يراهن الناخبون التونسيون على الانتخابات البلدية المقرر إجراؤها في 6 مايو/ايار لإرساء مؤسسات حكم محلي منتخبة تمكنهم من إدارة شؤونهم وحل مشاكلهم الاجتماعية بأنفسهم فيما يقول محللون سياسيون إن الحكم المحلي لا يخلو من المخاطر. وعلى امتداد السنوات السبع الماضية ما انفكت الجهات التونسية خاصة الداخلية منها والمحرومة تطالب بإشراكها في القرارات التي تتخذ بشأن توفير التنمية وحقوقهم الاقتصادية والاجتماعية. ويقول أهالي الجهات أنه حان الوقت لإنهاء مركزية القرار الإداري والتنموي باعتبار أنهم الأكثر قدرة على التعاطي مع مشاغلهم وأن السلطة المركزية لم تتوصل بعد إلى توفير الحلول وإنما إلى التعرف على حقيقة الأوضاع الهشة. ويرى مراقبون أن الحكم المحلي سيكون نقلة تاريخية نوعية تكرس دولة المواطنة وتدعم المسار الديمقراطي وتضع حدا للتهميش السياسي والاجتماعي الذي جعل أهالي الجهات الداخلية يشعرون بأنهم مواطنون من درجة ثانية. وينص الدستور التونسي على أن السلطة المحلية تقوم على أساس اللامركزية التي تتجسد في جماعات محلية تتمتع بالشخصية القانونية وبالاستقلالية الإدارية والمالية وتدير المصالح المحلية وفق التدبير الحر. كما ينص الدستور على أن الجماعات المحلية تتمتع بصلاحيات ذاتية وصلاحيات مشتركة مع السلطة المركزية وتعتمد آليات التشاركية الديمقراطية ومبادئ الحوكمة المفتوحة لضمان إسهام أوسع للمواطنين والمجتمع المدني. وقال مراد علالة المحلل السياسي إن "الحكم المحلي من شأنه أن يعم المسار الديمقراطي في البلاد ويفتح المجال أمام كل المواطنين للمساهمة في إنجاح التجربة التونسية التي تعد تجربة متفردة في المنطقة العربية". وأضاف في تصريح لميدل ايست أونلاين "مهما تكون نتائج الانتخابات فإن التوصل إلى إرساء مؤسسات حكم محلي منتخبة من شأنه أن يدعم العملية الديمقراطية ويضع حدا للمركزية التي تستحوذ على القرار". غير أن مراقبين آخرين حذروا من مخاطر الانتقال من نظام المركزية إلى اللامركزية. وبحسب سامي بن سلامة العضو السابق بالهيئة العليا المستقلة للانتخابات فإن التونسيين مازالوا لم يستوعبوا نظام الحكم المحلي ومخاطره، محذرا في الوقت ذاته من أن تنظيم الانتخابات المحلية سيكون له انعكاسات سلبية وقد يزيد في اضعاف الدولة وتشتيت السلطات. لكن خبراء اعتبروا أن هذا طرح بعيد عن التجربة التونسية التي تقودها دولة قوية تمارس صلاحياتها وتتمسك بدورها الاستراتيجي وبالتالي فإن الحكم المحلي لن يضعفها بل سيدعم أداءها في العاطي مع الملفات الحارقة وتحديات التنمية المحلية. ويشدد الخبير هشام الرياحي على أن اللامركزية وإرساء مؤسسات الحكم المحلي هي من مقومات الديمقراطيات العريقة معتبرا أن الدولة التونسية والمجتمع سيستفيدان كثيرا من الحكم المحلي باعتباره رافدا من روافد الديمقراطية. واعتبر أنه لا يمكن الحديث عن الديمقراطية بمعناها السياسي والتنموي في ظل غياب مؤسسات حكم محلي تمثل المواطنين، مشيرا إلى أن الحكم المركزي يواجه تعقيدات في ما يتعلق بإدارة الشأن العام. وفي ظل تشرذم المشهد السياسي وإعلان عشرة أحزاب عزمها خوض الانتخابات في قائمة موحدة معارضة لحزب نداء تونس وحركة النهضة الشريكان الرئيسيان في الحكم، يتوقع المحللون السياسيون أن تحمل الانتخابات مفاجآت. وقال مراد علالة لا نستبعد التصويت العقابي ضد مرشحي كل من النهضة والنداء بدرجة أولى وبقية الأحزاب بدرجة ثانية بعد أن فقد الناخب التونسي ثقته في الأحزاب السياسية التي غرقت في أزماتها الداخلية ولم تقدم شيئا يذكر للمواطن. ولم يستبعد محللون سياسيون هذه الفرضية، لكنهم رجحوا أن يستأثر الحزبان الكبيران (النهضة والنداء) بغالبية المجالس المنتخبة. وتساور التونسيين مخاوف من تحزيب الحكم المحلي على غرار الانتخابات البرلمانية والتشريعية خاصة وأن الأحزاب تراهن هي نفسها على التموقع تمهيدا للانتخابات البرلمانية والرئاسية القادمة. ولعل ذلك ما يفسر أن التسجيل في القائمات الانتخابية بدا محدودا نتيجة عزوف التونسيين عن العملية السياسية عامة على الرغم من الجهود الكبيرة التي قادتها الهيئة العليا المستقلة لانتخابات.
مشاركة :