في تموز(يوليو) الماضي، أصدر البنك الدولي تقريراً بعنوان «خسائر الحرب: التبعات الاقتصادية والاجتماعية للصراع في سورية». التقرير الذي اعتمد على صور الأقمار الاصطناعية والبيانات والدراسات من المنظمات العاملة في هذا الشأن، اعتبر أنّ محافظة دير الزور شهدت أكبر نسبة دمار (جزئي وشامل) بين المحافظات السورية من ناحيتي السكن والبنى التحتية، إذ وصلت إلى 41.2 في المئة، تلتها محافظة إدلب بنسبة بلغت 31.6 في المئة، وحلب بـ30.8 في المئة، وذلك نتيجة الحرب الدائرة في البلاد منذ عام 2011. وجاءت هذه الأرقام، قبل فترة قصيرة من انطلاق الحملة التي استهدفت تنظيم «الدولة الإسلامية» في دير الزور، من جانب قوات النظام والميليشيات الموالية لها بدعم من روسيا من جهة، و «قوات سورية الديموقراطية» (قسد) المدعومة أميركياً من جهة أخرى، وهو ما زاد في نسبة الدمار الحاصل، بسبب القصف المكثّف الذي استهدف المناطق السكنية على وجه الخصوص، خلال هذه الحملة التي أسفرت عن سيطرة قوات النظام على مراكز مدن دير الزور والميادين والبوكمال وعدد من البلدات والقرى الواقعة جنوب نهر الفرات في الريف الشرقي، مقابل سيطرة «قوات سورية الديموقراطية» على المناطق الواقعة شمال النهر. توزّع خريطة السيطرة بين الطرفين المذكورين على حساب تنظيم «الدولة»، كان أقرب ما يكون إلى عملية تسلم وتسليم، وذلك بعد أكثر من ثلاثة أعوام على دخول التنظيم دير الزور منتصف عام 2014، والقضاء على مختلف الفصائل التي كانت في مناطق الريف وأحياء المدينة، وهو ما يطرح التساؤلات حول الغاية من القصف العنيف غير المسبوق الذي شنّته طائرات النظام وروسيا والتحالف الدولي خلال مراحل السيطرة. منظمة «العدالة من أجل الحياة» (منظمة غير حكومية تعمل على توثيق انتهاكات حقوق الإنسان)، نشرت في 11 كانون الأول(ديسمبر) الفائت، تقريراً بعنوان «كأنها القيامة»، تناول القصف الذي تعرّضت له دير الزور منذ بداية تموز وحتى نهاية تشرين الثاني(نوفمبر). التقرير وثّق خلال هذه الفترة مقتل 949 مدنياً، بينهم 196 طفلاً و183 امرأة، نتيجة الغارات الجوية من مختلف الأطراف. وأوضح التقرير أنّ الغارات استهدفت تجمعات المدنيين الهاربين من القصف، إضافة إلى استهداف المعابر المائية التي يستخدمها المدنيون للتنقّل بين ضفتي نهر الفرات. كما تسبّبت الحملة بنزوح أكثر من 150 ألف مدني نحو مناطق سيطرة «قوات سورية الديموقراطية» في دير الزور والحسكة، ومناطق سيطرة فصائل المعارضة في حلب وإدلب. وأكّدت المنظمة في تقريرها الذي استند إلى شهادات مدنيين كانوا في مناطق مختلفة في دير الزور، أنّ عدد الغارات الجوية التي استهدفت الأحياء الخارجة عن سيطرة قوات النظام في المدينة، وصلت في أب(أغسطس) إلى أكثر من أربعين غارة في اليوم الواحد، إلى جانب القصف الصاروخي والمدفعي. في حين وصل عدد الغارات الجوية على مدينة الميادين ومحيطها في بداية تشرين الأول(أكتوبر) إلى نحو 150 غارة يومياً، إضافة إلى البراميل المتفجّرة والصواريخ. المجلس المحلي لمحافظة دير الزور الذي تمّ تشكيله في العاشر من أب الماضي في مدينة غازي عنتاب التركية، أعلن أنّ مجموع أعداد النازحين من المحافظة، نتيجة الحملة العسكرية الأخيرة ضد تنظيم «الدولة»، وما سبق ذلك، بلغ 350 ألف مدني، توزّعوا في مناطق سيطرة «قسد» في محافظتي الحسكة والرقة، ومناطق سيطرة فصائل «درع الفرات» في ريف حلب الشمالي الشرقي، إضافة إلى محافظة إدلب. رئيس المجلس المحلي، أنس فتيّح، أوضح أنّ الهدف الأساسي من تشكيل المجلس، كان يتمثّل بإعداد دراسات لتهيئة الأوضاع في قطاعات الصحة والتعليم وغيرها، من أجل مرحلة ما بعد تحرير المحافظة من قوات النظام وتنظيم «الدولة»، لكنّ الحملة ضدّ التنظيم التي تزامنت مع تشكيل المجلس، فرضت نفسها على الساحة وغيّرت من الأولويات. وعلى رغم مرور نحو ثلاثة أشهر فقط على تشكيله، أصدر المجلس المحلي لدير الزور بياناً في 11 كانون الأول، أعلن فيه تعليق عمله، بسبب ما وصفه بـ «التقصير والتجاهل من منظمات المجتمع المدني السورية والدولية، العاملة في الشأن الإنساني، وعدم توافر الإمكانات المادية لتقديم المستلزمات الأساسية للنازحين». وأضاف البيان، أنّ «وحدة تنسيق الدعم» (ACU)، أطلقت في الثامن من الشهر الفائت حملةً بعنوان «لأنه حق لهم... وواجب علينا»، لدعم محاصري الغوطة الشرقية ونازحي المنطقة الشرقية الموجودين في مناطق «درع الفرات»، فكان نصيب المجلس المحلي من هذه الحملة مبلغ 50 ألف دولار، يُضاف إليه مبلغ 10 آلاف دولار مُقدّمة من «مؤسسة إكثار البذار»، وهو مبلغ لا يسدّ الحاجات الأساسية للنازحين. المجلس ومن خلال هذا البيان، أراد اتّخاذ خطوةٍ من شأنها لفت أنظار المجتمع الدولي والجهات المعنية الى الكارثة الإنسانية الحاصلة في دير الزور، وما يعانيه عشرات آلاف النازحين الهاربين من قوات النظام وتنظيم «الدولة» و «قوات سورية الديموقراطية» على حدٍّ سواء، وهو ما لم يحصل سابقاً في أي منطقة سورية منذ بداية الثورة، من ناحية تجمّع القوى المتصارعة وتنافسها على بقعة جغرافية محصورة ضمن فترة زمنية محددة. لكنّ واقع الحال لم يتغيّر حتى الآن، وفق رئيس المجلس الذي اعتبر أنّ دير الزور غير موجودة ضمن خريطة اهتمامات الجهات المانحة، والمنظمات الإغاثية المحلية والدولية. ورأى الفتيّح أنّ 90 في المئة من المنظمات الموجودة في تركيا، تنتظر التعليمات من الولايات المتحدة الأميركية حول الجهات التي يتوجّب دعمها، مشيراً الى أنّ وفداً من الخارجية الأميركية زار مناطق سيطرة «قسد» في دير الزور، وتعهّد تقديم الدعم اللازم لـ «المجلس المحلي لدير الزور» المنضوي تحت «قسد». بعد سيطرة قوات النظام والمليشيات الموالية لها على كامل مدينة دير الزور، في الثاني من تشرين الثاني الماضي، كشفت الصور والتسجيلات المصوّرة الآتية من هناك، دماراً مرعباً طَمَسَ معالم المدينة الصغيرة. المدينة التي ينظر أبناؤها إلى حالها الآن، وهم يعلمون من مناطق نزوحهم ودول لجوئهم، أنْ لا عودة في القريب العاجل إلى ما بقي من منازلهم وحاراتهم. هذه المدينة التي لم يغب عنها القصف يوماً واحداً منذ منتصف عام 2012، حين سيطرت فصائل من المعارضة المسلّحة على عدد من الأحياء آنذاك. ولعلّ أبناء حلب الذين استذكروا قبل أيام قليلة ذكرى مرور عام على تهجيرهم من أحياء المدينة الشرقية، يدركون جيداً أنّ عام 2016 كان الأشدّ قسوةً عليهم، كحال عام 2017 الذي كان من نصيب دير الزور، الخاسر الأكبر.
مشاركة :