نفوذ العسكريين في السياسة الخارجية الأمريكية

  • 1/3/2018
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

تريفور ثرول* حذر الآباء المؤسسون للولايات المتحدة، بحكمتهم المعهودة، من مخاطر وجود جيوش نظامية دائمة، وقرروا أن القادة المدنيين، وليس العسكريين، هم الذين يملكون السلطة العليا لتقرير حجم، وتكوين، واستخدام القوات المسلحة الأمريكية. كان تفكيرهم بسيطاً: من دون سيطرة المدنيين على الجيش، لن يكون هناك وقاية من انقلاب عسكري أو ديكتاتورية عسكرية. ولكن السلطة المدنية يجب ألا تتوقف عند مجرد السيطرة على القوات المسلحة؛ إذ يجب أن يمارس المسؤولون المدنيون قيادة وإدارة فعليتين لمجمل جوانب السياسة الخارجية الأمريكية، من جمع المعلومات الاستخباراتية، وعقد التحالفات، وبيع الأسلحة، والتعامل مع الأزمات الدبلوماسية. والأهم من كل ذلك قرار الحرب. والقول القديم بأن «الحرب أخطر من أن تترك للعسكريين» يبقى صحيحاً. والقادة المدنيون لديهم دوافع مؤسساتية لكي يحددوا سياسة خارجية فاعلة على أساس جميع الاعتبارات. أما القادة العسكريون، فمهما يكونوا مطلعين ومتفانين، فإنهم يتصرفون وفقاً لقواعد مهنتهم. ومداخلاتهم في المسائل العسكرية حيوية، ولكنها ليست كافية. وحيث إنهم معتادون على النظر إلى كل مسألة من منظور عسكري، فهم ليسوا مؤهلين للحكم سياسياً على المسائل التي تواجه الدولة في ديمقراطية ليبرالية. واليوم، تواجه الولايات المتحدة مشكلة. فمنذ أن تولى دونالد ترامب الرئاسة، لم يكن يتقيد بمبدأ السيطرة المدنية. ومنذ أيام حملته الانتخابية، أعطى إشارات على نزعة عسكرية. والعسكريون الذين عينهم في مناصب عليا، مثل الجنرال المتقاعد هربرت مكماستر (مستشار الأمن القومي)، والجنرال المتقاعد جون كيلي (وزير الأمن الداخلي في البداية ثم كبير مستشاري البيت الأبيض)، والجنرال المتقاعد جيمس ماتيس (وزير الدفاع)، جميعهم أشخاص مؤهلون وبارعون، ولكن تولي قادة عسكريين مسؤوليات البنتاجون (وزارة الدفاع) ومجلس الأمن القومي جعل الميزان يميل لصالح العسكريين، ما جعل وجهات النظر العسكرية ذات تأثير فعال في الشؤون الدولية. غير أن الدليل الحقيقي على فقدان السيطرة المدنية على السياسة الخارجية كان تخلي ترامب عن الدبلوماسية. فقد اختار ريكس تيلرسون، الرجل الذي لم يلتقِهِ أبداً من قبل، والذي اتضح أنه لا يثق به حقاً، ليكون وزيراً للخارجية. ولكن ترامب لم يلبث أن حول تيلرسون من كبير مستشاريه لشؤون السياسة الخارجية إلى مشرف على إجراء تغييرات جذرية في وزارة الخارجية. وخطة تيلرسون لإعادة تنظيم وزارة الخارجية وتحجيم دورها دفعت كثيرين من أفضل العقول في الوزارة إلى الاستقالة أو التقاعد. وحتى الآن، لم يتم تعيين مسؤولين كبار جدد في مناصب عديدة في وزارة الخارجية. وهذا لا يعكس فقط عدم اهتمام ترامب بالدبلوماسية، وإنما يقوض أيضاً مبدأ السيطرة المدنية على السياسة الخارجية. وليس من المؤكد حتى أن ترامب يعتقد أنه يحتاج إلى وزارة خارجية. فعندما حاول تيلرسون في أواخر سبتمبر/ أيلول تشجيع كوريا الشمالية على التفاوض، نسف ترامب مسعاه من خلال تغريدتين متناقضتين عبر تويتر: أولاً، «أبلغتُ ريكس تيلرسون، وزير خارجيتنا الرائع، بأنه يضيع وقته في محاولة التفاوض مع رجل الصواريخ الصغير» ( الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ - أون )، وثانياً، «وفر جهودك وطاقتك يا ريكس. فنحن سنفعل ما يجب عمله» (في تهديد ضمني بعمل عسكري). والمضامين واضحة: ترامب لا يعتقد أن تيلرسون ووزارة الخارجية هما جزء من الحل. بل هو لا يعتقد أيضاً أن تيلرسون هو عنصر فاعل في قيادة الأمن القومي في إدارته. وإنه لمن الصعب تصور أن يكون أي رئيس أمريكي سابق قد قال «نحن» في مسألة سياسة خارجية من دون أن يكون وزير الخارجية جزءاً من «نحن». إن زوال سلطة الدبلوماسية وما تقتضيه من حوار والتزام، وفقدان السيطرة المدنية، وإظهار نزعة عسكرية، كل ذلك يعرض أمريكا لخطر جسيم. وفي أوائل ديسمبر/كانون الأول، حذر أحد كبار الجنرالات في الإدارة الأمريكية، هو مستشار الأمن القومي الجنرال هربرت مكماستر، من أن احتمال حرب مع كوريا الشمالية يزداد كل يوم، وأنه «لم يتبقَّ وقت كافٍ» لمنع ذلك. عندما تولى ترامب منصبه، كان كثيرون يأملون في أن يتمكن «راشدون يتحلون بالمسؤولية» من تليين السياسة الخارجية الأمريكية. ولكن من دون قيادة مدنية أكثر فاعلية، تبدو آفاق سياسة خارجية أمريكية حكيمة قاتمة. *كبير باحثين في دائرة الدفاع والسياسة الخارجية في معهد «كاتو» للدراسات في واشنطن موقع معهد «كاتو»

مشاركة :