العمل الإسلامي الجماعي ما له وما عليه.. أولاً: ما له

  • 1/2/2018
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

تمايز أبناء المنهج الإسلامي إلى فريقين في رؤيتهم للطريقة المثلى لخدمة هذا المنهج، فمنهم مَن رأى أن الأمثل أن يبقى تياراً دعوياً وفكرياً غير منظّم، وكلّ يخدم المنهج بما يستطيعه، ووصل الأمر ببعض أتباع هذا التوجه إلى تحريم العمل الجماعي، واعتباره ابتداعاً لم يكن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم. وفريق آخر رأى أن العمل الجماعي لخدمة هذا المنهج قد غدا ضرورة، فلن يعود هذا المنهج مرة أخرى إلى دنيا الناس إلا بعمل جماعي منظم، تتكاتف فيه الجهود وتتخصص فيه المهام، وتكون له رؤية استراتيجية موحدة، تعلم وتقرر ما يُقدم وما يُؤخر. ووصل الأمر ببعض أتباع هذا التوجه إلى القول بوجوب العمل الجماعي، استناداً إلى أنه مما لا يتم الواجب إلا به، وفي القاعدة الأصولية: (ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب). وهنا نحاول رصد أهم ما للعمل الإسلامي الجماعي وأهم ما عليه، ونبدأ أولاً بما له في هذه السطور.. أولًا- أنه اهتداء بهدي الله تبارك وتعالى: فالناظر إلى خطاب الله تبارك وتعالى للمؤمنين في كتابه الكريم، يرى فيه وفي ظلاله أمراً بالجماعية وعدم الفردية في أي شيء، ولا يخفى ذلك على كل ذي لُب كما لم يخفَ على علمائنا الكرام، ولهم كلام كثير في ذلك، وإني لأرى أن هناك آية من آيات الله -تبارك وتعالى- هي أصل في المسألة، ومُعتمد كبير في التأكيد على أهمية العمل الجماعي، قال تعالى: (إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفّاً كأنهم بنيان مرصوص)، وفي رأيي أن الدعوة إلى الله -تبارك وتعالى- من أعظم الجهاد بحق، فهي قتال بغير دماء لكل أعداء هذه الفكرة، الذين حاربوها حتى وصلوا بالفعل إلى إراقة دماء أبنائها. ثانياً- أنه تطبيق لفلسفة الدين الإسلامي الكبرى: فالدين الإسلامي في كل أعماله العبادية والتشريعية والجهادية، له فلسفة كبرى هي فلسفة الجماعية، فتلك عباداته: الصلاة والصيام والحج والزكاة، كلها أعمال جماعية، وفي تشريعاته ترى أن هذه التشريعات في الأصل تتطلب جماعة ترتضي من بينها إماماً يقوم على تطبيق هذا التشريع الإسلامي، ولذلك فقد أقر العلماء أن تشريعات الله وأحكامه لا يقوم بها الفرد وإنما تقوم بها الجماعة (الدولة)، وكذلك في الجهاد تتجلى فكرة الجماعية كأعظم ما تتجلى. وهذا كله يؤكد أن الجماعية هي فلسفة الإسلام الكبرى ومبدؤه الخالد. ثالثاً- أنه تمثُّلٌ لتجربة النبي صلى الله عليه وسلم: فتجربة النبي -صلى الله عليه وسلم- هي تجربة عمل إسلامي جماعي منظّم، ولا يماري في ذلك ممارٍ. ولنقرأ في سيرة النبي لنرى تخطيطه صلى الله عليه وسلم، وجماعيته في هذا التخطيط، وتوزيعه للأدوار، ومراعاته للمراحل. ووصل الأمر ببعض الباحثين في سيرة النبي إلى أن يكتب في تاريخه صلى الله عليه وسلم؛ ليكون هادياً للحركة الإسلامية في كل صغيرة وكبيرة، باعتبار تطابق التجربتين في كونهما عملين جماعيين منظمين لنصرة دين الله. هذا الباحث هو الدكتور منير الغضبان وكتابه هو (المنهج الحركي للسيرة النبوية). رابعاً- أنه الطريقة التي نُحّي المنهج الإسلامي بها، وبالتالي فلن يعود إلا بها: وهذه وجهة نظر عقلية منطقية، ترى أن الإسلام لم يغيّب عن واقعنا إلا بعمل جماعي منظم من أعدائه، ولنقرأ في ذلك عن التخطيط للمستعمر الأجنبي، وتوزيع الأدوار، وكذلك الحركة الصهيونية وتنظيمها العالمي، وتحركاتها عبر المراحل الزمنية المختلفة، وإدارتها للشأن العالمي بكل أبعاده من أجل تحقيق غايتها في إقامة وطن قومي لليهود على أرض فلسطين. وما أُخذ بالجماعية والتنظيم فلن يعود إلا بجماعية وتنظيم. خامساً- وحدة الرؤية ووحدة التوجه ووحدة القيادة:وهذا من أكبر مميزات العمل الجماعي المنظم، فالعمل الجماعي له قيادة واحدة، تجعل اتجاهه واحداً، ورؤيته واحدة، في حين أن باقي التيارات الإسلامية غير المنظمة، لا تعرف لها رأساً واحداً، بل رؤوساً كثيرة متعارضة ومتطاحنة في كثير من الأحيان، وبالتالي فلا رؤية موحدة، بل رؤى عديدة تتضارب وتتعادى ويرمي بعضها بعضاً بالفسوق والمروق. سادساً- انضباط أبنائه واعتصامهم بعيداً عن تيارات التطرف والتكفير: ميزة كبيرة لأبناء العمل الإسلامي المنظم، الذي يعود أبناؤه في كل ما يجدّ لهم إلى قيادتهم التي توجههم وتعصمهم من شاذ الآراء والتوجهات التي أودت بكثير من شباب التيار الإسلامي غير المنظّم إلى أتون التكفير والعنف، وكم من القضايا التي عرضت للشباب، وكانوا كشباب يميلون إلى الغلظة فيها والتطرف في رؤيتها لولا قيادتهم التي أخذت بأيديهم إلى بر النجاة. سابعاً- التخصص والتنوع:وهذا من حسن التدبير والتخطيط الذي لا يكون إلا في العمل الجماعي المنظم، فالتنظيم يبحث دائماً عن موطئ قدم له في كل مجال، وبالتالي فهو يسعى إلى حسن توظيف أبنائه، بحيث يجعل منهم رجالاً في كل مكان وفي كل تخصص، وغدت بذلك الحركة الإسلامية المنظمة حركة غنية بأبنائها المتخصصين في شتى المجالات، والتي تستطيع بهم إدارة بلد، بل وإدارة أمة، إذا حانت تلك اللحظة الموعودة، وانتفت الموانع والعوائق. ثامناً- ثمرته الملحوظة لكل ذي عينين:فالناظر للعمل الجماعي المنظم في كل البلاد العربية والإسلامية، سيجد إن أنصف نتاجاً عظيماً، وثمرة نضجت بفضل الله واستوت على سوقها تعجب الزرّاع وتغيظ الكفار. فلقد غدت الحركة الإسلامية المنظمة هي المعادلة الصعبة في كل مكان وكل قضية. وغدا أعداء الإسلام لا يرون سواها مزعجاً ومنغصّاً، ودليلي على ذلك أن الأنظمة الحاكمة تفرغت بكل ما أوتيت لحرب هذه الحركة المنظمة، في حين أنها لم تلتفت أبداً إلى التيارات غير المنظمة، بل وساعدت بعضها على الانتشار في بعض الأماكن وبعض الأوقات للتضييق على الحركة المنظمة وضربها بتيار إسلامي آخر. تاسعاً- شهادة الأعداء له:فلقد كتب الكثيرون من أعداء الإسلام وصحوته المباركة عن تلك الحركة الجماعية المنظمة، على أنها الخطر الذي يهدد العالم، ومشرعه الحديث، وعولمته الوليدة. واقرأوا إن شئتم ما قاله قادة أوروبا والولايات المتحدة وإسرائيل عن الإخوان ومشروعهم وخطرهم. وهذا من أعظم الأوسمة للحركة الجماعية المنظمة، الذي يؤكد عِظم دورها وشأنها.

مشاركة :