أين حقوق الموظفين في لوائح الخدمة المدنية؟

  • 10/7/2014
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

يقال بأن الوظيفة الحكومية عبارة عن "حقوق وواجبات، فلكي يتمتع الموظف بحقوقه، لا بد أن يلتزم بالواجبات الوظيفية التي حددتها الأنظمة واللوائح" و"قد كفل نظام الخدمة المدنية ولوائحه التنفيذية للموظف حقوقاً مقابل أداء واجبات ومسؤوليات الوظيفة"، وعليه فإني أتساءل عن ماهية هذه الحقوق وطبيعتها في نظام الخدمة المدنية؟ يقول المختصون في مجال الخدمة المدنية، بأن الحقوق تستند على مبدأ الأجر مقابل العمل، و"أغلب هذه الحقوق تتسم بالطابع المادي" والمتمثلة في الراتب، والعلاوات، والبدلات، والتعويضات، والإجازات، والحقوق التقاعدية، وبالرجوع إلى لوائح الخدمة المدنية، نجد أن هناك لائحة باسم "لائحة الحقوق والمزايا المالية"، تتطرق بشكل مفصّل إلى تعريف المزايا المادية للموظف، وأسس وطرق تحديدها. وبناءً على ما سبق، يمكن القول إن لوائح الخدمة المدنية لم تتطرق إلى حقوق الموظفين المعنوية والنفسية والاجتماعية والبيئية، وإنما تطرقت فقط - كما ذكر آنفاً - إلى الحقوق المادية والتي تعد جزءا من حقوق الموظفين بشكل عام! الأمر الذي أدّى إلى وجود تشويش وخلط في الأمور المتعلقة بالحقوق في ميادين العمل الحكومي، مما ترتب على ذلك وجود غطرسة وجنون عظمة مستشرية على صعيد الإدارة، وصراعات مفسدة للأنظمة واللوائح، وادعاءات عبثية، ودعاوى قضائية في المحاكم الإدارية. وقبل الخوض في مناقشة الإشكالات المتعلقة بحقوق الموظفين، يجب في البداية توضيح الحقوق المعنوية والاجتماعية والبيئية، فالحقوق المعنوية تعني: أن يعامل الموظف "معاملة إنسانية دون تهميش أو تطفيش أو مضايقة أو اضطهاد، وللموظف العام حق التفكير والتطوير والإبداع في مجال عمله" بالإضافة إلى حق إبداء الرأي وحق الاعتراض والنقد، كما أن له أيضًا حق سلطة تنفيذ الأعمال المكلف بها دون غيره. أما الحقوق الاجتماعية فتعني: الأنشطة الاجتماعية خارج أوقات العمل الرسمي مثل المشاركة في الجمعيات الخيرية والنوادي الرياضية والثقافية والأدبية، أو العضوية والمشاركة في الهيئات المهنية. وبالنسبة للحقوق البيئية: فمن حق الموظف أن يعمل في بيئة عمل آمنة تتوافر فيها شروط الأمن والسلامة من المخاطر أو الإصابة بالأمراض والتلوث، بالإضافة إلى توافر النظافة والتكييف والإضاءة والتهوية المناسبة.. إلخ. وبناءً على ما تقدم، فإن تلك الحقوق غير موجودة في لوائح الخدمة المدنية سوى الحقوق المادية فقط، وهنا قد يعترض معترض ويقول بأن "لوائح الخدمة المدنية قد تضمنت تلك الحقوق ولكن بشكل غير مباشر، فعلى سبيل المثال: لائحة الواجبات الوظيفية تضمنت الاحترام المتبادل بين الرؤساء والمرؤوسين، وهذا يعد أحد أهم الحقوق المعنوية للموظف، وقد نجد الحقوق الأخرى أيضاً متفرقة في التعليمات والقرارات"! وأقول: إذا كانت الحقوق المادية للموظف التي تم النص عليها صراحةً في لوائح الخدمة المدنية، بل جعلت لها لوائح خاصة ومنفردة مثل: لائحة الترقيات ولائحة الإجازات ولائحة تقويم الأداء الوظيفي، قد انتهكت في بعض الجهات الحكومية فما بالنا بالحقوق التي لم يتم التطرق إليها. فلو اعترض الموظف على سبيل المثال على قرار إداري معين، وقدم شكوى إلى ديوان المظالم لإلغائه، فإنه في الغالب سوف يتعرض لعقوبات انتقامية من جهة عمله تتمثل في انتهاك حقوقه المادية مثل منع الإجازات أو حرمانه من العلاوة الإضافية ناهيك عن العقوبات المبطنة ضده، وهناك تجارب مريرة لموظفين تعرضوا لعقوبات قاسية بسبب إعلامهم لمن يهمه الأمر عن تجاوزات ومخالفات للأنظمة والقوانين، أو بسبب رفضهم لانتهاك القانون. وفي بعض الجهات الحكومية إذا أبدى الموظف رأياً معارضاً لرئيسه أو مديره الإداري عدوا ذلك مخالفة صريحة للمادة (11) من اللائحة التنفيذية لنظام الخدمة المدنية التي توجب على الموظف مراعاة أدب اللياقة في تصرفاته مع رؤسائه، وذلك لأن الامتثال لتوجيهات وتعليمات الرؤساء من أهم الواجبات التي تقع على عاتق الموظفين لما لهم من صلاحيات بحكم مسؤولياتهم الوظيفية! والممارسات السابقة تعد في العرف القضائي من ممارسات "التمييز في المعاملة"، وهو تدبير عدائي يتخذه الرئيس الإداري بسبب ميزات الموظف المحمية التي يكفلها القانون، وللأسف أصبحت الحقوق المادية وسيلة لانتهاك الحقوق المعنوية والاجتماعية والبيئية للموظفين، دون رادع أو مساءلة. ولا أبالغ إن قلت إننا إزاء قضية يلغو الموظفون حولها لغواً طائشاً بشيء من اللامبالاة، فالبعض يعتقد أن طاعة الرئيس واجبة في جميع الأحوال حتى ولو كانت غير نظامية، ولا يرون في مصادرة الآراء وانتهاك حقوق الموظفين والاستبداد الإداري على أنها غير قانونية، بل قد ينظرون إلى الموظف الذي يطالب بحقوقه ويتمسك بها بأنه موظف مشاكس ومشاغب ولا يحترم رؤساءه في العمل! يرون الواسطة والمحسوبية في التوظيف والتعامل، ويرون التمييز على أساس القبيلة أو المنطقة ويرون التحايل والتلاعب بالأنظمة والقوانين، ويرون المضايقات والتشديد الإداري التعسفي ضد الآخرين، فهم لا ينظرون إلى مثل هذه الممارسات بأنها غير قانونية، بل سليمة ومنطقية من هذه الناحية، وحتى الحقوق المادية يرونها ميزات وشرهات بيد الرئيس الإداري يوزعها على من يشاء ويرغب ومن يرتضيه من الموظفين! والبعض الآخر يصمت عن حقوقه الوظيفية خشية أن يتعرض لشيء من الانتقام. في بادرة جيدة لوزارة الصحة وإن كانت ينقصها الاعتماد النظامي من جهات الاختصاص، إلا أنها جديرة بالاهتمام، فقد وضعت إدارة خاصة لحقوق الموظفين من مهامها حفظ الحقوق المادية والمعنوية للموظف، ووضعت أيضاً دليلا عن هذه الحقوق وإن كانت في مجملها حقوقا مادية، ولكن يتطلب الأمر النظر في دراسة هذه التجربة والعمل على إيجاد لائحة تشتمل على جميع حقوق الموظفين بحيث تشمل الحقوق المعنوية والاجتماعية والبيئية والمادية، وتتضمن عقوبات رادعة على من ينتهكها باعتبارها نوعاً من التمييز في المعاملة، فكثير من الموظفين يخلطون الأمور ولا يعرفون حقوقهم وبالتالي لا يعرفون واجباتهم!

مشاركة :