يشعر الكثير من المواطنين وأنا أحدهم بأن واقع السياحة الوطنية حاليا لا يعكس قدرات المملكة المالية ولا إمكاناتها السياحية الكامنة التي لم يتم توظيفها بعد، كما لا يضاهي التقدم الملموس الذي تم إنجازه في السنوات العشر الماضية على الكثير من مظاهر الحياة في المملكة، الشعور السابق ليس وليد موسم الإجازة الحالي بل هو امتداد لواقع مستمر منذ عقود لم تفلح معه الكثير من الجهود المبذولة في تطوير صناعة سياحية جاذبة توفر خيارات متنوعة للمواطنين والمقيمين على الرغم من المحاولات الجادة التي تقوم بها هيئة السياحة. ويبدو أن السبب في ذلك هو كون السياحة الناجحة هي عبارة عن منظومة معقدة ومتشابكة من الخدمات التي يجب أن تلبي مختلف رغبات وإمكانات السائحين وتستفيد من التنوع التراثي والبيئي والمناخي، لذلك فإن من أهم شروط قيام صناعة سياحية جيدة هو تضافر جهود جميع الجهات المعنية بها؛ فعلى سبيل المثال لا معنى لوجود بدائل سياحية تنتشر على مساحة جغرافية كبيرة بدون توفر شبكة مواصلات تتسم بالسرعة والكفاءة والأمان، أيضا فإن غياب رقابة صارمة تمنع المغالاة في أسعار الخدمات السياحية تجعل تلك الخيارات مقصورة على الشريحة الاجتماعية المقتدرة ماليا في حين لا يجرؤ محدودي الدخل على مجرد التفكير في الاستفادة منها. ورغم اتساع مساحة بلادنا، وتنوع طقسها، واستمرار الدعم الذي تقدمه الحكومة للمستثمرين في كافة المجالات إلا أن قطاعنا السياحي لا يزال يحبو ولم يصل بعد لمرحلة المشي ناهيك عن الهرولة فلا تزال البنية السياحية تعاني من قصور واضح في نوعية الخدمات، ورداءة جودتها، ومحدودية البدائل المتاحة منها، وارتفاع أسعارها مقارنة بنفس الخيارات في العديد من البلدان المتقدمة سياحيا، الأمر الذي أسهم في النزوح الجماعي للسائح السعودي إلى مختلف الوجهات السياحية الإقليمية والعالمية في مواسم الإجازات؛ أما من لا تساعده إمكاناته المالية على ذلك فإنه يفضل البقاء في بيته لأن المنتج السياحي المعروض لا يتناسب مع دخله المحدود. ويضاف إلى ما تقدم عنصر طارد هو وجود فكر لا يحبذ ثقافة الاحتفال، وأسهم إلى حد كبير في إعاقة قيام صناعة سياحية تليق بالبلاد ومكانتها وقدراتها. وحينما أقول الترفيه (البريء) فإنني أعني الخيارات السياحية البديهية التي توفرها معظم الوجهات السياحية الخارجية ولا تتعارض مع الثوابت أو الموروث الاجتماعي مثل صالات العرض السينمائي، والعروض المسرحية، والاحتفالات الفنية التي لا يزال السماح بها محليا موضع جدل كبير بين مؤيد ومعارض على الرغم من أننا نستقبلها ونشاهدها على الفضائيات الرئيسية المملوكة لسعوديين منذ عقود، ولا يعرف الكثير من المواطنين أسباب استمرار منع قيام أنشطة ترفيهية من شأنها الإسهام في الحد من سفر المواطنين خلال المواسم، وتحقيق عوائد جيدة للمستثمرين، وتوفير خدمات تفتقر إليها «صناعتنا السياحية»؛ إن جاز التعبير!. ونظرا لأنني أقوم حاليا بتجربة سياحية محلية فريدة من نوعها، فإنني أهدي تجربتي للمعنيين عن السياحة، آملا أن تلفت انتباههم إلى ضرورة إعادة النظر في واقعنا السياحي، حيث قررت بعد فترة من التردد أن أقضي هذه الإجازة في جدة ولكن بعيدا عن أجواء المنزل، ووقع اختياري على قرية ساحلية شهيرة، وكانت أولى ملاحظاتي عليها هي الارتفاع الملحوظ على سعر الإقامة فيها بنسبة ٦٠ % مقارنة بآخر مرة أقمت فيها في نفس الموسم قبل ثلاثة أعوام، ورغم التكلفة المرتفعة وغير المبررة من وجهة نظري والتي بلغت ١٦ ألف ريال لمدة ٦ ليالي، فقد وجدت الفيلا التي سأقيم فيها في حالة مزرية من سوء النظافة، وعطل التكييف، ونقص العديد من الأجهزة الأساسية مثل غلاية الماء، وحاجة الكثير من الإنارة لتغيير اللمبات. وبالطبع فقد اضطررت وأسرتي لطلب عمال الصيانة والنظافة في القرية (السياحية) مرات عديدة لإصلاح ما يمكن إصلاحه، ورغم حضورهم على مضض وبعد تأخير ملحوظ، فإن النتائج كانت محدودة الأمر الذي تطلب مشاركة أفراد الأسرة في عملية التنظيف!، ونظرا لأن الأثاث الموجود في الفيلا كان باليا ومستهلكا بشكل كبير، فقد اضطررنا للعودة للمنزل وإحضار بعض قطع الأثاث. وإذا كان ما سبق لا يكفي فإن (التنغيص) لم يقتصر على سوء نظافة وتجهيز الفيلا بل امتد إلى الساحة المركزية التي يجتمع فيها (ضيوف المكان) في شرم أبحر حيث كانت أولى المفاجآت هي إصرار الإداري المسؤول عن الساحة على رفض تغيير قناة التليفزيون على الشاشة الضخمة. وبسؤال المسؤول عن السبب أفادني بجملة مقتضبة وصارمة هي: (إنها تعليمات)، وقد حاولت عبثا مع عدد من نزلاء القرية إقناعه بتغيير القناة إلا إن إصراره كان أشد من إلحاحنا!، ولم يتوقف الأمر عند ذلك فعلى الطاولة القريبة من مكاني كانت هناك أسرة قام شبابها بتشغيل أغان من أجهزة هواتفهم إلا أننا فوجئنا بقدوم رجل الأمن (السكيورتي) إليهم وأمرهم بإغلاق التسجيل!، وبعد رفض الشباب لذلك الطلب غير المنطقي، توتر الوضع وكاد أن يتطور للأسوأ لولا تدخل بعض كبار السن الذين أقنعوا الشباب بضرورة الالتزام بـ (التعليمات). ختاما، بقيت نقطة أخيرة وجديرة بالتنوية إليها هي أن غلاء الأسعار لم يقتصر على تكلفة الإقامة في القرية بل امتد لأسعار كافة السلع والخدمات فيها مثل رسوم ملاعب الأطفال، وقيمة الوجبات الخفيفة، وأسعار إيجار وسائل الرياضة البحرية، وحسنا فعلت إدارة القرية بعدم فرض رسوم على استخدام دورات المياه العامة - حتى الآن - وإن كنت لا أستبعد قيامها بذلك بدءا من الموسم القادم في ظل غياب الرقابة وقلة العرض، ونظرا لأن هذه التجربة ستمتد للعديد من الليالي القادمة في هذه القرية، فإنني لا أستبعد المزيد من المفاجآت التي أرجو أن تكون أفضل مما مررت به مع أسرتي حتى اليوم. كل عام وآنتم وسياحتنا المحلية (الحائرة) بخير.
مشاركة :