فاينانشل تايمز في 2015 أعلنت الصين عن إطلاق برنامج «صنع في الصين 2025»، الذي يستهدف إحراز حصص أكبر من السوق العالمية في 10 قطاعات. إلا أن البرنامج في الأساس هو مشروع وطني صرف يهدف إلى تعزيز «الابتكار المحلي» والاعتماد على الذات في صنع التقنيات الأساسية.أصبحت الفوارق غير المتجانسة بين الاقتصادات السياسية لكل من الصين ودول الغرب من جديد مدار بحث وتركيز في الجهود الحاسمة لتجنب حدوث موجة من الحمائية التجارية.فقد عززت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي واليابان الأسبوع الماضي الضغوط على الصين بشأن التجارة والدعم الحكومي وقضايا الملكية الفكرية. في خطوة غير مألوفة حيال التعاون الدولي من قبل إدارة ترامب، أصدرت المجموعة الثلاثية بياناً على هامش اجتماع لمنظمة التجارة العالمية في بوينس آيرس والذي يهدف إلى معالجة «الطاقة الفائضة» في قطاعات الصلب والقطاعات الأخرى ودور الدعم الحكومي غير المشروع والشركات المملوكة للدولة في تفاقم ذلك.ولم يذكر البيان، الذى يستهدف أيضاً التحويل القسري لحقوق الملكية الفكرية، الصين بشكل مباشر. إلا أن المسؤولين أوضحوا أن الصين هي الهدف الرئيسي للبيان لكنها ليست الوحيدة. وتهدف تحركات التحالف الثلاثي إلى تجنب النزعة الحمائية من خلال دفع بكين لتقديم تنازلات. ويبدو الأمل «بأي تقارب» مع النظام الاقتصادي الليبرالي منذ انضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية في عام 2001، باهتاً إن لم يكن مفقوداً.ولكن من منظور أوسع، تمثل هذه التوترات المتزايدة اختباراً وجودياً للنظام التجاري العالمي. فالمسألة المطروحة هي ما إذا كان النظام الاقتصادي الصيني الهجين الموجه من قبل الحكومة قد أصبح متعارضاً جداً مع مبادئ السوق الحرة وعائقاً أمام التعاون البناء.وقد رفعت بكين شكايات في منظمة التجارة العالمية ضد الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي لعدم الالتزام بوعودها بمنح صفة اقتصاد السوق للاقتصاد الصيني خلال 15 عاماً من انضمامها إلى منظمة التجارية العالمية. وتريد الصين أن يتم تصنيفها رسمياً كاقتصاد سوق لأن هذا التصنيف يعزز قدرتها على مكافحة قضايا الإغراق ضدها.وتشكو الشركات متعددة الجنسيات العاملة في الصين من تدهور بيئة العمل. فقد أعلنت نسبة 50 في المئة من الشركات الأوروبية التي لها أعمال في الصين أن القيام بأعمال تجارية هناك ازداد صعوبة عام 2016 عما كان عليه في العام الذي سبقه. كما ذكرت غرفة التجارة الأمريكية في عام 2017 أن أكثر من ثلاثة أرباع الشركات الأعضاء فيها شعرت بقدر أقل من الترحيب في الصين. ويضع مؤشر البنك الدولي الخاص تيسير ممارسة الأعمال الصين في المرتبة 78 من بين 183 بلداً، بينما تضعها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في المرتبة الرابعة بين 62 بلداً جرى تقييمها بشأن القيود المفروضة على الاستثمار الأجنبي.وتأتي التكنولوجيا في مقدمة عوامل الدفع التي عززت هذا الشعور غير الإيجابي. ففي عام 2015، أعلنت الصين عن إطلاق برنامج «صنع في الصين 2025»، الذي يستهدف إحراز حصص أكبر من السوق العالمية في 10 قطاعات عالمية. إلا أن البرنامج في الأساس هو مشروع وطني صرف يهدف إلى تعزيز «الابتكار المحلي» والاعتماد على الذات في صنع التقنيات الأساسية.وتسبب صعود الصين سلم التكنولوجيا في دخولها في منافسة مباشرة مع الشركات الأمريكية والأوروبية. كما أنها أبرمت صفقات الاستحواذ الضخمة مع شركات رائدة ذات علامات تجارية مرموقة في قطاع التكنولوجيا في الأسواق الأمريكية والأوروبية. ففي عام 2016 زاد الاستثمار الصيني في الاتحاد الأوروبي بنسبة 77 في المئة ليصل إلى 35 مليار يورو، في حين انخفض استثمار الشركات الأوروبية في الصين بنسبة 23 في المئة إلى 8 مليارات يورو، واستمر في الانخفاض هذا العام.وترى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أن الدعم الحكومي غير المشروع والتمويل الحكومي المجاني والسياسات التي تصب في صالح الشركات المملوكة للدولة ساهمت كلها في زيادة الطاقة الإنتاجية للصناعات الصينية التي تغرق بها الأسواق العالمية خاصة الصلب الرخيص والألومنيوم.ورغم إمكانية تسوية هذه الخلافات إلا أن مسعى التحالف الثلاثي الجديد لِلجْم الأنشطة الصينية لن يحافه النجاح. فكل القضايا التي حددتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي واليابان هي من صلب سياسات الحزب الحاكم في بكين وهي صور يومية لاقتصاد سياسي لا تعتزم الصين التراجع عنه.
مشاركة :