هل ندافع عن القدس أم نُبرئ ذمتنا؟

  • 1/1/2018
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

ربما ما نتخيله من أحداث المستقبل من محاسبات دنيوية من التاريخ وكتابه، أو الأجيال القادمة وقسوتها في إصدار الأحكام على سالفيهم، أو المُخيف الأكبر وهو حساب الأبناء لآبائهم عن سلبياتهم، كل هذا قد يجعلنا نتدبر في كل فعل نقدم عليه، ويدفعنا لمحاولة تسجيل رأينا في القضايا المصيرية بأي طريقة كانت، لكن كيف سيكون التصرف إذا تخيلنا سؤال أبنائنا عن دواعي تفريطنا في القدس؟ منذ ما يقرب من 80 سنة على وقوع فلسطين فريسة لاحتلال صهيوني، وبعد عدة حروب كان نهايتها انتصار أكتوبر 1973م، وما تبعه من معاهدة كامب ديفيد حولت المنطقة لحالة سلام صورية، وما استطاعت نزع حب القدس من قلوب أجيال لم ترَ أرض السلام طوال عمرها، ولم تؤثر في تمسكهم بأن هناك ما يُسمى فلسطين المحتلة وليس إسرائيل. وعلى مدار هذه العقود لم تمر سنة دونما وقوع مجموعة من الحوادث في أراضي فلسطين، ومع تتابع السنوات أيقن العدو أنه يواجه أمة يغشى السبات جوانبها، وترى في الإنجازات الرياضية انتصارات تاريخية، وأن وجوب تعليم الطلاب التاريخ الأوروبي خير لهم من تعريفهم ما هو المسجد الأقصى؛ حتى أصبح السواد الأعظم من العرب والمسلمين لا يفرقون بين مسجد قبة الصخرة والمسجد الأقصى، كل هذا جعل قرار الرئيس الأميركي ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل قراراً مُتوقعاً منذ زمن. هل ستُحرر القدس بالكلمات؟ كنت دائماً من الذين يحاولون بأي طريقة إظهار رأيهم في قضية فلسطين ولو بعبارات حادة على مواقع التواصل الاجتماعي مع بعض الصور القاسية من مواقع الحدث، ومن ثم يتحول النقاش في التعليقات إلى تبادل وجهات النظر فيما يجب أن يتخذه القادة من قرارات، لكنني كنت أعجز عن الرد على سؤال عادةً ما تُختتم به التعليقات وهو "هل تحرير القدس بالكلمات؟". وكوني أدرس الإعلام كنت أظن أن أنسب إجابة هي أن الكلمات تمثل ضغطاً على القادة وتوصل الآراء إلى العالم وتخلق ما يُسمى إعلامياً بصناعة قضية رأي عام، وأن دوري كمحرر صحفي تسليط الضوء على منبع الحدث بالكلمات فقط؛ لجذب انتباه العالم. وربما يكون سبب اكتفائنا بالكلمات هو أننا لم نجد ردود فعل من القادة المسلمين في أي حدث بفلسطين سوى الشجب والإدانة، فأصبحت تلك المواقف هي أعلى ما رأيناه، فجعل الاكتفاء بمنشورات وهاشتاغات على مواقع التواصل أكبر سلاح نمتلكه في أي قضية مصيرية. لماذا نخشى أبناءنا المستقبليين؟ بعد ثورات الربيع العربي وفي كل وقت يستدعي الحديث عن أسباب الانحدار في الشأن العربي كنا كشباب نوجه أسهم الاتهام نحو الأجيال السابقة، ونحملهم أسباب نكسات العالم العربية ليس العسكرية فحسب، بل السياسية والاقتصادية وغيرها، وننعتهم بالتخاذل في نزع حقوقهم، ونتهمهم بتحمل المسؤولية عما وصلنا إليه كنتيجة لتهاونهم. ولأن الزمن يتم استنساخه بأدق تفاصيله، والإنسان دائم النسيان فيحسب الزمن يعيد نفسه ولا يدري أن غباءه هو مَن يتكرر فتُأتي النتائج كسالفتها، فكرت ماذا لو استيقظت يوماً على صوت طفلٍ من نسلي قرر فجأة أن يتهمني بالتخاذل وأنني سبب في ضياع القدس بسلبيتي في القضية، حينها كيف سأدافع عن نفسي، وأحاول إبقاء صورتي في ذهنه كما هي بما تحمل من قوة وشجاعة، كيف أقنعه بأنني كنت أحلم كل يوم وأنا ضمن جيوش العرب لتحرير القدس؟ لم أدرك قيمة الكلمة في أي وقت سبق كمثل هذه اللحظة، شعرت وكأنني في خندق واحد مع الأجيال السابقة وتم توجيه نفس السؤال والاتهام إلينا، وكلنا لم نمتلك يوماً القدرة على اتخاذ قرار قوي، الكل يلقي بالتهم على من سواه، ولم يتخذ أحد موقفاً أكثر حدة، الكل يريد أن يمسك سلاحاً نارياً ويوجهه نحو العدو، ولا يدري أن الحروب النفسية التي قوامها الكلمة تكون أقوى وتمهد للحرب العسكرية، لم ينتبه الكثيرون إلى قوة الحرب الفكرية. السبب الأكبر في زيادة التخاذل العربي في القضية الفلسطينية هو الحرب الفكرية التي باتت على مسار النجاح في حذف كل ما يتعلق بالقدس من العقل العربي، فأصبح قلما ما تجد شاباً يعرف شكل المسجد الأقصى الحقيقي، ولا تستبعد أن يصل الأمر في الأجيال القادمة إلى أن ترى طفلاً يطلق على القدس لفظ أورشليم، وربما في الأجيال التالية تجد الشخص تربطه علاقة صداقة وثيقة بأشخاص من تل أبيب. كنت أظن أن الكلمة التي أطلقها دفاعاً عن القدس هي أضعف الإيمان، وكنت في حرج أن يكون سلاحي في هذه المعركة الأبدية هو القلم، حتى أدركت أن الكلمة التي يستضعفها البعض قد تكون سبباً في توعية الكثيرين، ربما كلمة أحيت أمماً كانت على حافة الموت. وحينما يسألني أبنائي عن دوري في صراع العرب وإسرائيل سأبلغهم بأنني حاولت إحياء العقول من جديد في هذه القضية بالكلمات حتى يأتي اليوم الذي توجه فيه الأجيال القادمة أسلحتهم للعدو وهم يعلمون ملامح ما يدافعون عنه، مقتنعين أن الدفاع عن هذه القضية يستحق بذل كل عزيز، وحينها لن أكون في خذل من موقفي، وبذلك أكون قد برّأت ذمتي. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

مشاركة :