توجهت الجهود الدولية منذ عقود عدة الى الاهتمام بتخفيض انبعاثات غازات الاحتباس الحرارى المتمثلة فى ثانى اكسيد الكربون والميثان وثانى اكسيد والهيدروفلوروكوبونات واكاسيد النيتروز وسادس فلوريدالكبريت ، والتى تنتج عن الأنشطة البشرية لعمليات التنمية الصناعية والتوسع فى الزراعات ، وإزالة الغابات والتغير فى استخدام الأراضى ، والتى ثبت فعليا أنها العامل الرئيسى فى التغيرات المناخية التى تسبب خسائر بشرية واقتصادية فادحة ٠ولأن لا أحد يستطيع غض الطرف عن الآثار المترتبة عن التغير المناخى ، فقد استحوذت قضاياه على اهتمام كبير من مناقشات الرؤساء والوزراء في المحافل والاجتماعات الدولية المتعلقة بالبيئة والتغير المناخي ، وكان للحوار المستمر بين الدول المتقدمة والنامية والجهود المبذولة على مستوى العالم أثرها فى نجاح المجتمع الدولى فى إقرار الاتفاقية الإطارية لتغير المناخ ، والاتفاق التاريخى الذى وافق عليه الجميع فى قمة المناخ التى عقدت فى فرنسا آواخر العام الماضى ، وانسحبت منه مؤخرا الولايات المتحدة وكان اتفاق باريس قد حدد هدفا للحد من ارتفاع درجة الحرارة العالمية في حدود درجتين مئويتين ، لكن العلماء يحذرون من أن متوسط درجة الحرارة سيتجاوز هذه العتبة بحلول نهاية القرن الحالي، إضافة إلى دعم التحول الطاقي وتشجيع المشاريع المحافظة على البيئة بتوفير برامج دعم موجهة للدول النامية المتضررة ، ومازالت جهود مكافحة ظاهرة الاحتباس الحراري دون مستوى المطلوب لحماية الكثير من الدول والمدن في مختلف أنحاء العالم، لاسيما المدن الجزرية ومدن القارة الأفريقية .ولهذا فقد ناقشت الدورة الـ ٢٣ لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ الذي استضافته العاصمة الألمانية بون فى شهر نوفمبر الماضى ، ضمن سلسلة المؤتمرات المنعقدة تحت مظلة (كوب 23 ) قضايا التغييرات المناخية ، بمشاركة وفود من 196دولة وحوالي 25 ألف شخص من هيئات دولية ومنظمات محلية وإقليمية ، وعلى مدى أسبوعين حاول مفاوضو الدول المشاركة فى المؤتمر ، وضع مجموعة من المبادئ التوجيهية لتنفيذ اتفاق باريس عبر استراتيجية عالمية طويلة الأجل لمعالجة تغير المناخ.وأحد أهم الآليات التمويلية في مجال التغيرات المناخية هو الصندوق الأخضر أو ما يعرف ب ( المناخ الأخضر )، حيث أنشئ الصندوق في المؤتمر الـ16 للأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ الذي عقد في عام 2010، بهدف التشجيع على التحول النموذجي للمسارات الإنمائية المنخفضة في الانبعاث والقادرة على التكيف مع تغير المناخ ، وتم اختيار مصر كأول دولة عربية وشرق أوسطية تستضيف الاجتماع الـ18 للصندوق ، وهو ما يعكس مكانتها الإقليمية والدولية.وحيث أن الدول النامية تتعرض لضغوط التغيرات المناخية بصورة اشد مما تتعرض له الدول المتقدمة ، كما أن قدرتها على التأقلم مع مردودات تغيرات المناخ تعوقها متطلبات التنمية الاقتصادية ، فقد قرر الصندوق تقديم الدعم لها للحد من انبعاث الغازات الدفيئة ، أو تخفيضها والتكيف مع آثار تغير المناخ، حيث يمكن لتلك الدول أن تحصل على الأموال بطريقتين، إما مباشرة عبر الكيانات المنفذة دون الوطنية أو الوطنية أو الإقليمية المعتمدة، أو من خلال الكيانات الدولية المعتمدة، مثل وكالات الأمم المتحدة والمؤسسات المالية الدولية.وقد تم اعتماد منظمة الأغذية والزراعة ( الفاو ) لدى صندوق المناخ الأخضر، بعد وصفه كيانا منفذا للمنح للمشاريع المتوسطة الحجم التي تتراوح ما بين 50-250 مليون دولار أمريكي، مع مستوى متوسط من المخاطر البيئية والاجتماعية، حيث تقف المنظمة على أهبة الاستعداد لدعم الدول الأعضاء فيه ، في وضع وتنفيذ المشاريع التي تقودها الدول بشأن التكيف والزراعة الذكية مناخيا، ومكافحة تدهور الأراضي والغابات والإدارة المستدامة للغابات والحد من مخاطر الكوارث من بين مجالات أخرى تمتلك فيها المنظمة خبرة كبيرة ، فيما حدد مجلس الصندوق أولويات الاستثمار الرئيسية التي تستهدف العديد من التحديات ذات الصلة المباشرة بولاية المنظمة وعملها، حيث يشمل ذلك دعم خفض الانبعاثات الناجمة عن إزالة الغابات ، واستخدام الأراضي، لتعزيز قدرة السبل المعيشة للناس وأمنهم الغذائي.وتنتهج مصر نهج الدول النامية فى التفاوض بشأن أهم قضايا التغيرات المناخية من خلال المحافل الدولية ، ويلقى دورها الريادى على المستوى الاقليمى بمسئولية التمثيل العربى والإفريقى فى المجموعات الاقليمية طبقا لتقسيم الأمم المتحدة ، وتتجاوب مصر دائما بكل فاعلية مع الجهود الرامية الى مجابهة تحديات تغير المناخ وتحسين ظروف الحياة وارساء قواعد التنمية المستدامة على كوكب الأرض ، مشددة على أهمية الحصول على اسهامات ومساعدات دولية سواء عبر نقل التكنولوجيا النظيفة مع التدريب والتعليم اللازمين ، ورفع الوعى واعداد الكوادر الوطنية القادرة على التعامل مع هذه القضية نظرا لتكلفتها المرتفعة.وقد نجحت وزارة البيئة المصرية واللجنة الوطنية لصندوق "المناخ الأخضر"، في الحصول على موافقة الصندوق لتنفيذ مشروع تحسين التكيف مع التغيرات المناخية في الساحل الشمالي والدلتا ، وأسفرت جهود وزارة البيئة بالتعاون مع وزارتي الري والخارجية وممثلي الوزارات المعنية في اللجنة الوطنية لصندوق المناخ الأخضر على موافقة مجلس إدارته ، في اجتماع مجلس الإدارة الثامن عشر الذي استضافته مصر، على مشروع تحسين التكيف مع التغيرات المناخية في الساحل الشمالي ودلتا النيل، المزمع تنفيذه من خلال وزارة الموارد المائية والري بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ، وسط منافسة شرسة بين مصر والدول الأخرى التي تقدمت بمشروعاتها للحصول على منحة صندوق المناخ الأخضر.وتبلغ قيمة المنحة المقدمة لصالح المشروع 31.4 مليون دولار، ويهدف إلى إنشاء أنظمة حماية بطول 69 كم للأراضي المنخفضة في سواحل دلتا نهر النيل المهددة بالغرق، نتيجة ارتفاع منسوب سطح البحر المصاحب لظاهرة التغيرات المناخية، وسوف تساهم وزارة الموارد المائية والري في تكلفة الإنشاءات بمبلغ 140 مليون جنيه.و يهدف المشروع إلى وضع خطة للإدارة المتكاملة للموارد الساحلية بالإضافة لنظام رصد وطني متكامل لمراقبة تأثير التغيرات المناخية على الظواهر الطبيعية على امتداد ساحل البحر المتوسط ، وتعتبر هذه المنحة وهي الأولى من نوعها، حيث إنها تعد أول منحة كبيرة تحصل عليها مصر من صندوق المناخ الأخضر، بالإضافة إلى مشروعين للطاقة سبق الحصول عليهما لصالح وزارة الكهرباء كمنحة تمويلية تقدر بـ365 مليون دولار، وبذلك تكون مصر قد حصلت على 20 فى المائة من إجمالي ما تم تخصيصه من صندوق المناخ الأخضر للدول النامية، في شكل منح وقروض، بالإضافة إلى 3 ملايين دولار من المقرر الحصول عليهم لإعداد الخطة الوطنية للتكيف، علما بأن إجمالي المنصرف من صندوق المناخ الأخضر حتى الآن هو 2.2 مليار دولار على 53 مشروعا لجميع الدول.
مشاركة :