أطراف عدة تريد من الصحيفة أن تكون ذيلا وتابعا ولا تنقل غير تصريحات الناطق الرسمي باسم قصر كذا العامر بصرف النظر عن أي شيء آخر.العرب طاهر علوان [نُشر في 2018/01/03، العدد: 10858، ص(18)] يعيش العالم على وقع قلق غريب وغير مألوف وخلاصته أن موارد هذا الكوكب لم تعد كافية لسكانه. بل إنك وأنت تمر بإحدى محطات مترو الأنفاق في العاصمة البلجيكية بروكسل وخلال توقف القطار لدقيقة أو دقيقتين ستكتشف المأساة الكونية في شكل لوحات متتابعة تظهر مثلا كيف أن الجليد القطبي قد بدأ يذوب عاما بعد عام منذ التسعينات حتى فقدت كتلة ضخمة من الجليد حجمها، وكان وزنها يبلغ الآلاف من الأطنان وتمتد لعدة كيلومترات. ثم تحولت إلى بقعة ثلجية صغيرة للغاية وقس على ذلك من علامات التبدلات والكوارث المناخية والارتفاع المتواصل في درجة حرارة الأرض. على صعيد آخر هنالك الرأسمالية المتضخمة والشرهة الأكولة لحقوق ملايين البشر الفقراء وهي تكمل مهمة الخراب الكوني. وبالطبع هنالك السياسات المتهورة والانتهازية وهنالك الصعود المتنامي لليمين المتطرف في العديد من عواصم العالم وهناك المجاعات والحروب الأهلية وهنالك حكام دكتاتوريون وآخرون متهورون وهنالك أنظمة شمولية. هذه المشاهد المتلاحقة صارت من المكونات الأساسية للحياة اليومية المعاصرة، وحيث لا فرار من الواقع المعيش على سطح الكوكب وأزماته. وفي كل يوم يجد الصحافيون وسائر العاملين في وسائل الإعلام، أنفسهم وجها لوجه مع هذه الأحداث والتطورات المتفاقمة فماذا عليهم أن يفعلوا؟ هل عليهم المرور عليها مرور الكرام بالكثير من اللامبالاة؟ بالطبع ستتحول تلك الأحداث إلى قصص صحافية يومية وتحقيقات إخبارية مكثفة. هنا سيثور من لديهم مصلحة في إبقاء الحال على ما هو عليه، أن يتفاقم خراب الكوكب بسبب التلوث وأن يزداد الفقراء فقرا ويزداد الأغنياء غنى وأن يعم العنف وتشتعل الصراعات وتزدهر سوق السلاح. وهنا أيضا سوف يُتهم الصحافيون ووسائل الإعلام بأنهم من يختلقون تلك القصص وأنهم من يفبركونها وأنهم الذين لا ينقلون الحقائق بل يبالغون فيها. يتكرر اتهام الصحافيين ووسائل الإعلام بالنقل غير الدقيق والفبركة وأما في البلدان الشمولية فيتم اتهام الصحافيين بأنهم يحملون أجندات مشبوهة وأنهم يعملون وفق تعليمات من جهات خارجية. حتى في أميركا واحة الحريات الإعلامية اتهم أكثر من رئيس من رؤسائها، الصحافة بأنها تفبرك الأخبار وتبالغ وتكذب. لقد أفضى هذا الواقع إلى إنتاج “قوائم صحافية سوداء” وصار هنالك صحافيون أعداء وأضحت صحف ومؤسسات إعلامية عدوة. تلك “الصحافة الخطرة” صارت في موضع اتهام وكأنها هي من تخلق الأزمات الكونية وهي التي تفتعل الكوارث والمصائب وهي من تزيد الفقر في العالم وهي من تشعل الصراعات. الصحافة والصحافيون الذين لا يعزفون على وتر الحاكم أو الرئيس أو النظام السياسي المعين ربما سيأتي يوم ونسمع عن صحافة مارقة ومغضوب عليها وتستحق أن يجري نبذها لأنها أولا غير صادقة وثانيا مزورة للحقائق وانتهازية. أطراف عدة تريد من الصحيفة أن تكون ذيلا وتابعا ولا تنقل غير تصريحات الناطق الرسمي باسم قصر كذا العامر بصرف النظر عن أي شيء آخر. تبدو الشمولية الإعلامية زاحفة مع هذا المشهد القاتم الذي يقدم صحافة مستقلة وناقدة وموضوعية في مقابل العودة إلى تلك الصحافة الذيلية والتابعة. هنالك من يرى الأمر أكثر قتامة باتجاه “مكارثية” صحافية تشمل كتاب الأعمدة والتحقيقات الجريئة والموضوعية. وكأنها عودة ونكوص عن المستوى قد وصلته الحريات الصحافية، وحرية التعبير التي ضحى من أجلها العشرات من الصحافيين. أزمات تتفاقم من حول العالم وإجراءات قاصرة عن إنقاذ ما يمكن إنقاذه وسياسات تمعن في تهميش دور الصحافة ووسائل الإعلام بل إنها تستعديها وتلقي جام غضبها على صانعي الأخبار بدعوى أنهم هم صانعو الأزمات بفبركة القصص وافتعال الأحداث مع أن أولئك الصحافيين يقدمون ما يتوصلون إليه بالصوت أحيانا. كاتب عراقيطاهر علوان
مشاركة :