الزواج بين القصيدة والمسرح للوصول الى قلب وعين المتلقي

  • 1/3/2018
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

الشاعر الجزائري نورالدين مبخوتي أن القصيدة الشعرية بمفردها لا تمتلك كل الإمكانيات لكي تكون بديلا إبداعيا عن فنون أدبية أخرى، لكن مزجها مع فنون أخرى منها المسرح على سبيل المثال يجعل كل منهما يكمل الآخر. وقال مبخوتي في مقابلة أثناء زيارة إلى المغرب إنه بالرغم من ازدهار القصيدة الشعرية الجزائرية مؤخرا وتحقيقها "طفرة نوعية ومكاسب لا يستهان بها كصدور مجاميع شعرية لشعراء جزائريين عديدين" فإن القصيدة "لا تُصلح أعطابا ثقافية أخرى... القصيدة لا تمتلك كل الإمكانيات الإبداعية كي تكون بديلا موضوعيا للمسرح الشعري مثلا". وأضاف "رغم وجود محاولات محتشمة عندنا كما هو الشأن عند الشاعر المسرحي أحمد حمدي أو تجارب وزير الثقافة الحالي الشاعر عزالدين ميهوبي الذي خاض تجربة كتابة الأوبريت والمسرحية الشعرية فهذا يبقى غير كاف أمام خوض تجربة المسرح الشعري على شاكلة مسرح (صلاح) عبدالصبور و(وليام) شكسبير وموليير و(جان) راسين وسوفوكليس واسخيلوس". وكان مبخوتي أطلق نداء في هذا الصدد عن طريق نشر سلسلة من المقالات النقدية في الشعر في تسعينيات القرن الماضي. وقال"ما نحتاجه اليوم هو مسرح يلامس قضايانا الجوهرية الوجودية لكن بتوفير الجماليات الضرورية، فالشعر يعيش أزمة لأنه نخبوي بطبعه، والمسرح في أزمة على اعتبار انه فن وافد على ثقافتنا ولم نستطع أن نزرعه في بيئتنا فعاش غريبا، ولهذا من الضرورة أن نزاوج بينهما على اعتبار أنه حدث في التاريخ الإنساني عند اليونان وعند شعرائه الأفذاذ وعند شكسبير وغيرهم". وتساءل قائلا "لما لا نستغل الأشكال الشعرية الموجودة في التراث مثل التشطير والتخميس ؟ فالشعر القابل للإنشاد يعتمد على المسرح وهكذا يتجسد ذلك في لقاء حي مباشر يتخذ من الكلام الموقع سبيلا للوصول لعين وقلب المتلقي، وهكذا يكمل كل فن الآخر باستعارة أدوات يكمل بعضها البعض". ومبخوتي شاعر وناشط ثقافي جزائري ولد في وجدة شرق المملكة المغربية عام 1965 حيث نشأ ودرس ليستقر به المقام في تلمسان بالجزائر حيث اشتغل بالتدريس. نشر إنتاجه الشعري في الصحافة العربية وأصدر مجموعته الشعرية (بلاغة الهدهد). شارك في عدة ملتقيات وطنية جزائرية وأشرف على عدة مناسبات ثقافية في تلمسان منها الملتقى الوطني للقصة في الجزائر والملتقى الجهوي للشعر الثوري كما إنه عضو مؤسس لرابطة القلم الوطنية الجزائرية. * الشعر الجزائري والعوامل السياسية ويتطرق مبخوتي إلى علاقة الشعر الجزائري بالثقافة الفرنسية التي فرضت نفسها بطبيعة الحال أثناء الاحتلال الفرنسي للجزائر الذي بدأ في 1830 وحتى الاستقلال في 1962 وأثر ذلك على مدى الأجيال. وقال "الثقافة الفرنسية شكلت مرجعية ثقافية للفرد الجزائري ورافدا من روافد تكوين شخصيته وتجليات ذلك بارزة للعيان، فالكثير من الرعيل الأول من الساسة والمفكرين كحالة المفكر مالك بن نبي ورجال الأدب كانوا يكتبون ويفكرون بالفرنسية ويعتبرونها غنيمة حرب على شاكلة الأديب العالمي محمد ذيب صاحب الروائع الأدبية رواية وشعرا أو ابن جيله كاتب ياسين". وأضاف "صحيح بعد الاستقلال حدثت مراجعة للذات، ذلك أن أسماء وازنة كبيرة باتت تتحسس وتتحرج من لغة الآخر وتعتبرها غربة ومنفى وحالة استلاب مخزية على النحو الذي نشهده عند مالك حداد الذي توقف نهائيا عن الكتابة بلغة الآخر ‘الغازي‘ بالرغم من تضلعه في الفرنسية وإسهاماته الأدبية الخلاقة". ويستطرد قائلا "لكن ثقافة الآخر في شقها الفرنسي حاضرة بكثافة في حياتنا ومشهدنا الثقافي إذ نجد مثلا الروائي رشيد بوجدرة وأمين الزاوي مازالا يزاوجان الكتابة باللغتين العربية والفرنسية". ويذهب مبخوتي أبعد من ذلك قائلا "نمتلك أدبا جزائريا مكتوبا بالفرنسية له أعلامه ورموزه وأنصاره ودور النشر التي تحتفل به. وإذا كان الخطاب الشعري الجزائري المكتوب بالفرنسية المتعدد في تجاربه له نكهته الخاصة، بالمقارنة مع النص الشعري بالعربية الذي هو الآخر حقق طفرة نوعية، فإن تجاربه مازالت تتشابه بحكم ارتباطه الوثيق بالمنجز الشعري بالمشرق العربي وعودته المستمرة للتراث". لكن مبخوتي يرى أن الاحتلال الفرنسي ليس وحده صاحب البصمة الظاهرة على الشعر الجزائري الحديث فهناك "العشرية السوداء" ويقصد بها ما مرت به الجزائر من أحداث دامية في تسعينيات القرن الماضي والتي تركت أيضا بصمتها على الشعر والشعراء. وقال "دفع بعضهم حياته ثمنا وأخص بالذكر الهادي فليسي والطاهر جاووت ويوسف السبتي المغتال صاحب ديوان (الجنون والجحيم) وقد استحضر الروائي الطاهر وطار شخصية هذا الشاعر في رواية ‘الشمعة والدهاليز‘". وعن جدلية سطوة الرواية مؤخرا على باقي الفنون الأدبية وذهاب بعض النقاد إلى أن القصيدة انحصرت في العالم العربي لصالح الرواية لسعة خيال هذه الأخيرة وقدرتها على استيعاب وتحمل ما لا تستطيع القصيدة احتواءه قال مبخوتي "هي مسألة مطروحة في ساحة النقد لأسباب عديدة منها أن الرواية أرحب وأوسع بل إن الرواية تحقق مكسبا ماديا معتبرا من خلال الجوائز لكن سيبقى الشعر فن اللغة العربية الأول حاضرا في حياتنا بالرغم من هجر الشعراء له". ويرى أن أغلب الروائيين الناجحين مروا من تجربة كتابة الشعر كما هو الحال مع رشيد بوجدرة وأحلام مستغانمي ومحمد بوطغان. وبتفاؤل يصر مبخوتي أن الشعر "سيبقى كطائر الفينيق ينبعث من رماد الحرائق والهزائم.. فهو بالرغم من الردة الرهيبة لعالم القيم والجمال سيظل يتغذى من الألم ليصنع فرحه البهي ويؤسس لعرس القصيدة وفرحها في هذا الخراب العتي".

مشاركة :