هل إيران مقبلة على التغيير؟ أثارت الاحتجاجات التي تشهدها إيران والتي تدخل يومها السابع اهتمام المجتمع الدولي وطرحت فكرة "إمكانية التغيير" في الجمهورية الإسلامية. هذه الاحتجاجات تعدّ الأكبر منذ احتواء "الموجة الخضراء" في العام 2009. هذه الاحتجاجات تختلف مختلفة نوعا ما لأنها انطلقت في مدن جانبية وليس في العاصمة طهران، كما أنها ضمّت الطبقة العاملة والطبقة الفقيرة من المجتمع الإيراني بدل الطبقة الوسطى والنخبة المثقفة التي قادت مظاهرات العام 2009. ما يميّز هذه الاحتجاجات أيضا ظهور شعارات ثورية وبعيدة كلّ البعد عن الشعارات الإصلاحية. ولا يزال المراقبون للوضع في إيران لا يدركون حقيقة هذه الحركة الاحتجاجية وحقيقة بعدها وحجمها وقدرتها على الاستمرار وكذا التطلعات السياسة للمحتجين، لذلك فمن غير الممكن تقديم احكام مسبقة على نجاح هذه الاحتجاجات في الإطاحة بالنظام الإيراني أو قدرة الحكومة الإيرانية على مواجهة هذا التحدي واحتوائه. حماس الاحتجاجات الإيرانية ليس ببعيد عن حماس تجربة الانتفاضات العربية في العام 2001، والتي لم يتوقع البعض أنها قد تساهم في زوال بعض الأنظمة الراسخة منذ عقود مثلما حدث في تونس ومصر وتونس، ولكن ما هي الدروس التي يمكن استخلاصها من ثورات الربيع العربي في 2001 بالمقارنة مع ما يحدث في إيران؟اللحظات الثورية لها منطق خاص ولكنها لا تستمر الاحتجاجات والتعبئة الجماعية المفاجئة غالبا ما تكون غير متوقعة، وفي حالة الربيع العربي كما هو الحال في إيران فقد مرّ المجتمع بالكثير من المظالم على مدى عقود من الزمن، إضافة إلى التراجع الاقتصادي، فشل الحكام، الفساد السياسي، الصراع النخبوي وهيمنة المؤسسات العسكرية والسياسات الداخلية والخارجية التي تحظى بالكثير من الشعبية. وقد فشلت محاولات الناشطين الحقوقيين المتكررة لتحريك الاحتجاجات الجماهيرية في العديد من المرات ولم تتمكن من مواجهة قوة المؤسسة العسكرية، ولكن النجاح المفاجئ للثورة في تونس ثمّ في مصر فاجأ النشطاء وغيرهم.انتشار الفكر الثوري سرعان ما انتشرت التعبئة سريعا داخل البلدان وانتقلت إلى دول أخرى مثل اليمن، سوريا اللتين استوحت شعوبهما الصور التي تداولتها القنوات التلفزيونية ومواقع التواصل الاجتماعي وكذا الدعوات المطالبة بالحرية والعدالة الاجتماعية. ولغاية الآن في إيران لا يوجد أي دليل على نشر هذه الاحتجاجات الجديدة خارج البلاد، على الرغم من التدقيق المكثف واهتمام وسائل الإعلام بما يحدث. إن التعبئة الناجحة في تونس ثم مصر خلقت حقائق سياسية جديدة، حيث رأت الشعوب فجأة إمكانية التغيير السياسي الذي كان يمثل حلما بعيد المنال وغير واقعي تماما، ولأنّ الشعوب احتضنت تطلعات المحتجين فقد زادت مخاوف بقية الأنظمة العربية الأخرى من السقوط تحت موجة الشارع، فبدأ اقناع الطبقة الوسطى والنخب بدعم تلك الأنظمة ولجأ البعض إلى اعتماد إصلاحات سياسية واقتصادية لشراء السلم الاجتماعي بينما لجأت أنظمة أخرى إلى القمع الانتقائي أو التصدي بعنف إلى مختلف الحركات الاحتجاجية. إن إيران تشبه مصر في تاريخها من حيث الاحتجاج والنشاط، فضلا عن وسائل الإعلام القوية والمتوترة، وانتشار منطق السيطرة على جميع أشكال السياسة العامة، وكما هو الحال في مصر، لم تظهر احتجاجات إيران سوى القليل عن حجم المظالم الشعبية التي لم يفهمها الإيرانيون على نطاق واسع. ويمكن أن يأتي تأثير هذه الاحتجاجات الإيرانية بدلا من ذلك بتغيير التوقعات بشأن إمكانية النصر. وفي تونس مثلا، بدأت الاحتجاجات في الجنوب المهمش، لكنها انتقلت بسرعة إلى العاصمة وحصلت على دعم منظمات المجتمع المدني، وحتى الآن، يبدو أن الاحتجاجات الإيرانية لا تملك قيادة منظمة، وتتركز بين الشباب والطبقتين الفقيرة والعاملة، وهو ما يشكل تحديا للإصلاحيين الإيرانيين ونشطاء المجتمع المدني، الذين هم غير مؤكدينالخيارات العسكرية الحاسمة ركزت مختلف الأبحاث حول الانتفاضات العربية على ردود الفعل المتباينة من مختلف المؤسسات العسكرية، ففي تونس ومصر قام الجيش بتسهيل مغادرة الرئيس، بينما انقسم الجيش في اليمن واصيبت البلاد بشلل سياسي طويل، أما في ليبيا، فسرعان ما تطور الوضع إلى حرب أهلية. في معظم حالات الاحتجاجات العربية ظلّت المؤسسات العسكرية موالية، ولكن مع تزايد العنف في إيران حيث تشهد الاحتجاجات صداما بين المتظاهرين وقوات الأمن، لا تظهر علامات تشير إلى إمكانية حدوث انشقاق في صفوف قوات الأمن الإيرانية، وفي هذا الصدد يرى بعض المختصين في الشأن الإيراني أنّ المؤسسة الأمنية والعسكرية الإيرانية جهاز إكراهي وهي مؤسسة متماسكة وملتزمة بالقمع الممنهج، وبالتالي فإذا اختار النظام الإيراني تصعيد قوته القمعية، فإنه يتمتع بالإمكانيات التي تساعده في فرض قيوده على الاحتجاجات. ورغم أن الرئيس حسن روحاني سبق وأن انتقد الأساليب الاستبدادية لمنافسيه المتشددين لقمعهم للمعارضة خلال الحركات الاحتجاجية، إلاّ أنّ هناك تساؤلات تطرح حول تعامله بنفس المنطق مع أحداث العنف التي تشهدها البلاد حاليا. وبالنسبة للمتظاهرين، فعليهم اتخاذ قرارات صعبة بشأن العنف، خاصة وأنّ المظاهرات تفقد قيمتها إذا تمّت عسكرتها، فالحركات المنظمة أكثر قدرة على مظاهرات سلمية، ولكن يبدو أنّ الاحتجاجات الإيرانية مفتوحة على التصعيد ميدانيا، بغض النظر عن القرارات الاستراتيجية التي قد تتخذ بشأنها.تأثير وسائل التواصل الاجتماعي إن الانتشار السريع لصور وفيديوهات الاحتجاجات الإيرانية امتداد للثورات العربية التي انتشرت بشكل كبير بفضل وسائل التواصل الاجتماعي، فالهواتف الذكية والصور والرسائل والتغريدات وسّعت من زخم حركة الاحتجاج بشكل لم يكن متوقعا وسمحت للمحتجين بإيصال رسائلهم إلى المجتمع الدولي. ولكن وسائل التواصل الاجتماعي قد تكون سلاحا ذو حدين لكونها تعمل على خلق ونقل انطباعات مضللة لما يحدث وخاصة مع وجود عدد قليل من الصحفيين على الميدان لنقل الوقائع بموضوعية.وماذا عن السياسة الأميركية؟ لقد شكلت الانتفاضات العربية تحديا جديدا للسياسة الخارجية الأميركية من خلال فرض الاختيار بين التغني بشعارات الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان والتحالفات المصلحية وتفضيل العمل مع الأنظمة الدكتاتورية. فدعم الحركات الديمقراطية تضع الولايات المتحدة في اختبار جديد أي أنها ستكون مجبرة على التعامل مع حليف بخيارات صعبة، ولكن الاحتجاجات الإيرانية لا تشكل هذا النوع من الاختبارات. وبالتالي فالشيء الأسهل بالنسبة لواشنطن لن يكون أكثر من التغني بدعم الاحتجاجات "خطابيا" والسعي لاستغلالها ضدّ الخصم، وهو خطاب لا يهم المتظاهرين بشكل كبير. فملايين المصريين المحتجين في العام 2001، لم ينتظروا خطابا من الرئيس الأميركي باراك أوباما، ولن يتخذ المتظاهرون في إيران اليوم قراراتهم بناء على التغريدات التي يطلقها الرئيس دونالد ترامب، وبالتالي فدروس الثورات العربية لإيران يجب أن تتضمن أشياء ملموسة حول قدرة واشنطن على السيطرة على الأحداث أو تشكيلها، وفهم الحجم الكامل للنتائج المحتملة، السلبية منها والإيجابية على سواء.
مشاركة :