اجتراء على المحظور الراسخ في العقلية العربية في "حجاب الحب" بقلم: أمير العمري

  • 1/2/2018
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

نموذج لفيلم عربي جريء سواء في الشكل أو في المضمون، فالمخرج عزيز السالمي لا يخجل في تصوير بعض المشاهد الجريئة التي يندر ظهورها في السينما العربية منذ السبعينات.العرب أمير العمري [نُشر في 2018/01/02، العدد: 10857، ص(16)]عالم نسائي يبطن أكثر مما يظهر أتيحت لي الفرصة أخيرا لمشاهدة الفيلم المغربي “حجاب الحب” الذي أخرجه عزيز السالمي في أول تجربة سينمائية له، وهو الذي درس المسرح في باريس وأخرج عشرات الأعمال الدرامية. والسالمي في هذا الفيلم يجترئ على المحظور أو “التابو” الراسخ في العقلية العربية، فيصوّر علاقة غرامية بين فتاة شابة حسناء محجّبة تدعى بتول (28 عاما)، تنتمي إلى أسرة متزمّتة من الطبقة الوسطى المغربية (شأنها في ذلك شأن معظم الأسر العربية من الطبقة نفسها).. تقع في غرام رجل متزوّج، هو حمزة، وهو في الأربعينات من عمره، زير نساء، يعشق المغامرات النسائية، يتردّد على دور اللهو والسهر، يعمل في التصميم المعماري. ورغم انكشاف شخصية حمزة تدريجيا أمام بتول كرجل غير جاد يتلاعب بها، إلاّ أنها تجد نفسها أكثر تورّطا معه، فهي تحبه بشكل مجنون ممّا يدفعها إلى الاستسلام لعلاقة جسدية معه، تشعر منها بالمتعة وتحقّق لها الامتلاء وهي المتأجّجة بالرغبة، لكنها في الوقت نفسه لا تستطيع أن تهرب من الشعور بالذنب، والرغبة في ستر الوقوع في المحظور المحرّم بالزواج. ومع ذلك، يتهرّب حمزة، بل ويصفع رغبتها هذه ليضرب بها عرض الحائط، فهو سعيد بعلاقته المتحرّرة معها، راغب في الحفاظ عليها، فالارتباط بالزواج عنده قيد شديد الوطأة. إنه في هذا الجانب يشبه الكثير من الشباب العابث الذي عرفته السينما المصرية، ولعل أفضل من جسدها على الشاشة الممثل الراحل أحمد رمزي في شخصية مكرّرة في أفلام الخمسينات والستينات من القرن الماضي.البطلة ترتدي الحجاب في رمضان، وتقرأ القرآن، لكنها لا تملك أن تقاوم رغبتها في الحب وممارسة الجنس مع حبيبها المستهتر بتول ترتدي الحجاب في رمضان، وتقرأ القرآن، لكنها لا تملك أن تقاوم رغبتها فتذهب إلى حمزة الذي لا يمكنها التخلي عنه أو التخلص منه أبدا، بل إنها تحمل منه أيضا، فماذا ستفعل بعد أن تنكشف مشكلتها أمام الجميع، خاصة صديقاتها اللاتي يتندّرن عليها خفية لكنهنّ يدارين على مشاعرهنّ الحقيقية وعلى ممارساتهنّ الجنسية العديدة خارج الزواج، بالادعاء والكذب والزيف؟ هل ستحتفظ بتول بالطفل وتتحدى الأسرة والمجتمع كله، بل وحمزة نفسه أيضا؟ أم ستتخلّص من الجنين وتعود إلى عالمها الخاص، كطبيبة شابة تحلم بالحرية في مجتمع يقمع هذه الحرية ويقيّدها بكل الطرق؟ هل يمكنها أن تتنازل عن حلم الحرية التي يرمز لها تحرّرها الجنسي واختيارها لرجل لا يريد الارتباط بها، وتقبل بالارتباط بابن عمها المتشدّد دينيا الذي يحبها أيضا، ولكنه يريد تقييد حريتها عملا بتقاليد المجتمع والدين؟ الموضوع يغري كثيرا بالسقوط في الميلودراما والمبالغات، لكن المخرج-المؤلف عزيز السالمي لا يقع في هذا المطب، بل يتمكّن بحرفية عالية، في طريقة الصياغة والبناء، من دفع الأحداث لكي يكشف تدريجيا عن الأبعاد المختلفة المعقدّة للشخصية الرئيسية، ويضعها في سياق عالمها: المحيط العملي لبتول كطبيبة نالت قسطا كبيرا من التعليم، وأصبحت الآن مسؤولة عن مرضاها.. والأسرة التي تبدو متحرّرة، تقبل خروج الابنة وحدها وتتركها تتعلّم وتمارس العمل، لكنها في الوقت نفسه ترفض بقاء ابنتها خارج الزواج، خاصة وأن هناك ابن عمها الذي يتطلّع للزواج منها، وهو المتشدّد دينيا الذي ينظر باستياء ورفض إلى طريقة بتول في ارتداء الملابس. هذا نموذج لفيلم عربي جريء سواء في الشكل أو في المضمون، فالسالمي لا يخجل كما لا يتردّد في تصوير بعض المشاهد الجريئة التي يندر ظهورها في السينما العربية منذ السبعينات (لعلنا نتذكر مشاهد مماثلة في فيلمي “العصفور” ليوسف شاهين، و”التلاقي” لصبحي شفيق). وتألقت في أداء دور الفتاة بتول الممثلة الجزائرية-الفرنسية حياة بلحوفي، وبرعت كثيرا في تقمّصها للدور فأضفت على الفيلم جمالا خاصا، وتميّزت اللقطات التي تظهر فيها، وما أكثرها، خاصة اللقطات القريبة لوجهها، جانبا خاصا، يجمع بين الرقة والأنوثة والبراءة، وكان حضورها بوجه عام طاغيا على الشاشة، كما أجاد يونس ميكري أداء دور حمزة المتلاعب، الذي يجمع بين الفنان والمتأمل والشاعر والمغوي وزير النساء.

مشاركة :