مثلما جرى حرق البشر والشجر والحجر لأجل بقاء الرئيس، كذلك جرى ويجري حرق وتدمير المفاهيم، حيث يصير الاحتلال الروسي في سورية مجرد تدخل عسكري، ثم يتحول المحتل إلى راع لعملية السلام، وبدل جنيف والقرارات الدولية صارت عندنا آستانة وسوتشي المقبلة. النشرات العسكرية والسياسية التابعة للإدارتين الروسية والإيرانية (وسائل إعلامهم) تكبّر من الصور ما تشاء وتصغّر ما تشاء، بينما تلعب "قناة الجزيرة" لعبتها الدائمة فتقفز على جميع حبال السياسة من دون أن تنسى رعايتها للحالة الإخوانية في سورية. المحتل الروسي ومعه بقية المحتلين يدعون الحياد والموضوعية إعلامياً وسياسياً بينما يجري بالفعل حرق المفاهيم والبشر وأعمارهم. مأسوية الواقع السوري وكارثيته تجعلان وسائل التواصل الاجتماعي عند السوريين تتحول إلى ساحة للتنابذ والعداء السياسي. أصوات فكرية تتعالى من أجل رثاء الربيع العربي وطبعاً ضمنه الربيع السوري، وتتحول كامل الثورة السورية إلى توسلات دولية لإدخال شحنة مساعدات غذائية. الثورة السورية جرى اختزالها وتصغيرها من خلال التنظيمات المتطرفة التي ظهرت وسيطرت بحكم الدعم الهائل من دول معروفة، ولولا الدعم العسكري والأمني والسياسي لهذه التنظيمات لما كان من السهل القضاء على معظمها بنفس سرعة تشكلها. وهذا بينما جرى تصغير الجيش الحر واحتجاز معظم الضباط السوريين المنشقين في دول الجوار في معسكرات تماثل إلى حد ما الإقامة الجبرية. ملفات هائلة المعنى، منها ملف القصف بالأسلحة الكيماوية وملف سيزر وملف محرقة سجن صيدنايا، كلها تنهض إعلامياً لفترة معينة، وبعد أيام تعود للانطفاء وكأن آلاف الأرواح السورية عبارة عن ورقة لعب في طاولات القمار الدولية. ملايين الدولارات سُرقت من قبل سوريين "ناشطين" بحجة الإغاثة والدعم الإنساني، يجري الصمت عنها، بينما يتابع السارقون ترويج شعاراتهم. بلدٌ بكامله يجري تدميره من قبل رئيس رفض التزحزح قيد شعرة عن كرسيه، ويريد المُدمر القاتل نفسه ومعه المُحتل نفسه إعادة إعمار البلد. لعبٌ وتلاعب إعلامي وسياسي في كل شيء، وهو يشبه التلاعب الذي حدث في صياغة دستور 2012 حيث صيغ كامل الدستور على مقاس بشار الأسد وكان أكثر من سبعين في المئة من مواده هي صلاحيات للرئيس، والآن يريد الروس تسويق الدستور الروسي عبر مؤتمر سوتشي، ليحل محل بلد بلا دستور منذ 1963. لا توجد مسخرة سياسية تعلو ما يحدث. لقد كتب محمد الماغوط مرة عن الدستور الذي أكله الحمار، وضحك كثيرون. أما الآن فالسوريون بات نصفهم في بلاد اللجوء والنزوح، ولا يزال يطل علينا وجه بوتين البارد كالموت ليقول بأن مؤتمر سوتشي هو من أجل الحوار السوري- السوري. وسط هذا الهراء السياسي العالمي لا يصح سوى الضحك، الضحك من كل شيء. * كاتب سوري
مشاركة :