لا شك في أن نفوذ إيران زاد في الخارج، إثر الفراغ السياسي في الشرق الأوسط. ففي 2003، أطاح الأميركيون حكومة العراق، وملأت طهران فراغ السلطة هناك. وساهمت انتفاضات 2011 في العالم العربي، في انهيار الحكومات المركزية في دول مثل سورية إلى حد ما، واليمن. وعلى رغم أن نفوذ إيران تمدد في الشرق الأوسط، أغفل الأميركيون أن الخيبات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية كانت تتعاظم في الداخل الإيراني. وما يؤجج الاحتجاجات اليوم في إيران هو خليط من ارتفاع كلفة المعيشة والفساد والقمع. وأعتقد أن المتظاهرين هم ممن انتخب الرئيس حسن روحاني، ليس محبةً به، بل لأنه الخيار الأقل سوءاً. لذا، تتعذر على روحاني الدعوة إلى قمعهم والانقضاض عليهم. وما يبعث على القلق هو قول بعض الإيرانيين إن «الحرس الثوري» يغض النظر عن الاحتجاجات وينتظر تعاظمها ذريعةً لقمعها وتعزيز قبضته على البلاد. والمحتجون من غير قائد، وهم غير منظمين وغير مسلحين، على خلاف الحرس الثوري وميليشا الباسيج المدججة بالسلاح والمنظمة على أمثل وجه. و «الحرس» له باع طويل في القمع والسيطرة على الجموع. وهم خبراء في هذا المجال، وبارعون فيه. فهم لا يعتمدون على أجهزة القمع الإيرانية فحسب، بل على ميليشيات دربوها في العقود الماضية، مثل «حزب الله» في لبنان. ويعد «الحرس» ميليشيات أفغانية وباكستانية للقتال في سورية. وإذا شعروا بأن الاعتماد على الإيرانيين متعذر في قمع أبناء بلدهم، لجأوا إلى المرتزقة الشيعة. والإيرانيون دعموا الاتفاق النووي. فطموح المجتمع الإيراني هو محاكاة كوريا الجنوبية وليس كوريا الشمالية. والثورات أو الانتفاضات تندلع حين ترتفع توقعات الناس، ثم تخيب وتصطدم بالواقع. وهذا ما خلص اليه كراين برينتون في كتاب عن الثورات. وفي التظاهرات لم أسمع أي شعار يندد بالعقوبات أو بأميركا أو بدونالد ترامب. فالشعارات كلها تندد بالقيادة الإيرانية والفساد وسوء الإدارة. وأغفل المراقبون أن الناس يكابدون خيبات يومية. وكثُر من الصحافيين يقرأون تغريدات محمد جواد ظريف، وزير الخارجية، القائلة إن الإيرانيين كلهم يدعمون الحرس الثوري ويعارضون السياسة الأميركية. وهذا في بلد عدد سكانه 80 مليون نسمة، ومجتمعه متنوع. وكثر يكرهون النظام. وما تعلمناه في أميركا مفاده أن الإحصاءات والاستفتاءات كلها عجزت عن توقع فوز ترامب. واليوم، حريّ بنا الإقرار بتواضع قدرتنا على الحكم على الأمور والتنبؤ بمآلها. * باحث، عن «سلايت» الأميركي، 1/1/2018، إعداد منال نحاس
مشاركة :