتاب ومشاعرهم، غير أن فاولز حظي دوماً بقدر معين من الاهتمام، وهو اهتمام محير إلى حد ما، لأن نجاحه الشعبي لا يدعم في أغلب الأحوال شهرته الأدبية بل يقف على الضد منها.ظهرت «جامع الفراشات» أولى روايات فاولز عام 1963، وقد أشار في حوار صحفي أجري معه إلى أنه قرر لدى كتابته هذا الرواية «أن يكتب وفق أشد قواعد الواقعية صرامة» لأن المظهر الخارجي للرواية يمتد إلى دانيال ديغو، وجين أوستن، وجان بول سارتر، والبير كامو، وتعتمد هذه الرواية على السير في طريق معقدة وراء رغبة غامضة ذات صلة بغرابة الفن نفسه، فالبطلة في الرواية تقول في تعريفها لثورة الفن ضد الطبيعة: «عندما ترسم شيئاً ما فإنه يعيش وعندما تصوره فإنه يموت»، ومن المؤكد أن هذا يتكرر كثيراً في كل ما كتبه فاولز.وفي العام 1966 نشر فاولز كتابه الثاني «الساحر» ثم أعاد نشر هذه الرواية منقحة عام 1977، ولم تحظ باستقبال طيب على الرغم من تطلعاتها الخيالية والعقلية الواضحة التي كانت غير مألوفة، وقد حاولت هذه الرواية أن تعمل على تاريخ الوعي في الغرب إبان القرن العشرين. تشكل رواية «امرأة الضابط الفرنسي»، التي ترجمها إلى العربية د. محمد درويش، جهداً ممتازاً في تقييم الفارق التاريخي والعقلي بين قارئ العصر الفكتوري، والقارئ الحديث، بما في ذلك بناء وعي العالم الذي كان قائماً قبل 100 عام ووعي العالم الآن، ذلك الوعي المتغلغل في تلافيف المجتمع والذي ينتج نمطاً من الوحدة الثقافية بين العالم الداخلي والعالم الخارجي.الكتابة في هذه الرواية - كما يرى درويش - تبدو وهي تمر بين يدي روائي يهتم اهتماماً شديداً بمشكلات العصر الفيكتوري الخاصة بالإيمان في مواجهة الشكوك العلمية، وبالوقوف بين عالمين: الأول عالم ميت، والثاني لا يقوى على الولادة، كما يقول ماثيو أرنولد، ويهتم كذلك بالإحصاءات الخاصة بالبغاء، وتأثير تشارلز داروين، ومضامين كارل ماركس، والعلاقة بين الحاضر الذي هو ماض في الرواية والمستقبل الذي هو حاضر في الرواية، والعلاقة بين موروث الرواية الفيكتوري المثير للإعجاب والوضع في القرن العشرين الذي يجعل من المستحيل الكتابة في داخله، هناك أيضاً جون فاولز آخر، يتسم بالاعتدال والجد وضبط النفس، جون فاولز الجامع المانع في الأغلب، العارف بكل شيء، الروائي القادر على سرد الأحداث، كأنه ينقلها نقلاً، متأملاً إياها تأملاً حصيفاً.يؤكد الناقد مالكولم براد بري أن رواية «امرأة الضابط الفرنسي» هي من أفضل الكتب التي ظهرت في بريطانيا منذ الحرب، هي رواية واعية ظهرت في وقت مثير للاهتمام كان فيه العديد من الكتاب البريطانيين يعيدون التفكير في علاقتهم بموروثهم، وقد قدمها روائي اتخذ بحثه في الرواية منحى مغايراً على نحو درامي مثير للانتباه، روائي يعي وعياً شديداً النسيج النقدي المحيط به، على الرغم من أنه يقاومه بأساليب أخرى.تقف رواية «امرأة الضابط الفرنسي» على التخوم التي أنتجت أكثر التعقيدات في الرواية البريطانية الحديثة، التخوم بين رواية القرن التاسع عشر الواقعية والرواية الحديثة، وهي أسوة بالكثير من الروايات الحديثة تعزز الحيرة والارتباك باستخدام العناصر التي تتخذ شكلاً من أشكال الشعرية، هي رواية من روايات الواقعية الليبرالية، التي تنبه إلى الشخصية والتجربة الاجتماعية والأسلوب الذي يغذي كل منهما الآخر.توضح مقدمة محمد شاهين لترجمة «امرأة الضابط الفرنسي» أن جون فاولز روائي دقيق، يذكرنا بمنهج الشك الذي سارت عليه ناتالي ساورت، ويمثل قضية مثيرة للاهتمام في موروث روائي بريطاني، لم يستسغ كثيراً هذا النمط من البحث الفني، إن روايات فاولز تجعله اليوم واحداً من الكتاب العظام، بسبب براعته المتقنة، ورغبته في أن يرى مواجهة جديدة بين ظروف الوجود الحديث وتياراته من جهة وشكل الفن من جهة ثانية.

مشاركة :