نشرت جريدة نيويورك تايمز الأمريكية مقالاً عن تجربة الفنان الإماراتي الراحل حسن الشريف، وفيما يلي نص المقال الذي كتبه «هولاند كوتر» في الصحيفة بتاريخ 28-12-2017:يعتبر التنميط الإثني جزءاً من سوق الفن المعاصر، حيث إن الفنانين الذين تعود أصولهم إلى خارج أمريكا وأوروبا ويرغبون في السطوع، يكونون مطالبين بتقديم إثباتات تدل على هوية وأصول أعمالهم الفنية، ومن ثم صياغة تلك الهوية ضمن أنماط وأشكال يسهل التعرف إليها في الغرب.ولد الفنان الإماراتي حسن شريف (1951 - 2016)، والذي تستعيد مؤسسة الشارقة للفنون أعماله في معرض مميز على حافة الخليج العربي، واستخدم في أعماله عدداً من الوسائط الفنية المختلفة والتي تكون في الغالب متناقضة في أساليبها وطرقها، حيث تميزت بعدم القدرة على ربطها بثقافة أو مكان معين، أو أنها يمكن أن تكون أعمالاً فنية تجسيدية تجمع في الوقت ذاته العديد من الثقافات، ويصف نفسه بطريقة تجمع بين الدعابة والجدية بأنه كالبدوي الرحال، رغم أنه لم يعش حياة البدو. لقد عاش شريف بضعة سنوات من شبابه في إنجلترا، وقضى بعدها حياته في الخليج، وهي منطقته التي يحظى فيها بمكانة كبيرة ويعتبر فيها اليوم رائداً في الفن التجسيدي المعاصر.ترعرع حسن شريف في مدينة دبي بعد أن ولد في إيران، حيث كانت دبي قبل ظهور النفط في ستينات القرن الماضي مجرد مدينة صغيرة تعتمد على صيد وتجارة اللؤلؤ، وكان أبوه خبازاً محترفاً، بيد أن شريف اختار أن يشق طريقه فيما يحب كناشط فني. واطّلع خلال مراحله الأولى على بعض الكتب التي أعادت إحياء أعمال فنية لفنانين كبار مثل فان جوخ وبيكاسو، وهي ما أرسى لديه قناعة تامة بأنه يرغب في أن يكون فناناً معاصراً.وامتلك شريف موهبة فذة مكنته من تقديم أعمال فنية مثيرة وساخرة في آن واحد، وقد عمل في سبعينات القرن الماضي في رسم الرسوم الكرتونية لمجلات سياسية إبان مرحلة اتحاد الدولة التي تتطلع إلى الحادثة والتقدم، وفي الوقت ذاته، قدم أعمالاً فنية في معارض تحت رعاية حكومية، الأمر الذي مهد له الطريق للحصول على منحة دراسية في الخارج، وفي الوقت الذي كانت فرنسا الخيار المفضل لمعاصريه من الفنانين، اختار هو التوجه إلى إنجلترا. وبدأ شريف في اكتساب مهارات جديدة وصقل مالديه منها. وإذا كان هذا النمط من الأعمال متوفراً في حدود ضيقة فقط في بريطانيا الثمانينات، فإنه يعتبر راديكالياً في الإمارات، حيث يعود شريف لقضاء الإجازات الصيفية. وهنا أبدع تحفة أخرى عام 1983 تعكس طاقة التحمل في صحراء دبي الحارقة. وبعد عامين عرض في الشارقة لوحات تجريدية ليس في معرض متخصص بل في سوق مكشوفة، حيث عرض لوحة على الأرض وأخرى عمودية كأنها سطح طاولة على أربع زجاجات مياه. لم يدرك أحد يومها نمط تفكيره، وكان يعرض في وطنه فكرة جديدة عن ما يمكن للفن أن يكونه.يومها أنهى شريف دراسته وعاد إلى الخليج. قضى بداية أيامه في الشارقة، حيث التقى مع فنانين وشعراء أطلقوا جمعية الإمارات للفنون الجميلة. كان دعم هذه المجموعة حساساً. ففي الإمارات يومها كان الشكل المقبول من الفن المتطور هو الخط التجريدي الذي ابتعد عنه شريف كغيره من الفنانين الوطنيين. لكن فنه كإماراتي عكس رؤية وطنية بصبغة غربية لم تلق قبولاً.لكن حتى قبل عودته بدأ شريف في تغيير فنه استجابة للرغبات الإماراتية. فالمادية التي سخر منها في لوحاته الكرتونية اتسعت بشكل قوي، فقد امتلأت الأسواق التي كانت تقتصر على المشغولات اليدوية بمنتجات المصانع. وجاء رد شريف على تلك التطورات عبر سلسلة من المنحوتات والأعمال الفنية أطلق عليها اسم «الآثار المدينية» والتي اتخذت من السوق نفسه مادة خام للعمل، لتصبح هذه التجربة واحدة من أفضل أعماله.صاغ شريف نماذج أعماله الأولى من المخلفات والقمامة في الشارع، متعمداً لف علب الكرتون بشرائط الهدايا المصنوعة من قماش مستعمل أعيد تدويره. ونقع ورق الجرائد بالماء والصمغ وخلطه ليصنع عجينة الورق ثم شكل منها «ألبوم» الزورق الخشبي، كما كان يفعل أبوه بعد أن شكل منها أرغفة مستديرة كالكعك وعرضها حزماً وأكواماً تعكس صورة الأسواق في ذهنه وهو طفل.
مشاركة :