نور المحمود في الحياة أشياء تصبح بفعل التطور واقعاً لا يمكنك الهروب منه أو الاستغناء عنه، حتى وإن كنت تعلم جيداً أنه يشكل عليك وعلى أسرتك خطراً. ومهما اتسعت دائرة التحذيرات منه، إلا أن طبيعة الإنسان تدفعه باستمرار نحو المجازفة وتجاهل الخطوط الحمر، والانجذاب أكثر فأكثر نحو بعض الوسائل التي تؤمّن له الترفيه والتواصل والعمل في آن. تحذيرات هيئة الصحة في دبي من الاستخدام المفرط للأجهزة الإلكترونية لاسيما الهواتف والألواح الذكية مهمة جداً، خصوصاً أنها تفند الأمراض التي قد يصاب بها الإنسان في حالة الإدمان على استخدام تلك الوسائل، أو العمل عليها بشكل متواصل ومبالغ فيه. فإلى أي حد يتجاوب الناس مع هذه التحذيرات، وهل يستطيع الكبار التأثير في الصغار ومنعهم من الجلوس مطولاً خلف الأجهزة والتعامل معها أكثر من اللازم؟ في كل مرة نقرأ فيها عن الأمراض التي تسببها الأجهزة الإلكترونية، نتساءل إذا ما كانت الجهات المعنية والهيئات المختصة تجري استطلاعات وإحصاءات لمعرفة مدى تجاوب الناس مع مثل هذه التحذيرات ونشرات التوعية، وإلى أي مدى يستطيع الإنسان اليوم أن يحد من تأثير الإلكترونيات فيه وفي نمط حياته، فيسيطر عليها قبل أن تسيطر عليه فيصبح أسيرها ومهووساً بها أو مدمناً عليها؟ السمنة، الاكتئاب، التوتر، اضطرابات النوم، الإجهاد، قلة التركيز، الصداع، آلام العنق والظهر والمفاصل.. هل تتخيلون أن كل هذه الأعراض يصاب بها الأطفال بسبب الهاتف الذي لا يتخلون عنه، والألواح الذكية وغيرها؟ أمراض يصاب بها عادة من تقدمت به السن، أصبحت من أمراض العصر الحديث، ولا تفرق بين كبير وصغير، فهل يمكننا أن نحمي الأطفال منها؟ كيف؟ السؤال ليس سهلاً، لأننا في زمن أصبحت فيه كل الوسائل الإلكترونية ضرورية، ولم تعد ترفيهية فقط، ولا محصورة بالمكاتب والموظفين، بل هي وسيلة التعليم الحديث الذي لا بد منه، والعالم يتجه أكثر فأكثر نحو الاعتماد على الذكاء الاصطناعي، والشباب يستخدم كل ما هو إلكتروني في واجباته وأبحاثه وابتكاراته.. لذا من المستحيل أن تفصل بين هذه الوسائل والأطفال والشباب، والمهمة صعبة في إبعادهم عنها أو تحذيرهم من إدمانها، فإلى أي مدى يمكننا أن ننشر الوعي خصوصاً في المدارس حول تلك الأمراض، ناهيك عن المخاطر الأخرى مثل السرقة والابتزاز والتحرش والإرهاب المتسلل عبر تلك الوسائل الإلكترونية؟ المهمة ليست صعبة ولا هي مستحيلة، لكنها تتطلب مجهوداً مضاعفاً ومستمراً من قبل كل الجهات المعنية في الدولة، ومن قبل المدارس والأهالي، كي يقتنع الصغار بأن الخطر حقيقي، ويتضاءل وهج العالم الإلكتروني الذي يصيبهم بالانبهار ويشغل تفكيرهم طوال الوقت. Email: noorlmahmoud17@gmail.com
مشاركة :