القاهرة - وكالات: قادت سياسات المملكة العربية السعودية مع وصول ولي العهد محمد بن سلمان للسلطة، إلى إدخال الرياض في عزلة إقليمية، وعلاقات يشوبها الحذر مع دول عربية وإقليمية، وأثرت تلك السياسات في النهاية على صورة السعودية ومكانتها لدى الرأي العام العربي. ويسرد الكاتب والمحلل السياسي الحاصل على ماجستير العلوم السياسية من الجامعة الأمريكية بالقاهرة، مصطفى سلامة، أبرز ملامح سياسات السعودية التي قادها بن سلمان، وكيف انعكست سلباً على المملكة، بحسب مقال نشره في موقع «ميدل إيست آي» البريطاني، ويعد ولي العهد السعودي محمد بن سلمان صاحب معظم القرارات الكبرى التي تتخذها المملكة. ويُتهم في بعض الأوساط بكونه مغامراً ومتهوراً فيما يتعلق بتوجهات السياسة الخارجية التي يتبناها في اليمن ولبنان، وكذلك في الأزمة مع دولة قطر المجاورة، بحسب صحيفة «واشنطن بوست». وقال الكاتب في مقاله التحليلي إن طريقة إدارة السعودية للأزمة مع قطر تسببت بسياسات حملت طابع الاستعداء لتركيا، هذه الدولة التي كانت حريصةً على الحفاظ على علاقاتٍ إيجابية مع المملكة. وبحسب كاتب المقال في الصحيفة البريطانية، فإن المملكة لم تُظهر في النهاية اكتراثاً بهذا النهج على المستوى الدبلوماسي، خاصةً بعد وقوف تركيا بحزمٍ إلى جانب قطر وإرسال قواتٍ إلى الدوحة، بعد الأزمة الدبلوماسية التي تعصف بالخليج منذ يونيو الماضي، وعندما قرَّرت كلٌ من السعودية والإمارات والبحرين قطع علاقاتها مع قطر وحاصرتها عملياً. ويشير سلامة إلى أنها عملت منذ البداية للبقاء على مسافةٍ متساوية من كل الأطراف المعنية بالأزمة، وأكَّدت مراراً على الحاجة للحوار ودعمت جهود الوساطة الكويتية. وفي قمة منظمة التعاون الإسلامي التي استضافتها إسطنبول بعد قرار الرئيس الأمريكي ترامب الاعتراف بالقدس «عاصمة لإسرائيل»، كان التمثيل الدبلوماسي في القمة منخفض المستوى وهو ما اعتبره المحلل سلامة خروجاً آخر عن التضامن الإقليمي، وعكس كذلك انحيازاً أقرب إلى الولايات المتحدة وإسرائيل في المنطقة، وهو ما يضع السعودية في الجهة الأخرى المقابلة لتركيا، التي تسعى إلى القيادة الدينية للعالم الإسلامي. وخلال أزمتها مع قطر، بدت السعودية عازمة على التعامل بمنطق «الدبلوماسية القسرية»، لكن ذلك دق ناقوس الخطر للدول القريبة منها. ويذكر كاتب المقال أنه على سبيل المثال، بدأت الكويت، التي توتَّرت علاقاتها مع إيران وطردت سفيرها في منتصف 2017، في تعزيز علاقاتٍ أوثق مع تركيا، بما في ذلك نوايا لتعزيز التعاون العسكري. وأضاف أن أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح شعر بالقلق من السياسة الخارجية للسعودية، وهو ما يُفسِّر سرعة تقاربه مع تركيا. وجاءت أكثر تصرُّفات القيادة السعودية غير المسؤولة -بحسب الكاتب سلامة- بإرغام رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري على الاستقالة، واحتجازه عملياً ضد رغبته في الرياض. لكن ذلك وحد النخبة السياسية والجماهير اللبنانية ضد السعودية بطريقة لم يسبق لها مثيل في تاريخ العلاقات بين البلدين. وفي ظل الحملة التي شنها بن سلمان على أمراء ووزراء سابقين ورجال أعمال بارزين أبرزهم الوليد بن طلال احتجزت السعودية الملياردير الأردني صبيح المصري كجزءٍ من «تحقيق فساد» للضغط على الأردن من أجل قبول إعلان ترامب بشأن القدس، وللتأثير على موقف عمان من حضور منظمة المؤتمر الإسلامي في إسطنبول، والتي حضرها في النهاية العاهل الأردني عبد الله الثاني رغم مطالبته بقوة لمقاطعتها، بحسب ما ذكرته «ميدل إيست آي». ونتيجة لذلك، توقع الكاتب سلامة أن يتحرك الأردن بعيداً عن السعودية، وأن يتقارب مع تركيا ومن المحتمل جداً مع إيران. وفي مقال نشرته صحيفة «واشنطن بوست» لـ مارك لينش، أستاذ العلوم السياسية والشؤون الدولية في جامعة جورج واشنطن الأمريكية، أشارت فيه إلى فشل سياسات ولي العهد، وذكرت أن الحريري عدل عن استقالته رغم ضغوط المملكة عليه، والحوثيون استمروا في إطلاق الصواريخ، كما أن الحملة التي قادها بن سلمان بدعوى مواجهة الفساد، أصبح يُنظر لها على أنها مسعى من ولي العهد لتوطيد حكمه قبل استلامه السلطة خلفاً لوالده الملك سلمان. واعتبرت الصحيفة أن مناورات السياسة الخارجية للسعودية مثل التدخل في اليمن والحصار المفروض على قطر، تحولت إلى مستنقعاتٍ مُدمِّرة للمملكة. إلى جانب الحذر الذي بات يشوب العلاقات الرسمية بين المملكة ودول عربية وإقليمية، إلا أن البارز تقويض المملكة لصورتها لدى الرأي العام العربي، وفي هذا السياق، قال المحلل سلامة: «إلى جانب مساهمتها في الوضع الإنساني الكارثي المستمر في اليمن، يجري التعبير عن مظاهر عدم احترام القيادة السعودية في مختلف أرجاء المنطقة». وفي حادثة كادت تشعل أزمة دبلوماسية بين الجزائر والسعودية، رفع مشجعو كرة قدم جزائريون صورة للملك سلمان وترامب باعتبارهما «وجهين لعملةٍ واحدة» في مسألة القدس. وأثناء تظاهراتٍ في قطاع غزة ضد إعلان ترامب بشأن القدس، أحرق محتجون فلسطينيون صور ترامب والملك سلمان ونجله ولي العهد.ويلفت كاتب المقال إلى أنه إلى جانب تأزم علاقاتها الخارجية، «سيكون على السعودية التي تواجه بالفعل أزمةً داخلية، التعامل مع مشكلةٍ أخرى، وهي الشعور المتنامي بانعدام الأمن في ظل إمكانية انفجار الصواريخ من جديد فوق الرياض على مرأى ومسمع الجميع». وأضاف أن «السياسات السعودية الإقليمية فشلت فشلاً ذريعاً وتركت المملكة معزولة. وإذا ما استمرت في نفس الاتجاه، ستصبح أكثر عزلة».
مشاركة :