الاستثمار في المعرفة يغلق الفجوة بين التعليم وبيئة العملخلص المؤتمر السادس عشر للوزراء المسؤولين عن التعليم العالي والبحث العلمي في البلدان العربية، الذي عقد مؤخرا بمقر الجامعة العربية في القاهرة، إلى حتمية وضع علاقة استراتيجية وثيقة تربط التعليم العالي وسوق العمل والإنتاج، لإيجاد ربط حقيقي بين سياسات التعليم من جهة واحتياجات المجتمعات العربية وبيئة العمل من جهة ثانية.العرب أحمد حافظ [نُشر في 2018/01/02، العدد: 10857، ص(17)]نحو شراكة دائمة مع سوق العمل القاهرة - أظهرت التوصيات التي تمخضت عن المؤتمر الـ16 لوزراء التعليم في البلدان العربية حجم الإدراك العربي بأن هناك أزمة حقيقية في العلاقة بين استراتيجيات التعليم العالي وبين عالم العمل والإنتاج، مما دعا المشاركين من 17 دولة عربية إلى توحيد المطالبة بوضع رؤية جديدة تقوم على تغيير الفكر والسياسة التعليمية في البلدان العربية لربط التعليم بسوق العمل. وخلال جلسات المؤتمر، الذي عقد يومي 22 و23 ديسمبر، بعنوان “التعليم العالي العربي وعالم العمل والإنتاج: رؤية جديدة”، أقر المتحدثون بأن الفجوة الحاصلة بين زيادة الطلب على خدمات التعليم العالي وزيادة معدلات البطالة بين خريجي هذه المؤسسات في اتساع مستمر، ما يعكس غياب الرؤية نحو جدية الاستثمار في المعرفة. وقال سليم خلبوس، وزير التعليم العالي والبحث العلمي التونسي، خلال كلمته إن الاستثمار في المعرفة يهدف إلى إقامة شراكات علمية وميدانية بين مؤسسات البحث العلمي والتجديد التكنولوجي والمؤسسات الاقتصادية المرتبطة بها، سواء كانت وطنية أو إقليمية، انطلاقا من مشاريع محددة وآليات واضحة تضبط واجبات كل طرف وتحدد روزنامة التنفيذ، وتنص بوضوح على الحقوق المتعلقة ببراءات الاختراع وما يتصل بها من حقوق استغلال نتائج البحث. وتعيش أكثرية البلدان العربية أزمة حقيقية، وتتباعد المسافات بين المناهج الدراسية وطرق التقييم والتخصصات العلمية، وبين سوق العمل، ما يضاعف من معدلات البطالة، خاصة في ظل وجود حالة من الانفجار السكاني تعانيها بعض هذه البلدان، فضلا عن غياب الاهتمام الحقيقي بأهمية التوجه نحو الاستثمار في التعليم. وأقر المشاركون في المؤتمر بأن المجتمعات العربية تمتلك ثروة طلابية هائلة وعقولا بحثية غير مستغلة، ما ساعد على هجرة بعض هؤلاء إلى بلدان تعلّي من قيمة التعلم والعمل البحثي، وهو ما يهدر الاستفادة من هؤلاء في تطوير وخدمة مجتمعاتهم، لأنهم يدركون أنهم يعيشون في بلدان لا تنتج العلم ولا تقدر البحث العلمي. ويرى متابعون لجلسات المؤتمر، أن إقرار المسؤولين عن التعليم بوجود أزمة حقيقية داخل مؤسسات التعليم العالي في بلدانهم، يمثل خطوة أولى نحو وجود نواة حقيقية لتغيير هذا الواقع نحو الأفضل، بأن تكون آليات التعلم والبحوث العلمية مواكبة للاحتياجات الحقيقية وتغيير السياسات القائمة التي أفرزت الملايين من العاطلين.سليم خلبوس: استثمار المعرفة يكون بالشراكة بين المؤسسات البحثية والاقتصادية وقال هؤلاء، إنه يجب استثمار هذا التوجه الرسمي الرافض لسياسات التعليم العالي في الوطن العربي، ليكون مواكبا لرؤية التنمية المستدامة التي بدأت بعض الدولة في وضعها، بحيث تضع كل دولة نظاما تعليميا وبحثيا يخدم سوق العمل، من خلال التخطيط المتكامل للتعليم العالي والبحث العلمي وقطاعات العمل والإنتاج. ولم يخف خالد عبدالغفار، وزير التعليم العالي والبحث العلمي المصري، أن تغيير سياسات التعليم الجامعي إلى المأمول يبدأ بزيادة المخصصات المالية لقطاع التعليم والبحوث لتكون قريبة من نظيراتها في الدول المتقدمة، لأن أي سياسة تعليمية تهدف إلى تعظيم الاستثمار في العلم والبحث لا يمكن أن يكلل لها النجاح بأياد مكبّلة لا تمتلك التمويل الكافي لتطبيق نظام تعليمي يوازن بين بيئة التعلم وبيئة العمل. وناقشت بعض جلسات المؤتمر إمكانية التغلب المؤقت على إشكالية المخصصات المالية، بتعزيز برامج ريادة الأعمال والابتكار وحضانات الأعمال مما يساعد الشباب على التشغيل الذاتي وإيجاد مجالات ومشروعات عمل تناسبهم وتطوير برامج تسويق الخدمات الجامعية لدى وحدات البحث العلمي والتطوير في المؤسسات الإنتاجية وعقد شراكات لتمويل مشروعات من شأنها خدمة قطاعات الإنتاج. وقال متحدثون إن رعاية حضانات الأعمال بمؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي ودعم تطوير الشركات الناشئة وإنجاحها وتعزيز الشراكة بين القطاع الخاص ومراكز البحث العلمي في مؤسسات التعليم العالي، كلها عوامل من شأنها أن تخفض من نسب البطالة وتشجع الخريجين على العمل في تخصصاتهم بالقطاع الخاص بعيدا عن انتظار فرصة الالتحاق بالقطاع الحكومي. وحذر أحمد أبوالغيط، أمين عام الجامعة العربية، من استمرار التراخي في عدم إصلاح أنظمة التعليم العالي بصورة ترتكز على العلوم والتقنيات، وتقلص الفجوة الكبيرة بين ما هو معروض تعليميا وما هو مطلوب في سوق العمل، لأن ذلك سوف ينتج عنه استمرار النزيف الحاد في الموارد البشرية العربية المتمثل في هجرة العقول العربية إلى الخارج وعمل الخريجين العرب في مجالات خارج نطاق تخصصاتهم، وهو ما يعد هدرا لأثمن مواردنا وقدراتنا. ومشكلة بعض البلدان العربية، ومصر أبرز مثال على ذلك، أنها ما زالت تدرج تخصصات تعليمية عفا عليها الزمن ضمن نظامها التعليمي، ما ينتج عنه خريجون لا يحتاجهم سوق العمل، حتى أن أصحاب التخصصات المطلوبة في بيئة الإنتاج لا يستطيعون استكمال دراستهم الجامعية والبحثية لعدم وجود مؤسسات جامعية تستوعبهم، على غرار طلبة التعليم الفني، إذ ما زالت الحكومة تتباحث بشأن إمكانية إنشاء جامعات تطبيقية لهؤلاء الطلبة. وكانت التوصية خلال المؤتمر بتطوير البرامج التعليمية والتخصصات المطروحة في التعليم العالي لتلبية التطور المتسارع في الوظائف ونوعيات العمل مع التركيز على المهارات ونظم الدراسة ذات التخصصات المتعددة وأنظمة الساعات المعتمدة. وإلى جانب الاستفادة من الصيغ المطورة من نظم التعليم المستمر، دعا المجتمعون إلى إتاحة المزيد من الفرص للأفراد لمواصلة التعلم أثناء العمل وتغيير التخصص والنمو المهني مع ضمان الجودة وتطوير برامج الإرشاد المهني لطلاب مؤسسات التعليم العالي والتوسع في فعاليات وملتقيات التوظيف بالتعاون مع مؤسسات العمل. وثمة أزمة أخرى في بعض الدول تتمثل في أن الفجوة بين واضعي السياسات التعليمية (مناهج وطرق تدريس وتقييم) وبين أصحاب قطاعات العمل والإنتاج واسعة، إذ لا توجد شراكة حقيقية بين الطرفين يتوافق فيها النظام التعليمي مع متطلبات سوق العمل، وهو ما يفرز خريجين لا يناسبون بيئة العمل لأن الطريقة التي درسوا بها والمناهج التي تلقوها لا تفيدان عملية الإنتاج، وبالتالي يظلون عاطلين أو يعملون في تخصصات لم يدرسوها. ولذلك دعا الوزراء المشاركون في المؤتمر إلى ضرورة إشراك قطاعات الإنتاج في رسم الخطة المستقبلية لأنظمة التعليم وتطوير قدرات الشباب وطلبة الجامعات والخريجين لإكسابهم المهارات التي تسهّل حصولهم على فرص التشغيل وإيلاء التعليم التقني والتطبيقي والتدريب أهمية قصوى وتقديم كل أشكال الدعم اللازم. ولتحقيق هذه الرؤية، طالب الوزراء في توصياتهم بمراجعة التشريعات والقوانين الوطنية المنظمة لعلاقة مؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي مع سوق العمل بهدف تعزيز الشراكة بينهما وتشجيع الشباب على الالتحاق بالعمل في القطاع الخاص، على أن تمارس وسائل الإعلام في كل دولة دورها الفاعل في دعم اختراعات الشباب وإبداعاتهم ونشر قصص النجاح المتميزة لتكون مسارا محفزا للشباب. وأكد المجتمعون أن إرساء قواعد بيانات حول الخريجين وفرص التوظيف وربطها بالشبكة العربية لمعلومات سوق العمل لمنظمة العمل العربية من أجل حصر أعداد وأنواع الوظائف والمتطلبات التعليمية، من شأنهما أن يساهما في تحجيم البطالة بأن يعمل كل خريج وفق تخصصه، ما يحول دون هجرة العقول إلى الخارج.
مشاركة :