أسهمت التطورات التي حصلت في الحقول كافة، وما يشمل الحقل القانوني، بعد بزوغ ظاهرة العولمة بحسناتها وسيئاتها في إحداث تغييرات جوهرية في الفكر القانوني في العالم الغربي بشكل عام، والنامي بشكل خاص، أهمها التوجه العالمي الواسع نحو الدمقرطة، واستئناف الاهتمام بسيادة القانون، وتقوية القضاء. ومعلوم بالضرورة أن الحقل القانوني يشمل كلَّ من يعمل في الوظيفة القانونية، من مهنيين وقضاة وأكاديميين، إضافة إلى كونه يشمل طاقم المؤسسات، وأصحاب الخبرة والمتدربين، ممن لهم علاقة مباشرة بهذا الحقل. وأسهمت العولمة، وفقاً لبعض المختصين، في التأثير على الحقل القانوني في معظم دول العالم عموماً، وفي الدول النامية خصوصاً، ما يشمل الدول العربية، حيث أصبح ذلك الحقل أكثر عالمية وأشمل تخصصية. إضافة إلى أنها -أي العولمة- أثرت بشكل كبير ومباشر في صناعة القانون في معظم تلك الدول، وأثرت كذلك في الثقافة القانونية، وفي التشريع القانوني شكلاً ومضموناً. وشمل تأثير العولمة فروع كل من القانون العام والقانون الخاص، وإن كانت أوضح أثراً في حقل التجارة الدولية، والتحكيم التجاري الدولي، كون أن المعاملات التجارية تعتمد على السرعة في انعقادها وفض المنازعات الناشئة عنها، ما استلزم العمل على تحديث قوانين التجارة الدولية، وتبنِّي التحكيم التجاري كوسيلة لفضِّ تلك المنازعات، خصوصاً الدولية منها، حتى أصبح التحكيم ضرورةً من الضرورات الحضارية للتعامل بين الأفراد والدول، وأداة للتنمية والازدهار، ووسيلة لتشجيع الاستثمار. وقامت معظم دول العالم بإصدار قوانين جديدة تُعنى بمسائل التجارة الدولية، ما يشمل الإلكترونية، والتحكيم أيضاً، ما عكس بشكل مباشر وصريح تأثر تلك الدول بظاهرة العولمة وآليات عملها. وفي الواقع العملي، يلاحظ أن الفكر القانوني في العالم العربي لا يزال يراوح مكانه، في حين أنه يتقدم بشكل كبير في العالم الغربي الحر. وانعكس ذلك -إن بشكل مباشر أو غير مباشر- على القطاع الأكاديمي، الذي يُفترض فيه أن يكون مرتكزاً لتطور القطاعات القانونية الأخرى. ومردّ ذلك -حسب رأيي المتواضع- إلى غياب الاستراتيجيات الواضحة، والهادفة إلى تطوير الحقل القانوني بشكل عام، والقانوني الأكاديمي بشكل خاص، بسبب تبنِّي أساليب تقليدية في التعليم الجامعي، تعتمد بشكل رئيسي على التدريس التلقيني، عوضاً عن اعتماد أساليب أكثر حداثة، من شأنها تطوير ملكات البحث والتحليل والتفكير النقدي لدى الطلاب والطالبات. وذلك يُبرِّر ضعف مستوى الطلبة في معظم كليات القانون في العالم العربي، مع الاحترام، باستثناء بعض الكليات التي تعتمد على أساليب عصرية في التعليم، ترفع من مستوى الدارسين والدارسات، أسوة بنظرائهم في العالم الغربي. بناءً على ما سبق، لا بد من العمل على إيجاد إطار قانوني نظري وعملي مرن في العالم العربي، قادر على تأمين أقصى قدر ممكن من استثمار الطاقات، دون انغلاقها على العالم الخارجي، على أن تتم العملية بشكل متوازن، دون تهميش العامل المحلي على حساب الخارجي، وبالعكس، وذلك حتى يكون للفكر القانوني مدلولاته ومغزاه على صعيد الواقع التنموي المعاش في العالم العربي بشكل خاص، وفي الدول النامية بشكل عام. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
مشاركة :