يعشق الفنان التونسي عياد بن معاقل مسرح العرائس، ويقدم عروضه بشغف ظاهر، إذ يمسك بخيوط الدمى، فيحرك أطرافها ويبث فيها الحياة، ويجعلها تمشي وترقص وتتحرك وتتفاعل مع المشاهدين، بأسلوب مرن ومميز. مواد أوضح عياد بن معاقل أن الدمى تصنع من مواد متباينة، فأغلب الأجزاء الموجودة فيها من الخشب، باستثناء الرأس الذي لا يصنع من مادة صلبة ويكون فارغاً من الداخل، بسبب الحاجة إلى تشكيله، والى أن يكون خفيفاً، ولذا تدخل في صنعها الألياف الزجاجية، والبوليستر. وتختار المواد التي تستخدم للرأس بعناية، اذ يجب أن تقبل الماكياج الذي يوضع عليها. ويراوح وزن الدمية بين كيلو و400 غرام حداً أدنى، إلى 2.5 كيلوغرام. 1979 العام الذي بدأت فيه مسيرة الفنان التونسي مع العرائس والدمى. 120 عروساً ودمية، يمتلكها بن معاقل، وكلها من إبداعه الخاص. يمتلك بن معاقل العشرات من الدمى التي يصنعها بنفسه، ويطلق عليها الأسماء؛ فتصبح شخصيات لها خصائص وسمات يقدمها على مسرح العرائس الخاص به؛ فهو عاشق للعرائس وللمسرح، ويسعى من خلال مهنته إلى الحفاظ على ذلك الفن رغم الصعاب والتحديات. وقال عياد بن معاقل لـ«الإمارات اليوم»، على هامش مشاركته في المسرح العالمي للدمى والطفل، الذي اختتم في دبي أخيراً: «لقد بدأت مشواري في عالم الدمى عام 1979 الذي صادف أنه السنة العالمية للطفل، ولاقت مبادرتي الخاصة بمسرح العرائس دعماً من منظمة اليونسكو، فكونت في غرفة خاصة في تونس محترفاً أصنع فيه الدمى». وأضاف «بعد ذلك قررت أن أطور نفسي في المجال، من خلال الأسفار التي تمكنني من التجوال عبر المدن والبلدان التي تشتهر في عالم الدمى، ومنها تركيا، بلغاريا، يوغسلافيا، النمسا، والتشيك، وقدمت بعدها مجموعة من البرامج في التلفزيون التونسي، وكانت خاصة بمسرح العرائس». صعوبات تغير مسرح العرائس بين اليوم والأمس، حسب بن معاقل الذي يرى أن المهتمين بهذا المجال كانوا يمنحونه الكثير، بينما اليوم باتت العروض تتطلب الكثير من الإمكانات، وقاعات العروض، كما أن المواد الأولية باتت مرتفعة الثمن، بالإضافة إلى أن العاملين يطلبون أجوراً، على خلاف من كانوا يساعدون في الماضي بدافع الشغف. كل تلك العوامل جعلت من هذا المسرح يواجه الصعوبات، إلى جانب الاستسهال الموجود لدى البعض ممن باتوا يقدمون عروضاً لا تليق، سواء من ناحية القصة، أو الأداء، وحتى روح العمل. وشدد على أنه «لابد من الاستثمار في الإخراج والكتابة والنص الجيد، لأن النص إن لم يكن مربياً جيداً للطفل، فلن يترك أثراً، فالمسرح هو الطرف المقنع للطفل، خصوصاً أنه يعتمد على العلاقة المباشرة معه». تجربة يقدم الفنان التونسي مجموعة من الشخصيات في عروضه، ولكن أبرزها الدمية الشخصية التي سبق أن شارك بها في برنامج «آراب غوت تالنت». وعن تلك الدمية يقول: «الراقصة الاستعراضية من أصعب الشخصيات التي عملت عليها في التحريك، ولكن من لا يمارس هذا الفن يومياً لا يكتسب الخبرة، فالصعوبة تكمن في ما هو مطلوب من الدمية والحركة المرغوب بها، فالدمية مصنوعة من مادة صلبة، ويجب منحها الروح والشخصية والحركة». ولفت إلى أنه يومياً يحرّك العرائس، فهو يسكن في ورشته ويتدرب يومياً على تحريكها، لأنها مهنة تتطلب المهارة والعضلات، ومع قلة التمرين يفقد المرء المهارة. وعن مشاركته في برنامج المواهب، قال: «لقد كانت تجربة ناجحة جداً، وأتمنى تكرارها، فهذه الراقصة الاستعراضية التي أبهرت الجمهور عبر الشاشة، لطالما أبهرت رؤساء دول، فقد كنت أدعى الى بعض الأحداث التي يحضرها رؤساء يزورون تونس، ومن بين الضيوف الذين أسعدتهم الراقصة وأحبوا عرضها كثيراً، الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك، الذي طلب مني معاودة العرض». تصميم.. فتنفيذ يمتلك بن معاقل ما يقارب 120 عروساً، وكلها من إبداعه الخاص، اذ يضع التصميم ثم يرى المواد التي يتطلبها، وبعدها يشرع في تنفيذه، موضحاً أنه متمكن من التقنيات كلها، بما فيها خيال الظل الذي يقدم في مسرح العرائس، والذي بات يقدمه بالألوان. وشدد على أن الحب هو الذي يربطه بمسرح العرائس، فهو يعمل في مهنة يعشقها، ويمنحها الكثير من الوقت. أما النصوص التي قدمها، فكانت في أغلبها مأخوذة عن كتب قديمة، ومنها ألف ليلة وليلة، وكليلة ودمنة، الى جانب الكتب ذات الأفكار الهادفة التي تنتمي إلى التراث. وأشار الى أنه حين يحرك أي شخصية ينتقل عبر حواسه الى الشخصية التي يحاول تجسيدها، وعندما تكون العروس غير مطواعة في الحركة يؤدي الحركة بنفسه. حتى آخر نفس يؤكد بن معاقل أنه سيواظب على العمل بمسرح الدمى الذي يعشقه الى آخر رمق في حياته، ولديه مشروعه الخاص والمسرح الخاص بالدمى، بينما يسعى إلى ترسيخ المهنة في الجيل الجديد انطلاقاً من أولاده، فإحدى بناته تعمل معه وتساعده في العروض. وطالب بضرورة الاهتمام بمسرح العرائس الذي يقدم ثقافة، والحفاظ عليه، ففي الغرب مازال حاضراً بقوة، معتبراً أن مسرح العرائس أفضل وسيط بين الثقافات والطفل. ويختصر الفنان التونسي أحلامه بهذا المجال، في رغبته في تنظيم كرنفال يسير ويتنقل بين الدول العربية، ويستطيع من خلاله تمثيل الشخصيات الثقافية التي تنتمي للمجتمع العربي كله، لاسيما الشخصيات العملاقة المهمة التي رحلت، لافتاً إلى أن ذلك سيقدم التاريخ بشكل حداثي، وهناك الكثير من الشخصيات التي تستحق أن تجسد.
مشاركة :