في خضم السباق نحو سدّ النقص المزمن والعالمي في عدد المعلّمين، يقوم عدد كبير من البلدان بالتخلّي عن بعض المعايير وبتقويض التقدّم من خلال توظيف أشخاص مدربين تدريبا غير كاف أو غير مدرّبين على الإطلاق، وفق ما خلُصَت إليه وثيقة جديدة بشأن السياسات أصدرتها اليونسكو في مناسبة اليوم العالمي للمعلّمين 2014. والوثيقة التي أعدّها معهد اليونسكو للإحصاء والفريق المعني بإعداد التقرير العالمي لرصد التعليم للجميع تُظهر أنّ 93 بلدا على الأقل يعاني من نقص حادّ في عدد المعلّمين، ويحتاج إلى تعيين حوالى 4 ملايين معلّم لتحقيق تعميم التعليم الابتدائي بحلول عام 2015. وإذا جرى تمديد المهلة حتّى عام 2030، سوف نحتاج إلى تعيين أكثر من 27 مليون معلّم إضافي، وسيتوجّب على 24 مليون منهم التعويض عن الاستنزاف الحاصل في هذا المجال، بحسب ما تشير إليه بيانات معهد اليونسكو للإحصاء، لكن، وفقا للمعدّلات الحالية، لن يتمكن 28 (أو 30) في المئة من البلدان ال 93 المذكورة أعلاه من تلبية هذه الاحتياجات. وتعاني منطقة أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى من النقص الأكبر في عدد المعلّمين، إذ تحتاج إلى ثلثي المعلّمين الجدد الضروري توفيرهم بحلول عام 2030. ويفضي النمو المطرد في عدد السكان الذين هم في عمر المدرسة إلى تفاقم هذه المشكلة. وقالت إيرينا بوكوفا، المديرة العامة لليونسكو: "إنّ تعميم التعليم الابتدائي ذي النوعية الجيدة سيظل حلما بعيد المنال بالنسبة إلى ملايين الأطفال الذين يعيشون في بلدان لا تملك ما يكفي من المعلّمين المؤهلين داخل الصفوف. والمعلّمون هم جوهر أي نظام تعليمي. وتعيين وتدريب معلّمين جدد أو قدامى مسألة في غاية الأهمية لحماية قدرة الأطفال على التعلّم في المدرسة". وفي ظل الضغوطات التي يفرضها سدّ النقص في عدد المعلّمين، يقوم عدد كبير من البلدان بتعيين معلّمين يفتقرون إلى التدريب الأساسي، وتفيد بيانات معهد اليونسكو للإحصاء بأنّ نسبة معلّمي المدارس الابتدائية المؤهلين وفقا للمعايير الوطنية كانت أدنى من 75 في المئة في عام 2012، وذلك في ثلث البلدان التي تتوفر بيانات بشأنها. وتنخفض هذه النسبة، في أنغولا، وبنين، وجنوب السودان، والسنغال، وغينيا الاستوائية، وغينيا - بيساو، إلى أقل من 50 في المئة. ونتيجة لذلك، يشير التقرير العالمي لرصد التعليم للجميع إلى أنّ تحدي تدريب المعلّمين الموجودين أكبر من تحدي تعيين معلّمين جدد في حوالي ثلث البلدان الواقعة في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. وقال هارون بينافو، مدير الفريق المعني بإعداد التقرير العالمي لرصد التعليم للجميع، إنّ "وضع معلّمين يتمتعون بنوايا حسنة في صفوف كبيرة الحجم وإطلاق صفة المعلّمين عليهم لن يفضي إلى تحقيق طموحاتنا الرامية إلى إلحاق جميع الأطفال في المدرسة وتوفير التعلّم لهم. وقد قمنا بوضع حقيبة أدوات دعم ومناصرة للمعلّمين ليساعدونا في إحالة هذه الرسائل إلى حكوماتهم. فالمعلّمون قادرون أكثر من أي شخص آخر على تبيان كيف أنّ النقص في عدد المعلّمين وغياب التدريب يجعلان من المستحيل تقريبا توفير تعليم ذي نوعية جيدة". وعلى البلدان أن تحرص على أن يكون جميع المرشحين الجدد لتبوّء مناصب تعليمية قد أكملوا التعليم الثانوي على أقل تقدير. ولكنّ التقرير العالمي لرصد التعليم للجميع يظهر أنّ عدد أولئك الذين يتمتعون بهذه المؤهلات ضئيل: فسيتوجّب على 8 بلدان في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى تعيين 5 في المئة من خريجي مدارسها الثانوية على الأقل في القوة التعليميّة بحلول عام 2020. وستحتاج النيجر إلى تعيين 30 في المئة من خريجي مدارسها الثانوية في القوة التعليميّة. وفي أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، سوف تصل تكاليف تسديد أجور المعلّمين الإضافيين الذين يتعيّن توفيرهم بحلول عام 2020 إلى 5.2 مليارات دولار أمريكي إضافي في السنة، وفقا لتوقّعات معهد اليونسكو للإحصاء، وذلك قبل احتساب التدريب، والمواد التعلّمية، والمباني المدرسية. وسوف تحتاج نيجيريا وحدها، إذ تضم العدد الأكبر من الأطفال غير الملتحقين بالمدرسة في العالم، إلى تخصيص مبلغ 1.8 مليار دولار أمريكي إضافي في السنة لهذه الغاية. وقال هندريك فان دير بول، مدير معهد اليونسكو للإحصاء: "يكمن الخبر السار في أنّ أغلبية البلدان ستكون قادرة على تحمّل تكاليف تعيين معلّمين إضافيين إذا استمرّت في زيادة الاستثمارات في التعليم على نحو مطرد. فخلال العقد الماضي، شهدت الميزانيات المخصصة للتعليم عبر أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى نموا بنسبة 7 في المئة من حيث القيمة الحقيقية، الأمر الذي عكس الالتزام بتوفير المزيد من المعلّمين والأطفال في الصفوف. إلاّ أنّ أربعة بلدان سوف تحتاج إلى زيادة ميزانياتها المخصصة للتعليم زيادة هامة إذا أرادت تغطية التكاليف ذات الصلة، وهي: تشاد، وجمهورية أفريقيا الوسطى، ومالي، وملاوي. وسوف تحتاج كل هذه البلدان إلى تغطية تكاليف تدريب المعلّمين الجدد أيضا".
مشاركة :