عهد التميمي على العهد الفلسطينيّ طفلة بحجم الوطن

  • 1/3/2018
  • 00:00
  • 9
  • 0
  • 0
news-picture

بين متفائل ومتشائم بجيل الألفية الثالثة، يقف الفكر حائرا، وفي أحسن الأحوال «متشائلا». غير أن ما فعلته عهد التميمي (الأسبوع الماضي) سيجعلنا نفتخر بهذا الجيل الجديد، فهذه الفتاة الفلسطينية الشقراء التي شبت على مقاومة الاحتلال لقنت جنوده درسا لن ينساه، وردت كأجمل ما يكون على قرار الرئيس الأمريكي العنصري الأحادي الجانب باعتبار القدس عاصمة للكيان الصهيوني. نعم ردت بأن جيل الألفية الثالثة، جيل الهواتف الذكية، لن يترك القضية. فمن هي عهد التميمي؟ وما رمزيتها في المرحلة الراهنة؟  عهد من مواليد قرية النبي صالح في 30 مارس 2001، طالبة في المرحلة الثانوية الفرع الأدبي بمدرسة البيرة الثانوية للبنات، تحلم أن تدرس القانون لتدافع عن وطنها وأهلها وشعبها، شاركت منذ نعومة أظافرها، وتحديدا منذ بلوغها أربع سنوات، في جل المسيرات والفعاليات السلمية المناهضة للاحتلال ولم تتخل عن المشاركة في المسيرات الأسبوعية كل يوم جمعة في قرية النبي صالح التي تتعرض أراضيها للمصادرة لصالح مستوطنة «حلميش» الإسرائيلية. سطع نجم أيقونة المقاومة الفلسطينية، عهد التميمي، عندما ظهرت سنة 2012 في وسائل الإعلام وهي تهاجم أحد جنود الاحتلال وهو يعتدي على أخيها الطفل محمد (12 سنة آنذاك) في قرية النبي صالح غربي رام الله. ورغم قوة الجندي والسلاح المدجج به، لم يستطع الصمود في وجه الطفلة عهد، فاضطر إلى الانسحاب تاركا الطفل في حال سبيله. كما سبق هذا الفيديو موقف آخر موثق ومنشور لها وهي تحاول إنقاذ والدتها ناريمان التميمي من الاعتقال على أيدي الجنود الإسرائليين. واليوم يتكرر المشهد بعد سنوات قليلة، فالطفلة ازدادت نضجا وإصرارا ورفضا لوجود المحتل في قريتها، فما بالك بالقرب من سور بيتها، نعم ظهرت عهد التميمي في فيديو تناقلته وسائل الإعلام الإسرائيلية قبل العربية وهي تدفع جنديين ليبتعدا عن أسوار بيتها، بل وصفعتهما على وجهيهما لعدم اكتراثهما بطلبها ودفعتهما إلى الخروج من ساحة المنزل. مشهد الصفع هذا تصدر المشهد الإعلامي؛ لأن فيه إهانة إلى الجندي المدجج بالسلاح المتظاهر ببرودة الدم، ولأنه صدر عن فتاة أكدت في أكثر من تصريح أن «طريق تحرير فلسطين بحاجة إلى الدم، ويمكن أن أكون إحدى الشهيدات». أليس في صفع هذا الجندي رسالة من الداخل الفلسطيني، ممن يعيش النكبة تلو النكبة وهو يرى أراضيه تتجزأ، وزياتينه تقتطع وجدار الفصل العنصري يرتفع...، رسالة إلى القيادات الفلسطينية والقيادات العربية وقيادات العالم الحر، لمراجعة سياستها في التعامل مع العدو الإسرائيلي المغتصب لأرض فلسطين من أجل التعامل معه بشجاعة؟ شجاعة استمدتها عهد التميمي من الظروف التي عاشتها، فقد شاهدت أباها وهو يتعرض للضرب والتعنيف والاعتقال، فانخرطت على صغر سنها في المقاومة السلمية، إذ أسس والدها مكتبا إعلاميا لتوثيق جرائم الاحتلال ضد أهالي قرية النبي صالح عرف بـ«تميمي برس» وأصبحت تساعده في ذلك مع إخوتها وأمها، والعائلة كلها أعضاء في لجنة المقاومة الشعبية ضد الجدار والاستيطان التي تم تأسيسها عام 2009.  شجاعة عهد وبطولاتها جعلت العالم ينتبه إليها باحترام وتقدير متعاظم، خاصة بعد أن اعتقلتها القوات الإسرائيلية ليلة الثامن عشر من ديسمبر الماضي بعد أن داهمت البيت في ساعات متأخرة من الليل بعدد مهول من الجنود، وتم كذلك سرقة أجهزة الحاسوب والهواتف الذكية، وتم تمديد اعتقالها ولا تزال -حتى كتابة هذه الأسطر- رهن الاعتقال. كما تم اعتقال والدتها حين كانت في طريقها لمعرفة وضع ابنتها.  نعم، اليوم بدأ التكريم الحقيقي لعهد التميمي، صحيح أنها حصلت على جائزة حنظلة للشجاعة التي تمنحها بلدية «باشاك شهير» في تركيا على إثر موقفها في الدفاع المستميت عن أخيها حتى أنقذته من أيدي المحتل الغاصب، وصحيح أنه تم تكريمها بحضور رئيس الوزراء التركي آنذاك رجب طيب أردوغان (الرئيس التركي الحالي)، وصحيح أيضا أن اسمها ارتبط باسم المناضل والرسام الفلسطيني ناجي العلي، لكن الأصح أن تكريمها تم يوم اعتقالها، فهذا هو العرس الفلسطيني، نعم هو ذاك التكريم الحقيقي الذي يحلم به كل فلسطيني غنى يوما مع مارسيل خليفة: «إنا باقون على العهد»، وها هي عهد تبقى على العهد وتلقن هذا الزمن العربي العاثر درسا لن ينساه.

مشاركة :