من اهم الأسباب التي أدت لاشتعال الاحتجاجات والمظاهرات في ايران، هو الوضع الاقتصادي الايراني والفقر والوضع السياسي والفساد والتضييق، وكبت الحريات وسلب الحقوق والبطالة، والتدخل في الشؤون الداخلية للدول والظلم بكافة اشكاله والمحسوبية، والتفرقة المذهبية والطائفية والعنصرية والتهميش، كل هذه الأسباب أدت الي قيام المواطنين الإيرانيين للخروج في مظاهرات واحتجاجات ضد السلطة بداية الاحتجاجات والمظاهرات وأسبابها الأوضاع الاقتصادية، من فساد وارتفاع للأسعار ومعدلات البطالة. كما يبدو أن الاحتجاجات أخذت منحى سياسيًا يعبر عن الغضب من سياسة الرئيس حسن روحاني. فقد تطورت المظاهرات إلى احتجاجات واسعة ضد السلطات، للمطالبة بإطلاق سراح السجناء السياسيين، وإنهاء قمع الشرطة. كما استهدفت هتافات المحتجين مرشد الثورة الإيرانية، آية الله علي خامنئي، وردد المتظاهرون شعارات ضد الرئيس حسن روحاني والحكم الديني. وأكدت التقارير أن متظاهرين كانوا يرددون شعارات مثل «الناس يتسولون، ورجال الدين يتصرفون كالآلهة»، و«ليس لغزة، ليس للبنان، حياتي لإيران»، معربين عن غضبهم إزاء تدخل إيران في شؤون المنطقة. نبدأ من مدينة مشهد ثاني اكبر المدن الايرانية بعد طهران، والتي يبلغ عدد سكانها اكثر من ثلاثة ملايين نسمة، وهي بداية انطلاق الأزمة، حيث خسرت 160 الف عائلة مشهدية اموالها في مشروع «شانديز» السكني، وكان هذا المشروع عبارة عن أكبر عملية نصب واحتيال والمتورط في هذه السرقة مسؤولون في النظام لم تتم محاسبتهم، وخسر أهالي مشهد أموالهم وحلمهم بالحصول على السكن، كما ان مشكلة أكثر البنوك الايرانية التي اعلنت افلاسها هي من مدينة مشهد الايرانية، وفقد الناس اموالهم بسبب اعلان هذه البنوك عن افلاسها، والحكومة الايرانية تجاهلت مطالب الشعب الايراني في قضية افلاس البنوك، وركزت على الاتفاق النووي الايراني. وبما ان اكبر جالية افغانية توجد بمدينة مشهد، وهي تنافس أهالي المدينة على فرص العمل، وبعد أزمة الاسكان وازمة افلاس البنوك وفقدان المدينة المداخيل السياحية، وارتفاع الاسعار، وازدياد نسبة البطالة، أصبح الفقر والادمان والبطالة ينهش في جسد هذه المدينة وسكانها اكثر من ثلاثة ملايين نسمة. كل هذه الاسباب الموضوعية توفر بيئة خصبه لانطلاق أي حراك شعبي ضد الفقر والبطالة، وما يعاني منه أهالي مشهد. نفس المطالب التي خرج لأجلها اهالي مشهد، تتوفر ايضا في كل اغلب المدن الايرانية؛ لهذا نرى بأن مدن الاطراف انجذبت للاحتجاجات والمظاهرات اكثر من المركز عكس ثورة عام 2009م. الفرق بين هذه الاحتجاجات والثورة الخضراء 2009 «ما يميز هذه الحركة المجتمعية عن الثورة الخضراء التي شهدتها ايران في عام 2009، هي أنها لا تعتمد على المركز في حراكها الثوري، عكس ثورة عام 2009، حيث كان الثقل الثوري في طهران وشيراز والمدن الفارسية الاخرى وهمشت الاطراف لاسباب قومية ومذهبية». الثورة الخضراء في عام 2009 كانت تمتلك قيادات واضحة كمير حسين موسوي ومهدي كروبي، ومطلبهم كان يدور حول الانتخابات فقط، ولكن هذه الحركة الاحتجاجية الشعبية التي تشهدها ايران لا تمتلك قيادات سياسية ولا مذهبية، وشعاراتها تجاوزت الاصلاحيين، وبدأت تنادي بتنحي المرشد خامنئي من السلطة. صحيح أن هذه الحركة الاحتجاجية دافعها الرئيس للخروج إلى الشارع هو عامل الاقتصاد، ولكن لا ننسى بأن في جميع الثورات الإيرانية السابقة، كان عامل الاقتصاد لعب دورا محوريا في الاطاحة بالنظام الملكي الشاهنشاهي. كان الخميني يستخدم العامل الاقتصادي لتحريك الشعب الايراني ضد شاه ايران، وهذه صحيفة (كيهان) يقول فيها الخميني ان الماء والكهرباء مجانا ولا تحذف الضرائب وكل ايراني يحصل على سكن مجانا، إذن العامل الاقتصادي هو الأهم والأساس في انجاح الثورات واسقاط الانظمة داخل ايران. ما يميز هذه الاحتجاجات الآن هي أنها ليست مسيسة لأي تيار او حزب سياسي في ايران، واستطاعت ان تنتشر خلال اليومين وتتوسع إلى الجنوب والشمال والغرب وشرق البلاد، عكس الثورة الخضراء التي فشلت في الانتقال من طهران الى الاطراف واستطاع الحرس الثوري قمعها بسهولة. الطبقة التي شاركت في الثورة الخضراء عام 2009 كانت من الطبقة المرفهة والطبقة الوسطى، وايضا الطلبة في الجامعات الايرانية؛ ولكن اليوم الطبقة المسحوقة والفقيرة والتي تعيش تحت خط الفقر، هي من تقود وتحرك هذه المظاهرات والاحتجاجات في ايران. في عام 2009 كان المتظاهرون غاضبين من تيار المحافظين وتزوير الانتخابات، وكان الصراع بين منحصر بين الاصلاحيين والمحافظين، أما الآن المتظاهرون غاضبون على سياسة الحكومة الاقتصادية، وغاضبون على النظام السياسي الذي يقوده المرشد خامنئي؛ لهذا كانت الشعارات توجه ضد روحاني والمرشد وتمزق صورهم. في عام 2009 همش الاصلاحيون جميع التيارات السياسة في البلاد، وأرادوا أن تكون اللعبة منحصرة بينهم وبين المحافظين، أما الآن هذه الاحتجاجات جمعت جميع الاطياف، من الشعوب غير الفارسية واهل السنة والملكيين ومجاهدي خلق والقوميين الفرس والحركة النسوية الايرانية، والحركة العمالية. أهم إنجاز لهذه الاحتجاجات حتى الآن هي أنها حذفت دور الاصلاحيين في هذا الحراك الشعبي ولهذا فإن في حال استمرارها ستؤدي إلى تغيير النظام وليس الحكومة! لا أحد يستطيع أن يتكهن ماذا يحدث اليوم أو غدا ولكن ما يمكن أن نشاهده ونلمسه، هو أن النظام الحالي غير مستعد لتقديم أي تنازلات لهذه الحركة الاحتجاجية، والحرس الثوري ايضا جاهز لقمع هذه الاحتجاجات بالقوة المفرطة، ولكن الأهم في كل هذا هو أن هذه الفئة المسحوقة التي تقود هذه الاحتجاجات في ايران، وليس لديها أي قيادة سياسية مركزية حتى يستطيع الحرس الثوري اعتقالها، وايضا ليس لديها ما تخسره وجاهزة للتصعيد، وتدخل في مواجهات دامية مع الحرس والشرطــة والامن الايراني من اجل تحقيــق مطالبهــا العادلة، ومن هنا يبدأ كل شيء.
مشاركة :