مئوية الثورة الروسية فبراير 1917

  • 1/2/2018
  • 00:00
  • 18
  • 0
  • 0
news-picture

هناك سياقات متعددة لكتابة التاريخ تظهر التطور المعرفي والارتقاء الترشيدي تجدها محكمة مرصوصة بأحداث قطعية من قرائن ودعائم. وعلى النقيض من ذلك ترى مسارات مخالفة أصابها الجمود وغلب عليها التقليد والتكرار، لم تستفد من فيض ما يطرح من إسهامات، بل ظلت تموج بأشكال لا تعطي مضموناً صحيحاً. لكنها جعلت منها حقيقية واقعة لا تحتاج إلى مزيد، وكأنها بذلك تدعو إلى إغلاق باب الاجتهاد إذا صح القول. وقد تجلى ذلك واضحاً وضمن هذا المسلم في ما يكتب حالياً عن مئوية الثورة الروسية عام 1917. ولا أقول هنا مردداً ثورة أكتوبر لأن ذلك العام قد حمل ثورتين وصفنا الثانية مجازاً بالثورة لكنها في الحقيقة كانت انقلاباً، كما سوف نفصِّله في سياقنا للموضوع. أما الأولى فهي الثورة الحقيقية التي كانت نتيجتها تنازل القيصر عن العرش ونهاية النظام الملكي وحكم سلالة رومانوف التي سادت 310 أعوام فكانت في فبراير عام 1917. كما أن الشهرين المارين (فبراير وأكتوبر) هما حسب التقويم الجولياني القديم الذي كان قائماً وقت ذاك في روسيا فقط، يقابلهما حسب التقويم الجريجوري المستخدم حاليا شهرا (مارس ونوفمبر)، وهو فخ يقع فيه من كتب عن الموضوع بالعربية. فتفسير النص مرهون بتاريخه، ولا يمكن الفصل في هذا المنحى إطلاقاً من دون التقيد بالمراحل الزمنية للترتيب التقويمي، وشرحها ما أمكن حتى ينضبط التسلسل التاريخي الدقيق للأحداث ضمن نسق موحد، وهو أمر لا يمكن تجاهله أو إغفاله.اختفى لينين من الوجود مدة تفوق ثلاثة أشهر قضاها في بولندا. إلى أن برز مرة أخرى من الخفاء ليلة الثورة 24/25 أكتوبر بملابس التنكر وباشر مهامه وكأن شيئاً لم يكن، في اليوم التالي أقر المؤتمر تسليم الحكم إلى مجلس السوفييت بدلاً من الحكومة المؤقتة وأعطيت المهام إلى البلاشفة فاحتلوا بدالة التلفون وشبكة إدارة الكهرباء ومركز البريد والبنك المركزي، وفي منتصف ليلة ذلك اليوم تقدمت البارجة «أرور» وألقت مرساها أمام القصر الشتوي، حيث كان مجلس الوزراء في اجتماع مستمر وعلى معرفة بما يجري قرر رئيس الوزراء المغادرة وكانت معظم السيارات قد توقفت عن العمل لنقص الوقود فاستعان بسيارة تعود إلى السفارة الأميركية ترافقها أخرى ترفع العلم الأميركي.انتصار البلاشفةغداة ذلك اليوم بدا نجم تروسكي بالصعود، بعدما انتخب رئيس مجلس سوفيت بيتروغراد فحصل البلاشفة على أصوات الأغلبية وكان لباسهم من الجلد الأسود الذي أصبح علامتهم الفارقة، وقد خطب تروسكي معلناً «أن ثورة روسيا أصبحت مثل الثورة الفرنسية حينما نصب اليعاقبة المقاصل». قدرت أعداد البلاشفة ومؤيديهم في بتروغراد بالإضافة إلى بعض الجنود والبحارة الفارين بـ 50 ألف مسلح.وقد توقع ذلك أرثر رانسون مراسل جريدتي ديلي نيوز والأوبزيرفر في تقرير له بعد حضوره لآخر اجتماعات مجلس سوفييت في 2 سبتمبر 1917 «ان البلاشفة يجهزون على الأوضاع ويأججونها».أما السفير البريطاني السير جورج بوكانان الذي حضر أيضاً جزءا من اجتماع «الكونغرس» فقد كتب: «إن البلاشفة وعلى الرغم من ضآلة نسبتهم كانوا متماسكين ولديهم خطة وبرنامج سياسي. وإذا لم يكن لدى الحكومة (المؤقتة) تركيز لضبط تحرك البلاشفة فإن النتيجة ستكون لمصلحة البلاشفة».أما مندوب الصليب الأحممر الأميركي ريموند روبنز: فيضيف «على الرغم من إمكانية كيرنسكي (رئيس وزراء الحكومة المؤقتة)، الخطابية. فإن شخصية وكريزما تروسكي وحسن قيادته للبلاشفة قد لعبت دوراً كبيراً لاستمالة الحاضرين».على اثر ذلك التحول اتصل السفير البريطاني بسفراء الولايات المتحدة وفرنسا وإيطاليا داعيا إلى اجتماع لم يحضره السفير الأميركي ديفيد فرانسس برئيس الحكومة المؤقتة كيرنسكي وإخطاره بضرورة تكريس كل إمكاناته على استمرار الحرب، والسيطرة على الأوضاع الداخلية وزيادة إنتاج المصانع وحفظ الانضباط والنظام لدى قوات الجيش والأمن الداخلي. وحينما حاول السفير قراءة مسودة الإعلان قاطعه كيرنسكي رافعاً ذراعيه قائلاً: «ولقد نسيت أن روسيا قوة عظمى» فوجد السفير أن هذا التصرف بلمسات نابليونية لا يستحق الرد. لكن الدبلوماسي الفرنسي لويس دي روبين علق على ذلك بحذاقة: «لقد رفض القيصر سماع نصيحة السير جورج في موقف مشابه، وبعد عدة أسابيع لاحقة فقد عرشه».كانت حكومة كيرنسكي المؤقتة الثالثة ساقطة فالتقطها تروسكي للبلاشفة من خلال ترؤسهم جلسة المؤتمر في 24 أكتوبر 1917 بعد انسحاب الآخرين.. ليصبح رئيساً فانتقلت القوة والحكم من دون منازع، عند ذلك فأعلن لينين انتصار البلشفي ليلة 26/27 أكتوبر(التقويم الجولياني) 7/8 نوفمبر (التقويم الجريجوري). وبدأ فصل جديد.القطار الألماني المختومعاد لينين من منفاه في سويسرا مساء 16 ابريل 1917 بعد أن قام برحلته الشهيرة في «قطار ألماني مختوم» مع زوجته وعشيقته وبعض رفاقه عبر المانيا، حيث تنقل خلال 15 عاما في أقطار أوروبية مختلفة كفرنسا وبريطانيا وفنلندا ثم استقر أخيراً في زوريخ بسويسرا، حيث أصبح خلال تلك الفترة عضواً بارزاً في حزب العمال الديموقراطي الاشتراكي، الذي تأسس عام 1898 في منيسك، في عام 1902 كتب عدة اعمال ومن ضمنها: ماذا يمكن أن نفعل؟ واصدار نشرة الحزب «اسكارا» الشرارة، وعلى الرغم من محظورية تداولها في روسيا فقد كانت تصل باستمرار لمتابعيها من الأطياف الاشتراكية، ولكن خلال تلك الفترة ابتدأت خلافات ايديولوجية عميقة بين كوادر الحزب أدت إلى انشطاره خلال انعقاد المؤتمر الثاني بلندن عام 1903 إلى مجموعتين بولشفيك وتعني الأغلبية، ومنشفيك أي الأقلية. في عام 1912 تقلد لينين قيادة مجموعة البولشفيك وأسس حزبا منفصلا بعد مؤتمر الحزب الأصلي في لندن. وحينما بدأت الحرب العالمية الأولى في صيف 1914 أخذ حزبه يشجع أفراد القوات المسلحة الروسية على الثورة وأن يحولوا جهودهم إلى انتفاضة اشتراكية عالمية.الوصول والإقامة في القصريذكر مراسل الصحيفة الفرنسية «لابيتيت باريسيان» في بيتروغراد كشاهد عيان في تدويناته عن حوادث ثورة فبراير 1917 عامة، ووصول لينين اليها من المنفى: «إن الشعور العام في العاصمة ينبئ بعدم الثقة بلينين لانه كان يدعو لإيقاف الحرب ضد ألمانيا – قد وصلت إلى درجة الاشمئزاز وعدم الراحة وان كانت دعوته تلك تلاقي بعض القبول من الفارين من الخدمة في الجيش، مما دعاه إلى تخفيف نبرة المطالبة وعدم الظهور ما أمكن بالمناسبات، لذا طغى وصف (الانهزامي) عليه بين العامة. ولكن هذا لم يمنع مجموعته من الاستيلاء على قصر راقصة البالية وعشيقة القيصر ماتيلدا كيشينسكيا ليصبح مركز الحزب ومحل إقامة لينين. لقد أعادوا تصرفات رعاع الثورة الفرنسية إلى الوجود ثانية.وبدأت الانتقادات تنهال عليه من كل جانب.وكشف تورطه في أمور كثيرة عندما نشرت الحكومة المؤقتة وثائق تدين لينين بتعاونه مع ألمانيا.حول هذا التعاون لم يكن وليد ساعته، فقد كان القنصل الألماني في بيرن يقدم مساعدات مالية إلى لينين ورفاقه منذ سبتمبر 1915، وحتماً قبلها لنشاطهم ضد استمرار الحرب وإيقافها على جميع الجبهات الروسية – الألمانية. كما بات معروفاً، وإن اختلفت أطراف كثيرة تجاه هذا الموقف، إلا  أن البلاشفة يعتبرون أن إصرارهم على سلوك طريق الصلح قد أوقف ألمانيا عن احتلال عاصمة روسيا  أنذاك بتروغراد.لقد كان لينين متشوقاً إلى العودة بعد أن زالت مخاوفه وكوابيس السجن والنفي التي عاشها إبان الحكم القيصري بزواله في 2 مارس 1917. فتدخل وسطاء كثيرون لتحقيق تلك الغاية في توفير الطريق الوحيد والآمن عبر ألمانيا وجرى سعي حثيث بإشراف شخصي من الإمبراطور الألماني ويلهيلم الثاني. وكان طلب لينين أن يكون القطار غير خاضع للقوانين الألمانية خلال رحلة العبور حتى أطلق عليه «القطار المختوم» لسريته. كما لعب السفير الألماني في الدنمارك من خلال وزارة الخارجية الألمانية ترتيب الأمور التي استمرت بين أخذ ورد من 6 مارس حتى أبريل ولينين على أحر من الجمر منتظراً الفرج الذي جاءت بشائره خلال تلك المدة انتشرت رائحة الخبر وتناقله الصحافيون في زوريخ وتداوله رواد المقاهي التي كانت تعج باللاجئين السياسيين من مختلف الفئات. وكان جواب لينين ماكراً مثل صاحبه: «لم يسأل أحد الألمان المساعدة ولكن هناك مصالح عابرة مشتركة وسوف نوصف بالغباء إذا لم نستغلها».رحلة النضالوأخيراً، تجمعت في قاعة فندق بوسط زوريخ في الساعة الحادية عشرة صباح يوم الإثنين 27 مارس/ 29 أبريل مجموعة يتقدمها لينين وزوجته ناديا وعشيقته  انيسا يصحبهم حوالي ثلاثين رفيقاً وعوائلهم سلمت اسماؤهم  كمسافرين في طريق العودة المنتظرة، وكانت في وداعهم بالمحطة مجموعة من الحانقين الغاضبين الذين تعالت هتافاتهم بالسب والشتم وعبارات «الخونة» «جواسيس الألمان» «خنازير» «مزورون»، ولافتة كتب عليها «العار لقابضي ذهب الكايزر الألماني» إلى أن تحرك القطار في تمام الثالثة وعشر دقائق مساءً تصحبه عبارات الإهانة وأصوات الشماتة في رحلة قد تمتد أسبوعاً، وقد حاول صحافي ألماني الركوب معهم ولكن لينين منعه شخصياً من ذلك.قطعت الرحلة مسافة ألفي ميل استغرقت ثمانية أيام من زوريخ  بسويسرا عبر ألمانيا من أقصى جنوبها إلى نهاية شمالها مرت خلالها بمدن فرانكفورت، برلين، ميناء سازن إلى السويد وتوقفت في استوكهولم لمدة يوم واحد، حيث اشترى لينين من أفخم متاجرها ملابس العودة وبعدها حدود فنلندا ثم الحدود الروسية إلى بيتروغراد، حيث صادف يوم الإثنين عيد الشكر (ايستر) 17 أبريل/ 3 أبريل وكانت الساعة تشير إلى الحادية عشرة وعشر دقائق ليلاً، ولم يكن لينين قد ذاق طعم النوم لمدة ليلتين متتاليتين، لأنه كان يعيش على أعصابه لا يدري ما يخبئ له الغد ومنها إلى قصر عشيقة القيصر وراقصة البالية المشهورة ماتيلدا كاشيسنسكايا، وكان من أجمل مباني المدينة وأفخمها أثاثاً ورياشاً اتخذه البلاشفة الكادحون مقراً لهم.فكانت رحلة النضال من فاقة المنفى إلى قصر البالارينا.فبراير 1917 الثورة الروسيةوصلت أخبار الثورة إلى لينين الذي كان مقيماً في زوريخ بسويسرا ظهر يوم 2 مارس من خلال أحد رفاقه من أعضاء الحزب، فكان رد لينين الفوري: لقد سمعنا مثل هذا الخبر مراراً.. إنها دعاية ألمانية!!ولكنه علم لاحقاً بتشكيل حكومة مؤقتة، ولم يكن قد عرف بعد بتنازل القيصر عن العرش، وكما كان الحال عام 1905 حينما وصلت الأمور إلى حافة الانفجار لم يكن لينين قد سمع عنها أو لعب دوراً في تكوينها أو إشعالها، وينطبق هذا الأمر على جميع الأحزاب أو القوى السياسية الراديكالية في روسيا أو خارجها، وهو ما يؤيده قول أحد زعمائها سيرجي ميتسشالفسكي أحد قادة حركة الاشتراكيين الثوريين: «كنا نياماً مثل البكارى الغبيات، كما يقول الكتاب المقدس، فحقيقة الأمر أن تحقيقها (الثورة) خارج نشاط المجموعات الثورية التي كانت متخمرة بعصيرها، إن جميع الحركات الاشتراكية جميعها مفلسة» راجع كتاب لينين الدكتاتور ص 269. أما بالنسبة إلى الحركة البلشفية، فإن زعماء الحركة وعلى رأسهم لينين فقد كانوا في المنافي أو الخفاء بعيدين عما كان يحصل سواء في العاصمة بتروغراد أو موسكو لا أثر ولا تأثير لهم عن ما كان يدور.لقد كان في روسيا منذ عام 1902 عدد قد يبلغ الألف مما يطلق عليهم «بالثوريين المحترفين» الذين يحملون أسماء مستعارة ويتابعون المنشورات السرية ويعيشون في حالة ضنكة يقوّمهم من ليس بالضروري من مؤيدي أفكارهم ولكن نكاية وضدية إزاء الحكم القيصري الذي يكرهونه أكثر من كراهيتهم لخطورة الأفكار الثورية وتسلطها على روسيا، وكان شعارهم ملازمة السرية القصوى، وهي السياسة التي تبناها لينين في كل الأوقات، نائياً بالا يقع في قبضة السلطة، واسيراً لعقدة الخوف منها.لقد كان زاد الثورة وعتادها هو الجوع، فقد ارتفعت المواد الغذائية بين صيف 1914 ويناير 1917 خمسمئة في المئة، فأسعار الخبز كانت 4 روبلات للكيلوغرام فأصبحت 400 روبل إن وجدت، وزادت طوابير الانتظار طولاً وعدداً أمام المخابز ودكاكين الأغذية تمتد طولاً كلما امتدت فصول الحرب، فالغذاء يرسل إلى الجبهات التي انهكتها الهزائم، ويحارب فيها 15 مليون جندي. بالإضافة إلى قلة إنتاج الزراعة بنفس النسبة، فعامة الجيش من الفلاحين الذين تركوا الفلاحة إلى ساحات القتال، فقل الإنتاج وجاعت المدن وتركت النساء أعمالهن لأجل إطعام أطفالهن، وأصبح معدل الانتظار في طوابير الطعام يشغل النهار كله وقل الإنتاج وزادت أسعار الأدوية إلى أرقام لا يستطيع فيها المواطن العادي توفيرها وفرضت ظروف الحرب تحولات مجتمعية غير معهودة، وظهرت حالات لم تكن معروفة كالانتحار الذي تزايدت نسبته أربعة أضعاف وابتدأت نسبة هروب المجندين بحوالي 25% وكانت كلمة الثورة على كل لسان وأصبحت النقمة عامة والغضب مستطيراً ليس نحو الحكومة، بل كان خاصاً للقيصر، وقد ذكر تقرير قدم إلى وزير الداخلية بروتولوفوف في نهاية عام 1916 قدمته مديرية الأمن العام (أوكرانا) عن خطورة الموقف مع العلم بأن تلك الأجهزة مشهورة بصحتها ما حدا برئيس الوزراء سيرجي ويت أن يصف الامبراطورية:«بدولة بوليسية متميزة» فقد خلقت تلك الحالة أجهزة قمعية لاقتلاع أي تمرد بكل أشكاله.ضحايا الحروبأما الأجواء السياسية قد تلبدت بغيوم منذرة ببداية الثورة، ولم يكن حتى الطقس رحيماً، فشتاء 1916 – 1917 كان قاسياً أكثر من العادة، وغدت شوارع العاصمة بتروغراد معفرة بالثلوج وتجمدت مياه قنواتها بجليد لا مفكة منه، وأصبحت مشاهد الطوابير الطويلة من الأجسام المرتجفة الجائعة لقضاء كل أيامهم لاقتناص رغيف خبز يملأ جوفها هكذا تفعل الحروب بضحاياها وهي مشتعلة لعامها الثالث ولا أثر في الأفق للخلاص. كانت تلك المشاهد البائسة يراها عميد السلك الدبلوماسي في العاصمة الروسية السير جورج بوكنان كل يوم في طريقه إلى عمله، وكان قد سجل ذلك في دفتر يومياته بنوفمبر 1916 وهو يرى الأمور تزداد تعقيداً يوما بعد يوم، فكتب: «ان الجو ملبد وينذر بالكارثة ولابد من عمل ما». لقد عرف السفير بعلاقته مع القصر الملكي الروسي، فزوجة القيصر حفيدة الملكة فيكتوريا، فقرر مقابلة القيصر محاولاً ابداء النصح، فيتم له ذلك يوم 30 ديسمبر 1916 في المقر الملكي الريفي الذي يبعد من العاصمة 15 ميلاً. استقبله القيصر واقفاً وقضى معه نصف ساعة محاولاً أن يقنعه بمنح شعبه بعض التنازلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية قبل فوات الأوان، وعلى ضوء ما يراه، فكانت إجابة القيصر مختصرة فجة «إنك تبالغ كثيرا». فغادر السفير وعلامات الفزع على وجهه. وهو يرى الخطر قادماً، وبعد بضعة أسابيع انتهى حكم قياصرة سلالة الرومانوف إلى الأبد بعد حكم دام ستمئة عام. فقد تنازل القيصر نيقولا الثاني عن العرش في 2 مارس 1917). بعد مقابلة السفير البريطاني بشهرين فقط.المسيرة والثورةابتدأت ثورة فبراير / مارس اثر مسيرة قامت بها النساء بمناسبة اليوم العالمي للمرأة المصادف 23 فبراير (التقويم الجولياني) 8 مارس، وامتدت التظاهرات بما اسموه ثورة الخبز في 10 منه، حينما انضم سكان العاصمة بتروغراد تضامناً لما سبق اليوم الماضي. عندما اطلقت قوات الأمن والشرطة النار على المتظاهرين مما أدى إلى ضحايا كثرين من المشاركين، وإلى أن ينضم في اليوم التالي جموع من عمال المصانع وطلبة الكليات والمعاهد الدراسية، كما ابتدأت مجموعات من قوات الجيش بالانضمام إلى مواكب الاحتجاجات. وحينما علم القيصر بما حصل أمر بالقضاء على أعمال التمرد باقسى ما يمكن، ما دعا الحاكم العسكري للعاصمة إنذار المتظاهرين بانه سوف توضع المدافع الرشاشة مستعدة للضرب في مواقع قرب المباني الحكومية والقصور الملكية. فكانت ردود الفعل يوم 11 مارس / 25 فبراير الذي صادف يوم الأحد خروج الجموع حاملة الأعلام واليافطات مستعدة لعمل ما هو أكثر وأعنف، محذرة من خطورة ما هو قادم. ازاء تلك التحولات السريعة لم يبق أمام القيصر إلا اللجوء الى قيادة الجيش لانقاذ موقفه، لكنه فوجئ باجتماع آراء القيادة العليا على تنازله عن العرش والتخلي عن المسؤولية لمن هو أجدر. فكان لهم ما أرادوا فتنحى الى أخيه، لان ابنه الصغير لم يكن بصحة جيدة، فرفض الاخ العرش وانتهى حكم اسرته، وكان ذلك في 14 مارس (1 مارس بالتقويم الجولياني) وكان القيصر قد احتفل بمرور 300 عام لحكم الرومانوف في 6 مارس 1913. لقد كانت تلك النهاية نتيجة اتفاق غير متوقع بين انتفاضة طبقة فقيرة مسحوقة وبين كبار سياسي والقادة العسكريين ولا دخل للحركات والتنظيمات السياسية فيها، بل بسبب تراكمات امتدت طول حكم القيصر الاخير تخللتها احداث داخلية عنيفة وحروب اقليمية وعالمية مؤثرة على جميع مستويات الشعب، مما أدى الى ان يكون متوسط الاعمار في روسيا 29 سنة، بينما كان في بقية اوروبا ضعفه. تلك الاختلالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي بذرت جذور منشأ الثورة مروراً عبر فترة عقدين منذ بزوغ القرن العشرين، حينما اندلعت خلالها الحرب الروسية – اليابانية 1904 – 1905، التي انتهت بهزيمة نكراء لروسيا وتحطيم قوتها البحرية بكاملها، كما خلفت حركات العصيان في ما بقي منها ثم صيف 1905 والثورة الاولى التي أدت الى تراجع القيصر باعلان بيان الدوافع كمجلس الدوما تلتها فترة قصيرة من الاستقرار خلفت اعلان الحرب العالمية الاولى 1914 – 1918، وما استعرضناه الا بعضها. تغيير التقويم غير لينين تقويم روسيا من الجولياني إلى الجريجوري في 14 فبراير 1918.

مشاركة :