هل هي مباراة نتابعها على الشاشة الكبيرة؟

  • 10/5/2014
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

سيقول قائل: كيف سيكون العيد والمسلم يقتل المسلم؟ حالة الصراع والتناحر تمرّ في وجدان الجميع فتنتقص من رونق المناسبة الإسلامية الرائعة، ومن انصياع الحجاج طاعة لربهم بأن يحجوا لبيته الحرام. والعيد ليس عيدية وحلويات وتبادل زيارات، فكلها معان تعكس تماسك الأمة وتقاربها على مستوى ارتباط الفرد بأسرته، والأسرة بمجتمعها المحيط، وهكذا ليصل الأمر أن الأمة برمتها تجتمع على الاحتفال سوياً بالعيد. ما الذي نراه من معاني العيد؟ فيما القلوب تتجه بفرح ورجاء لمكة وتنظر لمن فاز من المسلمين بفضيلة الحج، نجد قلوباً تركت كل ذلك واتخذت من القتل والعراك باسم الإسلام مركباً! وبمجرد انقسام القلوب لهذه الصورة انقساما وتشظيا في يوم العيد، أي في يوم كان حريا بكل منا أن يترك مشاغله الحياتية ويتجه للمشاركة في مناسبة تبعث على الفرح وترسل الرسالة الجلية لأي متربص أننا أمة ملتمة ملتئمة متماسكة، وبالقطع فالصورة الحالية داكنة وخطوط الانقسام تقطع معانيها في كل زاوية. وفي هذا العيد أخذت أتمعن في عبارات المعايدة التي تقال وتردد في مثل هذه المناسبة، فوجدت بعضها تقليديا؛ كرر اليوم كما سبق أن كرر لسنوات خلت، «كل عام وأنتم بخير»، وهذا لا يفقد العبارة رونقها، بل عند التمعن ستجد فيها روح الاستمرارية والعناد والثقة بالله سبحانه بأن الأمور إلى خير، وبعض تلك العبارات كذلك معتادة لكنها قصيرة، مثل «عيدكم مبارك». وبعضها جميل رشيق يتمحور حول عظمة هذه الأيام وبركتها، مثل «أسأل الله سبحانه أن يكتب لنا في هذه الأيام المباركة مغفرة ورحمة وقبولاً ورزقاً حسناً، وأن يجعلنا جميعاً لبنة في صرح المحبة والطاعة». وهناك من أرسل لي رسالة مؤثرة بالأمس تقول: «مع شديد الاعتذار لن أعيد ولن أعايد في هذا العيد، تضامناً مع كل المحرومين والمفقودين والمختطفين والمشردين، ومع كل الذين لا يملكون مسكنا وملبسا ومأكلا، ومع المنتظرين عودة أبنائهم وإخوانهم وآبائهم. كيف أبتسم والناس تقتل بعضها البعض، وتكفر بعضها البعض وكأنهم أخذوا وكالة عن الخالق عز وجل؟!» وما أسرع ما أتى رد على تلك العبارة المؤثرة من أحدهم: «ولا بد للحياة أن تستمر». وفي ذات السياق، وقبلها بساعات، غَرّدّ الإعلامي جمال خاشقجي بأنه حتى قبل ألف عام قتل المسلمُ المسلمَ في يوم التروية، وجلب لنا وقائع موقعة «فخ» بالقرب من مكة، تقرأ التفاصيل فتتألم لحالنا تلك الأيام وهذه الأيام. وبالقطع، فليس في تكرار القتل وانتهاك هيبة المكان والزمان ما يهدئ الروع، بل ما يدمي القلب هو تكرار المآسي دون أن نعتبر. وكما تتفاوت طرق تعبيرنا وتفاعلنا بما يدور من حولنا من تقاتل في هذه الأيام المباركة، التي تتجسد في الحج، طاعة لله سبحانه وتعالى، كذلك تتفاوت الأفهام؛ فهناك من يرى أنها مناسبة أسرية لا تتجاوز محيطه الضيق ولا تبرحه، وإن برحته فليس بأكثر من التلهف لانتظار عودة أقاربه من الحجاج، وبالمقابل هناك من يراها مناسبة إسلامية، حلت بنا والأمة في تفكك واختلاف، فيألم لذلك. وإن كان لمتأمل أن يفطن للمعاني التي يجلبها اجتماع الحجيج على صعيد واحد لاستوعب المعاني العميقة لديننا الحنيف، ولخجل من أن يرفع السلاح في وجه أخيه في هذه الأيام التي خص الله عُبّادهُ فيها بالأجر العظيم، ولانقطع كل منهم يسعى للاستزادة من الطاعات ما دام الهدف الأعلى هو مرضاة الله سبحانه، لكننا جميعاً نشهد ما يدور من تقتيل ودمار وقد طال أمدهما، فيما تقف الأمة مفككة حلقاتها غير قادرة على مواساة جراحها وجمع ما انكسر وما أهدر، وكلٌ يشير للآخر مخطئاً في شَغَب لا يليق بالعيد، بل لا يليق أن يحدث بين المسلمين في أيامٍ يجلونها. وسبق أن ذكرت لكم في هذا الحيز، أن من جَرّب الحرب ممن تقدم من العرب، حتى قبل الإسلام، وصفوا ألمها وأفاعيلها، وبينوا كذلك إلى ما تنتهي إليه عادة، وتختلف الحروب في أسبابها وبواعثها، لكنها تتفق في الدمار والسفك وغياب القانون، وتنتهي وقد أنهكت وقتلت ودمرت، ولا تغادر قوماً حتى تعود بهم سنيناً طويلة، وهذا ما نشاهده في الجبهات المشتعلة من حولنا. ماذا يعني كل هذا، يعني الكثير من الألم، ووسط المآسي تخرج لنا معان عميقة أنه مخطئ من يصفق للقتل والعنف بين الإخوة فيما هو يرتشف القهوة ويأكل المعمول ويحرق الأخضر واليابس كُرهاً من مقعده الوثير في غرفة مكيفة وقبالته شاشة كبيرة تبث له الآلام يتابعها بذات حماس متابعة كرة القدم، ويصفق ويرقص ابتهاجاً عندما يسجل فريقه هدفاً، لكن ما يصفق ويرقص فرحاً به ليس هدفا في مرمى بل أرواح تذهب وأموال تهدر، لفريقين ما كان لهما أن يدخلا «مباريات» من هذا النوع من الأساس.

مشاركة :