بعدما بدأ العد العكسي للضربة العسكرية المرتقبة ضد سوريا، التي بات من الممكن أن تقع في أي لحظة، فإن هناك سؤالين أصبحا متداولين في أوساط كثيرة في مقدمتها الأوساط الغربية المعنية المتابعة أولهما: على ماذا اعتمد الرئيس السوري يا ترى حتى يلجأ إلى استخدام السلاح الكيماوي ضد شعب من المفترض أنه شعبه وفي دمشق العاصمة نفسها وبينما هو يعرف معرفة أكيدة أن كل شيء في هذا البلد قد وضع تحت المراقبة الحثيثة منذ انفجار هذه الأحداث المدمرة قبل عامين ونصف وأن الأقمار الصناعية التي تملأ السماء السورية تتابع كل صغيرة وكبيرة وبخاصة بالنسبة لمخازن السلاح الكيماوي المعروفة والمحددة بدقة كاملة؟ إن هذا هو السؤال الأول، أما السؤال الثاني فهو: ما مصير بشار الأسد يا ترى بعد هذه الضربة التي ستكون ساحقة وماحقة والتي ستشتت ما بقي من الجيش السوري من شراذم طائفية والتي وفقا لتجارب التاريخ ستبرز البديل «الانتهازي» من بين رموز وأقطاب هذا النظام نفسه فالمعروف أنه عندما تبدأ السفينة بالغرق فإن كثيرين من بحارتها يبادرون إلى التخلي عن «قبطانهم» ويبدأون بالهرب لإنقاذ أرواحهم وإنقاذ مستقبلهم، وحقيقة أنه إذا تمت هذه الضربة، وهي قد تتم قبل أن يصدر عدد «الشرق الأوسط» الذي سينشر هذا المقال، فإن الكثير من المحيطين ببشار الأسد ومن كبار ضباط الطائفة العلوية سوف يتخلون عنه وسوف يتآمرون عليه خاصة أنهم بالأساس غير مقتنعين لا به ولا بقيادته وأن بعضهم يرون أنهم الأحق في موقع الرئاسة الذي وصل إليه تحاشيا لصدام كان سيقع حتما بن كبار أقطاب هذه الطائفة من حملة أعلى الرتب العسكرية. ذكر دبلوماسي عربي مخضرم شغل موقع رئيس الوزراء في بلده مرات عدة أنه انتحى بوزير الدفاع السوري الأسبق مصطفى طلاس في حفل تنصيب بشار الأسد رئيسا للجمهورية جانبا وسأله عن أسباب اختيار هذا الفتى الصغير العديم الخبرة والكفاءة لهذا المنصب الخطير في بلد الانقلابات العسكرية وبلد الأمزجة السياسية المتقلبة وكان الجواب، أي جواب مصطفى طلاس، أن هذا الاختيار كان للهروب من مواجهة كانت تبدو حتمية بين كبار الجنرالات العلويين الذين تدافعوا نحو القصر الجمهوري بأوسمتهم وأسلحتهم ونياشينهم ورتبهم العسكرية بمجرد معرفتهم بوفاة حافظ الأسد. وذكر مسؤول سوري سابق كان أحد كبار البعثيين الذين حضروا اجتماع القيادة القطرية، التي كانت رشحت بشار الأسد لمنصب رئيس الجمهورية خلفا لوالده وفقا للدستور السوري المعمول به في ذلك الحين والآن، أن محمد ناصيف خير بك، الذي كان لاعبا رئيسا في الحياة السياسية السورية في تلك الفترة وفي هذه الفترة، قد لاحظ امتعاضا لدى عبد الحليم خدام مما كان يجري فبعث إليه بورقة صغيرة تضمنت: عليك أن تدرك معنى أن الدبابات تطوق مبنى القيادة من كل جانب وأن تتصرف على هذا الأساس. وتجدر الإشارة الى أن «العلويين»، كمجموعات عشائرية وكقيادات حزبية وعسكرية سابقة، لم يكونوا مجمعين لا على رئاسة بشار الأسد لسوريا ولا على زعامة عائلته قبل أن يحدث في هذا البلد ما حدث بدءا بمارس (آذار) عام 2011 وقبل أن يتم إشعار هؤلاء جميعا بأنهم أصبحوا مع هذا الرئيس ومع هذه العائلة في مركب واحد وأنه عليهم أن يتخلوا عن تعارضاتهم وأيضا تناقضاتهم مع هذا النظام حماية لهم ولطائفتهم من مصير كان أجدادهم قد جربوه في مراحل سابقة صعبة أسوأها المرحلة العثمانية. وهنا فإن الخطأ الفادح الذي ارتكبته المعارضة السورية هو أنها لم تمنع التنظيمات المتطرفة كجبهة «النصرة» وغيرها من العمل في ساحتها وأنها، أي المعارضة، وهي تعرف أن هذه التنظيمات غير بعيدة عن تأثيرات مخابرات بشار الأسد وأجهزته الأمنية لم تدخل معها في مواجهة مبكرة لتحول دون التهديدات الرعناء التي دأبت على إطلاقها وبخاصة في السنة الأخيرة ضد الطائفة العلوية وضد الطوائف الأخرى مثل المسيحيين والدروز والإسماعيليين والشيعة. في كل حال وعودة إلى السؤال الآنف الذكر فإنه غير صحيح على الإطلاق أن الضربة التي قد لا تميت بشار الأسد سوف «تقويه» إذ بالإضافة إلى أن المتوقع أن هذه الضربة المتوقعة ستكون ساحقة ماحقة فإن المتوقع أنها ستنعش أطماع وطموحات الكثير من كبار جنرالات هذا النظام وكبار رموزه باغتنام الفرصة التي قد تكون سانحة لرفع شعار «الخلاص» وتجنيب الطائفة العلوية مذبحة كالمذابح التي تعرضت لها عبر تاريخ سابق طويل بالهيمنة على الحكم والدخول مباشرة في مساومة إنقاذية مع الولايات المتحدة والتحالف الغربي ومع المعارضة السورية التي من المتوقع أنها لن ترفض مثل هذه المساومة الإنقاذية حفاظا على وحدة البلاد وتجنبا لأي محاولات ثأرية إن هي حصلت فإنها ستؤدي حتما إلى نتائج مأساوية. إن هذا فيما يتعلق بالسؤال الثاني الذي هو ما مصير بشار الأسد؟ وما مصير نظامه يا ترى بعد الضربة العسكرية المتوقعة التي يرى البعض أن هدفها السياسي سيكون إحداث خلل في معادلة موازين القوى يلزم الرئيس السوري بتقديم تنازلات فعلية لإنجاز الحل المنشود في «جنيف 2»؟ أما فيما يتعلق بالسؤال الذي سبقه، وهو السؤال المتعلق باللجوء إلى استخدام السلاح الكيماوي مع أن المعروف أن سوريا بقيت تخضع وعلى مدى عامين لمراقبة جوية حثيثة وأن الأقمار الصناعية الغربية دأبت وخلال كل هذه الفترة على مراقبة كل شيء في الأرض السورية. يقال هنا إن ثقة الرئيس السوري الزائدة عن اللزوم بالروس والإيرانيين قد دفعته إلى الذهاب بعيدا في سياسة ما يسمى: «حافة الهاوية» وإن الإنجازات «الوهمية» التي حققها في القصير وفي حمص وفي بعض المواقع الأخرى بمشاركة ميليشيات حزب الله وميليشيات ما يسمى: «لواء أبو الفضل العباس» وبمشاركة إيرانية لا يمكن إنكارها قد شجعته على اللجوء إلى استخدام الأسلحة الكيماوية لاستعادة ما كان خسره من مواقع استراتيجية وحساسة في ضواحي دمشق قبل انعقاد مؤتمر «جنيف 2» الذي كان الأمين العام للأمم المتحدة قد طلب قبل أيام قليلة من الأخضر الإبراهيمي ومن مساعده ناصر القدوة إقفال مكتب الممثل المشترك للجامعة العربية والأمم المتحدة في القاهرة والانتقال إلى جنيف للإعداد جديا لهذا المؤتمر. كان الرئيس السوري يعتقد أن الأمور ستتم بسهولة وعلى غرار استخدام السلاح الكيماوي في مناطق متعددة في مرات سابقة وكان يعتقد أيضا أنه بالألاعيب والمناورات وبدعم الروس والإيرانيين سينجح في هذه المحاولة كما نجح في كل المحاولات التي سبقتها وكان يظن أن الرئيس الأميركي باراك أوباما أعجز من أن يتخلى عن تردده المستمر منذ بداية هذه الأزمة وأن الولايات المتحدة قد تلجأ إلى التهديد والوعيد على غرار ما بقيت تفعله على مدى عامين ونصف العام لكنها لن تفعل شيئا وأن الأمور ستمضي بسهولة وأنه سيذهب إلى «جنيف 2» بأوراق رابحة جديدة. لكن وخلافا لهذا كله فإن هناك من يقول: بل إن هذا الرجل الذي أصبح يعيش في واد والواقع يعيش في واد آخر وقع ضحية بعض المحيطين به الذين أقدموا على فعلتهم هذه دون معرفته وعلمه ليورطوه في جريمة إنسانية كهذه الجريمة ليتخلصوا منه ولينقذوا هذا النظام الذي يعتبرونه نظامهم أكثر من أن يكون نظامه وليتفاهموا مع الأميركيين ومع الغرب عموما على طبيعة المرحلة الانتقالية التي يجري الحديث عنها وعلى حكومة الوحدة الوطنية المطروحة في إطار «جنيف 2». إن هذا هو ما يقال لكن ولأنه ليس كل ما يقال يجب أن يحدث فإنه علينا أن ننتظر الضربة العسكرية التي غدت متوقعة في أي لحظة والتي هي بالتأكيد ستغير اتجاه الأحداث في سوريا وقد تؤدي إلى رحيل الأسد ونظامه والتي ستؤدي أيضا إلى تغييرات كثيرة في هذه المنطقة وإلى استبدال المعادلة الدولية السائدة الآن بمعادلة دولية جديدة سيكون الرقم الروسي فيها ليس كما بقيت موسكو تسعى إليه في الفترة الأخيرة.
مشاركة :