المتابع لتداعيات قرار ترمب الاعتراف بالقدس «كاملة» عاصمة لدولة إسرائيل، وما صاحب ذلك من ثورة تركية خطابية أزبد فيها إردوغان وأرعد، استمالت صفوفا عريضة من الدهماء العربية المؤدلجة التي رمت السعودية بشرار حناجرها، بينما أخذت تتغزل في إردوغان التركي الذي تبوأ بين عشية وضحاها منصب القيادة العامة للعالم الإسلامي الذي لم ولن تذكر المنظمات الإغاثية العالمية دولته في قائمة الدول الداعمة للشعب الفلسطيني، في الوقت الذي تحتل فيه السعودية صدارة قوائم تلك المنظمات. استطاع إعلام إردوغان من إحدى الدول العربية الصغيرة التي أخذت على عاتقها دفع وتمويل وشراء وبيع الكثير من الذمم والأقلام العربية «الشامية والشمال أفريقية» بجانب إخونجية «مصر» لتمجيد «خليفة الله العثماني»، ويلعنون كل عربي صدق أو كذب، فجميعهم «لا شيء» أمام السيد إردوغان، وكما تقول العرب «رمتني بدائها وانسلت». وجهت وغذت «قطر» كالعادة قنوات «الدفع» القطري لتركز مهاجمتها على المملكة العربية السعودية حكومة وشعبا دون سواها، لتتبين سوأتاهما، داعما ومدعوما، حيث أعرضت عن التصريح أو التلميح حول وجود السفارة الإسرائيلية بالقرب من منصة إردوغان الخطابية، أو اتفاقياته التي لن يضحي بها الرجل من أجل القدس أو............ «ضع على النقاط ما يتبادر إلى ذهنك من الأماكن»، فحزب العدالة والتنمية يسقط كل الأشياء لأجله. ذات الشخص الذي أسقطت الدولة الصفوية دولة أجداده وهجّرت الدولة اليونانية أبناءها العثمانيين، عاد مكسور الجناح ليكون الحلقة الأضعف في توافقات واتفاقيات إقليمية تبيع قضايا إسلامية وعربية كبيرة لصالح إيران الصفوية، مقابل البحث عن فتات من مائدة ملوثة بدماء مئات الآلاف من السوريين والعراقيين والأتراك، إضافة إلى أبناء المدينة النبوية المهجرين طلائع القرن الماضي «سفر برلك»، لم تتفوه قنوات الدعم القطري ولو ببنت شفه حولها، لا من قريب أو بعيد. إردوغان الذي أزبد وأرعد مدافعا عن القدس رافضا القرار الأميركي ومدافعا عن الغزاة العثمانيين الذين جاسوا خلال الديار العربية، وفعلوا ما فعلوا دون حسيب أو رقيب، عاد مكسور الجناح مرة أخرى ليوافق على الاشتراطات الأميركية حول إعادة عمل السفارة الأميركية بجوار الإسرائيلية التي لم ولن تغادر أنقرة. إردوغان الذي أزكم وبلل وجوه أنصاره وأتباعه من الإخوان برذاذ فمه وكان أكثر حدة مما امتلأ به فم تابعه «الحمساوي» إسماعيل هنية، ها هو يرمي بكل ذلك خلف ظهره ليسيل لعابه على أرض السودان العربية، محاولا انتزاع جزيرة «سواكن» من بحرها الأحمر، ليعيد تبعيتها لبحر أضنة التركي، معللا ذلك بالقول «من هنا مر أجدادي»، وكأن أجداده وقفوا هنالك في رحلة إغاثية أو سياحية لأبناء السودان. لم يعد العرب وحدهم «ظاهرة صوتية»، كما وصفهم عبدالله القصيمي ذات مرة، بل الأتراك أيضا تحولوا «لظاهرة صوتية» مضاف إليها «الظاهرة المصلحجية» التي لا تعرف الود، بل الكسب دون العطاء، والقضية الفلسطينية خير شاهد، فهي تجارتهم الرابحة كما هي تجارة خامنئي وحسن زميرة الرائجة أيضا. باختصار يبدو أن دموع إردوغان جفت على القدس وبدأ لعابه يسيل باتجاه «سواكن وأخواتها». والسؤال: هل ننتظر حتى يمر العثمانيون برفقة الصفويين من «العالم العربي» من جديد ممتطين ظهر إمارة «قطر»، أم ماذا؟
مشاركة :